أربعينيات -2- حصاد البحث عن الحقيقة
أربعين مضت وحصادها الرئيسي غربة وهروب، غربة بلا صديق صدوق ولا أخ نصوح ولا حزب يصبح هو النصير ومحدد لشكل المصير، ولم أجد إلا نفسي ممثلة في أريامي تكون غالبا هي الأنيس والجليس وأحيانا هي الألم المكتوم، وهروب من قسوة الواقع وبشاعة المادية اللاأخلاقية وإجرام التدين المغشوش لعالم الأريام الباحث عن الإنسان والسلام النفسي والإجتماعي في عالم مثالي يحاول شخص غير مثالي أن يسكنه هروبا من عصر القرود الذي ضاعت فيه عذرية الإنسانية على أيدي الذئاب البشرية.
عندما تحاول التحلي بالإنصاف والبحث عن الحقيقة وتفعيل التفكر والتدبر في الأمور ورفض الانسياق خلف القطيع بحجة هذا ما وجدنا عليه آباؤنا، ستنالك سهام أقصى اليمين وأقصى اليسار على حد سواء وسيجتمع عليك للمرة الأولى الخصوم فلا أهل دينك عنك راضون ولا خصومهم لك منصفون ولا عبّاد مذهبك لمنهجك متفهمون ولا مخالفيهم لك محبون ولا أهل فكرك لك داعمون ولا منافسيهم في عزائك حاضرون، فأنت كفراشة لا تكتفي بلون من الزهور، اليوم هنا وغدا وهناك لترى كل لون وتشم كل رائحة والقريب منك بالأمس غاضب منك اليوم لأنك تركت محيطه وهكذا فما دامت ضالتك وهي الحقيقة لا تجعلك تابع فستسكن الغربة وطن، وما دمت تتجرد للحقيقة ولو على حساب هواك ومحيطك وتتفوف الأنا الذاتية على الأنا الإجتماعية فلن تجد سواها من وطن .
يقول الفيلسوف الرباني الراحل الشيخ محمد الغزالي:
لا أعرف مظلومًا تواطأ الناس على هضمه وزهدوا في إنصافه كالحقيقة.
أربعين مضت بحثت فيها عن الله فوجدته في كل مكان وزمان وقبل المكان والزمان هكذا رأه وجداني واستدل بآثاره عقلي الذي عجز عن كنه ذاته ولو أدرك كنهه ما خضع له مستسلما، ولكن آياته صرخت في الوجدان فآمن وربما هذا هو اليقين الأقوى الذي ركن إليه وجداني مطمئنا وخرجت منه بأن لهذا الكون قوة قادرة قاهرة عليمة حكيمة رحيمة جميلة خفية الذات ظاهرة الآثار .
امتطيت عقلي براقا إليه فلم وصلت إليه تركت الدابة ببابه وسرت بنوره في نوره .
ليست هناك تعليقات: