لم يكن هناك تحديد علمي واضح لمفهوم الثورة، وكل ما يمكن قوله هو أن هناك محاولاتٍ يصعب أن ترقى إلى مستوى التعريف العلمي. فالكلمة دارجةٌ في الاستخدام اليومي، وحتى في الكتابة التاريخية، أطلقت كتسمية على عدد كبير من الظواهر المختلفة في شدتها، والتي تمتد من اي تحرك مسلح ــ أو حتى غير مسلح ــ ضد نظام ما، إلى التحركات التي تطرح إسقاط النظام واستبداله، الأمر الذي يصعب عملية تدقيق المصطلح.
وفي اللغة العربية نفسها استخدم التعبير لوصف تحركاتٍ شعبية من أنواع عدة مثل "ثورة الزنج"، وثورة القرامطة، وقد استخدمها عرب القرن العشرين المتأثرين بثورات عصرهم لفهم الماضي بمفاهيم الحاضر، وفي محاولة للارتباط بتراث ثوري مفترض يكتب كأنه سيرورة نضال الطبقات المضطهدة، فكما يوجد ثورة الزنج والقرامطة يوجد ثورة عمر المختار، وثورة الريف بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي، وثورة الجزائر والثورة الفلسطينية، وثورة 23 يوليو بقيادة جمال عبد الناصر.
وهذا هو أيضا نهج ثوريي القرن التاسع عشر الأوروبيين في إطلاق كلمة "ثورة" على تمرد العبيد بقيادة سبارتاكوس في روما القديمة "ثورة العبيد". ونهج اليسار الألماني منذ كارل ماركس في تسمية الحركات الدينية الألفية الخلاصية بقيادة توماس منتسر" ثورة الفلاحين"، بينما وضعها المؤرخون الأوربيون في إطار مفهوم "الإصلاح" أو الحركات الدينية الخلاصية التي تولدت منه بوصفه يشمل عملية متعددة الأبعاد والظواهر من حركات دينية واجتماعية واحتجاجية وثورية، وهذا ما قد يشير إلى الاختلاف بين نهج المفكر ونهج المؤرخ.
وقد استخدم لفظ ثورة أيضاً في وصف التمردات الشعبية الذي جاء بشكل متأخر متأثراً بالأيديولوجيات الثورية في القرن العشرين، ثم تحويل مفهوم الثورة على الديكتاتوريات والنفوذ الأميركي ليأتي من أمريكا اللاتينية إلى مصطلح رئيس في السياسة لمثقفي اليسار في العالم الثالث عموما.
أما المؤرخون العرب القدماء فلم يستخدموا كلمة "ثورة"، بل استخدموا كلمات مثل "خروج" و"فتنة". والفتنة في الواقع هي الصراع الأهلي الذي يمس بالعنف التوازن السياسي الاجتماعي القائم بين جماعات أهلية، وربما يرتبط ذلك مرجعيا بالمفهوم الإسلامي لوحدة الجماعة واستقرارها التي ارتبطت بدورها بتعزيز ديناميات التمصير، أي بناء المدن المستقرة وخططها مقابل نمط الاجتماع البدوي العرابي المنقسم والمضطرب، ولهذا فإن مفهوم المؤرخين العرب لما يصفه المؤرخون المعاصرون بـ "الثورة" خاضع للسياق الذي حكم إنتاجه، وهو اعتبار الخروج على الجماعة تقويضاً للعمران، والخروج على الجماعة أو الامة هو الأصل في ذم الخوارج، أما الخروج على السلطان الغاشم فقد اختلف بشأنه، فالبعض اعتبره خروجا على الجماعة، والبعض الآخر اعتبره أمرا مشروعا، بل واجب في بعض الحالات.
إن أقرب كلمة إلى مفهوم الثورة المعاصرة هي "الخروج"، بمعنى الخروج لطلب الحق، فهو خروج من البيت إلى الشارع أو الميدان طلباً للحق، أو دفعاً للظلم. وهنا مغادرة الصبر والشكوى والتذمر وحالة عدم الرضا في الحيز الخاص، وحملها الى الحيز العام.
ومن هذا المنطلق نلاحظ حدوث ثورات في الدوائر العربية أطلق عليها ثورات الربيع العربي، إلا أن الباحثة رأت ضرورة الوقوف على هذا المصطلح الذي يردده الكثرون، لكن بمفاهيم مختلفة، برؤى متباينة، وذلك للتعرف على جوهر هذا المفهوم، وتطور مفهوم الثورة لدى المفكريين، لاسيما مفكري علم الاجتماع السياسي، إلى جانب التطرق إلى المفاهيم المرتبطة بمفهوم الثورة ومدى الاختلاف بينها وبين هذا المفهوم، بالإضافة إلى خصائص مفهوم الثورة، وتناول أنواع وأنماط الثورة، ورصد مراحل المنظومة الثورية، فضلاً عن التطرق إلى المداخل المفسرة للثورة، والأسباب التي تستدعي القيام بالعمل الثوري.
أولاً – المفهوم اللغوي لمصطلح الثورة:
في اللغة اللاتينية:
تعني كلمة الثورة بمعناها اللاتيني الدقيق "مظهرة الحركة الدائرية للنجوم". والكلمة لا تشير إلى العنف, بل تشير إلى حركة دائرية متكررة، وأن مصطلح الثورة مصطلح فلكي الأصل اكتسب أهميته المتزايدة من خلال العالم الفلكي "نيكولاس كوبرنيكوس". ونشأ أصل الكلمة في علم الفلك، واستخدم على سبيل التشبيه في السياسة، وظل مصطلح الثورة يعني حتى القرن التاسع عشر، اضطرابا شعبيا فقط، وأنها اتخذت معناها السياسي قبل عام 1789، عام إندلاع الثورة الفرنسية، بمدة وجيزة.
في اللغة العربية
يقول »لسان العرب« فى مادة ثار: ثار الشىء هاج، ثورة الغضب حدته، والتأثر الغضبان، ويقال للغضبان أهيجَ ما يكون: وقد ثار ثائره وفار فائره إذا غضب وهاج غضبه، وثار إليه وثب. ويربط اللسان العربى لفظ »الثورة« بذلك لغويا أو إيحاءً لغويا بمعانى عدم الإنضباط والغضب.
ويرتبط مفهوم الثورات في العالم العربي ــ مثل الثورة الفرنسية ــ بالمعنى اللاتيني للكلمة.
ثانياً - تطور مفهوم الثورة لدى المفكريين:
تطور مفهوم الثورة من مرحلة زمنية لأخرى مع تنوع اقترابات المفكرين منه، كل حسب أيديولوجيته واختصاصه.
ويُعد "أفلاطون" من أوائل الفلاسفة الذين عنوا بدراسة التغيرات التي يمكن أن تطرأ علي البناء السياسي، أما "أرسطو" فكان سباقا فى دراستة للثورات، حيث قدم أول محاولة شاملة لدراسة الثورة، وأفرد لها حيزاً كبيراً من مؤلفه الشهير ''السياسة''. وقد قبل مبدأ وجود الدولة، ولكن الأفكار الخاطئة تؤدي إلي الإحساس بعدم الرضا، وبالتالي حدوث انقلاب سياسي، قد يعمل علي تغيير شكل الدولة بما يترتب علي ذلك من نتائج سياسية، أي أن الثورة ظاهرة سياسية تمثل عملية أساسية لإحداث التغيير الذي قد يؤدي إلي استبدال الجماعات الاجتماعية.
ويقول أرسطو في كتابه " السياسة " إن انماط الحكم كلها معرضة للثورة، بما فيها نمطا الحكم الأساسيان وهما الأوليجاركية والديمقراطية، وكذلك ما يسميه نظام الحكم المتوازن، أو الدستوري، أو الأرستقراطي، والمصطلحات الثلاثة تكاد تكون عنده مترادفات، ورأى أرسطو أن في الأوليجاركية والديمقراطية عناصر من العدالة، ولكن كلاً منهما يصبح معرّضاً لخطر الثورة عندما لا يتلاءم نصيب الحكام أو الشعب من الحكم مع تصورهم المسبق عنه. ولا بد من ان نضيف إلى استخدام أرسطو مفهوم التصور " المسبق"، ويقسِّم أرسطو الثورات إلى نوعين: نوع يؤدي إلى تغيير الدستور القائم، فينتقل من نظام حكمٍ إلى نظام آخر، ونوع يغيِّر الحكام في إطار بنية النظام القائم.
ثم بدأ مفهوم الثورة يأخذ معانٍ جديدة بفضل التطورات التي طرأت علي فرنسا في أواخر القرن الثامن عشر، فلقد برهنت الثورة الفرنسية 1789 لأتباع "سان سيمون" ثم، "ماركس" من بعدهم علي أن الثورة هي مرحلة من مراحل التطور التاريخي، وأن حتمية الحركة الثورية تكمن في عدم ملاءمة النظام القديم وضرورة استبداله بنظام آخر أكثر فعالية وتعبيراً عن جماهير الشعب.
وقد تضمنت مجريات أحداث الثورة الفرنسية إسهامات هامة في تطوير مفهوم الثورة، حيث تطور مفهوم الثورة لتمثل نجاحاً منقطع النظير في القضاء علي حكومة قديمة واستبدالها بحكومة أخري جديدة أكثر رشداً، كما أنها قد شكلت مبرراً منطقياً لأفعال كثير من الثوريين الذين بدأوا يعتقدون أن الثورة قد أصبحت هدفاً في حد ذاته.
الجانب الاجتماعي لمفهوم الثورة:
فيما يتعلق بالجانب الاجتماعي للثورة، من المهم أن نذكر إسهام "ماركس"، و"إنجلز"، حيث لم يقتصر هذا الإسهام علي بلورة نظرة محددة للثورة الفرنسية، بل تعدي ذلك إلي تطوير نظرية في الثورة الاجتماعية ذاتها، فإليهما يعود الفضل في تأكيد الجانب الاجتماعي للثورة. ومن هذه الزاوية نظرا إلي الثورة الفرنسية فوجدا أن طابعها السياسي كان أكثر وضوحاً وتأثيراً من طابعها الاجتماعي. فالحكم علي أي ثورة يجب أن يكون نابعاً من أهداف اجتماعية معينة. وقد حاولا "ماركس"، و"إنجلز"، إقامة نسق تاريخي للتطور الاجتماعي من خلال التركيز علي الأساس المادي، حيث فسرا التاريخ بأنه صراع بين الطبقات لا الأجناس. فإحلال نظام إنتاجي بنظام آخر يؤدي إلي ظهور ضغوط سياسية وتغيرات تتبعها الثورة.
ففي هذا السياق نجد من يستخدم مصطلح الثورة كتعبير للدلالة على تغييرات فجائية وجذرية تتم في الظروف الاجتماعية والسياسية في مجتمع ما، حيث تشير هذه الظروف إلى تغيير حكم قائم وتغيير النظام الاجتماعي والقانوني، وقد يتم هذا التغيير بصورة فجائية عنيفة.
ولم يقتصر استخدام مصطلح الثورة على التغيرات في النظم الاجتماعية والقانونية فحسب، بل استخدمه بعض المفكرين للتعبير عن تغييرات جذرية في مجالات غير سياسية كالعلم والفن والثقافة، الأمر الذي يشير إلى أن الجوهر المقصود من مصطلح الثورة هو "التغيير".
وقد استخدم مفهوم الثورة في مجال العلوم السياسية، علم الاجتماع السياسي للإشارة إلى التأثيرات المتبادلة للتغييرات الجذرية والمفاجئة للظروف والأوضاع الاجتماعية والسياسية.
وفي إطار التطرق إلى موسوعة علم الاجتماع نجد أنها تشير إلى مصطلح الثورة على أنه "التغييرات الجذرية في البنى المؤسسية للمجتمع، والتي تعمل على تبديل المجتمع ظاهرياً وجوهرياً من نمط سائد إلى نمط جديد يتوافق مع مبادئ وقيم وأيديولوجية وأهداف الثورة، وقد تكون الثورة عنيفة دموية، وقد تكون سلمية، وتكون فجائية سريعة أو بطيئة تدريجية".
ويعرف "كرين برنتون" Crane Brinton الثورة في كتابه "تشريح الثورة" بأنها عملية حركية دينامية تتميز بالانتقال من بنيان اجتماعي إلى آخر، وأنها تغيير عنيف في الحكومة القائمة بشكل يتجاوز الحد القانوني.
وعرَّفها البروفسور "هاري ايكشتاين" في مقدمة كتابه عن الحرب الداخلية بأنها "محاولات التغيير بالعنف أو التهديد باستخدامه ضد سياسات في الحكم أو ضد حكام أو ضد منظمة. بينما يشير "بيتر أمان "Peter Amann إلى الثورة على أنها " إنهيار لحظي أو على المدى الطويل لاحتكار الدولة للسلطة يكون مصحوباً بانخفاض الخضوع والطاعة ". كما أوضح "شريكر" P Schrecker أن الثورة بمثابة تغيير غير مشروع للظروف المشروعة. في حين عرف كارل فريدريك Carl Fredreck الثورة بأنها الإطاحة بنظام سياسي مستقر بصورة عنيفة وفجائية.
وقد أشار ل. ب إدوارد L.p Edward للثورة بأنها تغيير وإحلال نظام جديد محل نظام آخر كان مشروعا، ولا يحدث هذا التغيير بالضرورة عن طريق القوة والعنف.
وفي هذا الإطار، أشار "هيجل" في كتابه »والعقل والثورة« في تعريفه لها على أنها الثورة على الأوضاع القائمة، وأنها حركة تتسم برفض وإنكار ما هو قائم فعلاً، وأنها إعادة لتنظيم العلاقة بين الدولة والمجتمع على أساس عقلاني.
ومن المنظور السوسيولوجي للثورة، يرى "بارسونز" أن الثورة بمثابة تعبير "دوركايمي"، أي أنها انحرافات مرضية تبعد عن التوازن المستقر لبنية السلطة . أما "يوري كرازين" فينظر لها بمنظار الأدبيات الماركسية في تحليل التطور الاجتماعي ويقول "إن معنى الثورة الاجتماعية ووظيفتها لا يمكن فهمها إلا حينما ننظر إلى تاريخ المجتمع على حقيقته كسلسلة متصلة من التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية. والثورة شكل من أشكال الانتقال، كما أنها قفزة من التشكيل الاقتصادي والاجتماعي البالي إلى تشكيل أكثر تقدماً ، تكون الخاصية المميزة السائدة له ومضمونه السياسي هو انتقال السلطة إلى الطبقات الثورية.
وقد ربط عالم الاجتماع الفرنسي "إميل دوركايم"، مفهوم الثورة بـ "ظاهرة الفوران الجمعي"، والتي تعبر عن تحرك جماعي لا يمكن تجاهله، ويتضخم بصورة ملحوظة من دون ضمان الاستمرار طويلاً في حالة الفوران. وهي التي تتكون أساساً فيما بين الطبقات الأدنى في المجتمع، فالشعب يعيش حياة مزرية مرتبطة بالفقر في الأساس، إلى جانب نقص الحرية.
ووفقاً لـ "جيدنز"، فإن الثورات تمثل طليعة الأساليب غير التقليدية في الحركات الجماهيرية المنظمة التي تُحدث تغييرات جذرية ــ في النظام السياسي السائد باستخدام العنف. وتتطلب الحركات الثورية ـ كما أشار جيدنز شروطا أساسية لاشتعال الثورة من أهمها أساليب استهواء الجماهير وتوجيهها، ويصاحبها عادة توترات وصراعات.
ويرى "روجر بيترسن Roger Petersen مؤلّف كتاب "المقاومة والتمرد"، أنّ الثورة تبدأ على شكل احتجاجات تأخذ بعدًا شعبيًّا تكسر حاجز الخوف أو ينسى الناس الخوف، ومن ثمّ تتحوّل إلى غضب شعبي عارم تطلَق عليه صفة ثورة.
وفي تعريفه لمفهوم الثورة يقول "ايرك هوبزباوم" Eric Hobsbawm): ) إنّ الثورة هي تحوّل كبير في بنية المجتمع. ويركّز على فكرة التحوّل ولكن زمكانيّة التحوّل الذي تحدّث عنه هي أوروبا ما بين عامى 1789 ــ 1828 .
ويشير إلى أربعة عناصر تسترعي الاهتمام عند الحديث عن الثورة وهي:
الخصوصية:
حيث يركّز "هوبزباوم" على أنّ لكل ثورة خصوصيتها من حيث الزّمان والمكان، وليس هناك تشابهٌ أو تطابق بين ثورتين.
النصر:
ويعني انتصار منظومة جديدة على منظومة قديمة، ويشير "هوبزباوم" إلى انتصار الفكر الرأسمالي الليبرالي على الفكر الاقتصادي الإقطاعي. وفي الإطار العربي يمكن الحديث عن غلبة منظومة قيمية عربية ــ إسلامية ــ بكافة جوانبها على منظومة قيمية قديمة.
البعد الجغرافي للثورة "نظرية انتشار العدوى":
حيث يشير "هوبزباوم" إلى تأثير هذا البعد في مناطق دول الجوار، وفي صيرورة التحوّل - تأثير أوروبا في أميركا الشمالية - وفي السياق العربي يبرز هذا البعد بصورة جليّة في انتقال الثورة من دولةٍ إلى أخرى، وذلك نظرًا إلى التقارب الجغرافي ووحدة الدّين واللغة والتاريخ المشترك، وإلى تقارب الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي لأغلب الدول العربية. وثورة تونس يجب أن تفهم ضمن هذا السياق، حيث امتدّت موجات الثورة إلى مناطقَ جغرافية مجاورة في اتّجاه الشرق والغرب.
التراكمية:
أرجع "هوبزباوم" تفجّر الثورة إلى عوامل متراكمة عبر عدد من السنين أحدثت ضغطًا على القاعدة فولّدت الانفجار الذي يجسّد حالة الثورة. ففي السياق الأوروبي تحدّث "هوبزباوم" عن أزمات الأنظمة البائدة شمال العالم وغربه، ويحدّدها في فقدان الشّرعية واستفحال الاستبداد ومصادرة الحرية، بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في شمال أميركا وغرب أوروبا. وتمثّل هذه الأزمات القاسم المشترك مع الثورة التونسية، حيث توالت في السنوات الأخيرة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وأزمات حقوق الإنسان والحريات، والتي أسهمت بشكل رئيسى في تفجّر هذه الثورة. وفي السياق العربي يمكن القول بأن الثورة هي نتاج تراكم عوامل ضغط اجتماعي واقتصادي وسياسي على القاعدة الشعبية ممّا أدّى إلى تفجّر الثورة.
ومن هذا الإطار، نجد أن هناك من يعرِّف الثورة كظاهرة اجتماعية وسياسية على كونها انتفاضة الشعب ضد الظلم الذي تجاوز كل حدود تحمل الطاقة البشرية. والثورة من منظور التحليل النفسي هي انتصار عامل الغضب في النفوس على عامل الخوف من قوة وإرهاب السلطان. والثورة كفعل إنساني عبارة عن عملية هدم تليها عملية بناء. ويوضح هذا التعريف وجود مرحلتين للثورة المرحلة الأولى: هدم الوضع الظالم والفاسد والفاشل القائم وشعار هذه المرحلة "الشعب يريد إسقاط النظام"، والمرحلة الثانية: بناء وضع جديد يلبي حاجات وتطلعات الأمة وشعارها (الشعب يريد حياة كريمة).
ثالثاً - المفاهيم المرتبطة بمفهوم الثورة:
الثورة والانقلاب
إن مفهوم الانقلاب يعني انتقال السلطة من يد فئة قليلة إلى أخرى تنتمي إلى نفس الفئة الأولى التي كانت تسيطر على الحكم أو على الأقل تشبهها، ويكون باستخدام وسائل العنف الرسمية دون إحداث تغيير في وضع القوة السياسية في المجتمع أو في توزيع عوائد النظام السياسي، ودون تغيير في أحوال المحكومين . وغالبا ما يكون الانقلاب باستيلاء العسكر على السلطة الشرعية بواسطة القوة المسلحة وتغيير نظام الحكم بالقوة دون الرجوع للناخبين.
الثورة والحركة الإحتجاجية:
تشير الحركة الاحتجاجية إلى التقاء جماعة من الناس حول محاولة إحداث التغيير الإجتماعى والسياسى كليا أو جزئيا فى نمط القيم السائدة والممارسات السياسية، وذلك بين المواطنين الذين يجدون فى الحركة تجسيدا لمعتقداتهم ونظرتهم للوضع الاجتماعى المنشود أو يمكن تعريفها بأنها جزء أكبر من عملية التحديث بالإضافة إلى أنها تعبير عن الحس الاجتماعى أكثر من كونها تعبيراً عن أزمة إجتماعية لأنها فعل رشيد من الجماعات المستبعدة لتحقيق نتائج سياسية معينة.
من خلال التعريفات السابقة يمكن القول إن الحركات الاحتجاجية هى عبارة عن حالة من الغضب العام التى تسود المجتمع أو فئة معينة داخل المجتمع، وغالبا ما تكون هذه الفئات المهمشة داخل المجتمع، والتى لا أحد يسمعها ممايجعلها تعبر عن هذا الغضب فى شكل الحركات الاحتجاجية سواء أكانت سلمية أو غير سلمية فى شكل إضرابات واعتصامات أو تجمهر أو تظاهر أو قد يصل الأمر إلى استخدام هذه الفئات للمارسات العنيفة مثل حرق أو قطع الطرق من أجل التعبير عن مطالبها ومطالبة الحكومة بتنفيذها .
الثورة والحركة الاجتماعية:
عرف "لورانز فون شتاين" في مؤلفه "تاريخ الحركة الاجتماعية في فرنسا من 1987 إلى 1850 الحركة الاجتماعية بأنها محاولات البروليتاريا اكتساب القوة الاقتصادية والسياسية، وفي هذا الإطار عرَّف "رودولف هيبرل" الحركة الاجتماعية كمفهوم أوسع ليشمل حركات الفلاحين والحركات الوطنية والفاشية، حيث أوضح أن الحركات الاجتماعية تهدف إلى إحداث تغييرات راديكالية في النظام الاجتماعي العام، لاسيما في مجالات توزيع الثورة وعلاقات العمل، كما يمكن تعريفها؛ بأنها ذلك الجهد الموحد والمتصل الذي يقوم به مجموعة من الأفراد لتحقيق هدف أو مجموعة من الأهداف المشتركة بين أعضائها أو إبدال أو هدم نظام اجتماعي قائم.
وقد حدد عالم الاجتماع الفرنسي "جير وشيه" ثلاث وظائف للحركات الاجتماعية، تتمثل في:
ــ الوساطة بين مجموعة من الناس من جهة والأبنية والحقائق الاجتماعية من جهة أخرى.
ــ توضيح الضمير الجمعي، وهي حالة الجماعة التي تكشف نفسها أو مصلحتها.
الضغط على الأشخاص الذين بيدهم مقاليد الحكم.
ومن هنا يصعب توضيح الفرق بين الحركة الاجتماعية والثورة صعب الوضوح بسبب التشابه الكبير الأمر الى يؤدي إلى المزاوجة بين المفهومين، فالحركة الاجتماعية تنظيم اجتماعي له هياكله ومؤسساته التنظيمية، ويهدف الى تحقيق أهداف محددة، ومن وسائل هذه الحركات الثورة، والتي يمكن أن تكون وسيلة لتحقيق وتجسيد أهدافها.
الثورة والحرية:
تسعى الثورات الحديثة إلى التحرر من قمع الحرية الذي يشبه في هذه الحالة كبح حركة الأجسام والتحرر من الخوف، هذا التحرر ينشئ حلم الحرية. ولكن الحرية السياسية والاجتماعية التي تمارس عبر المشاركة في تقرير المصير وفي صنع القرار هي البعد الثاني الذي يحول الحرية من حرية سالبة الى حرية موجبة ممارسة. ومن هنا فإن أي نظام ديمقراطي يتألف اولا من الحريات المدنية التي تضمن فكرة "التحرر من "، وثانيا من "الحرية في" ، وهذا يعني الحقوق السياسية التي تقوم ببناء الحرية في الدولة من خلال المؤسسات، التي تضمن ممارستها، وليس من حق هذه المؤسسات أن تمنع الحريات الاساسية، فمبرر وجودها هو أن تنظمها. .
الثورة والأيديولوجية:
لا يذكر التاريخ ثورة شعبية قامت أو نجحت على أساس برنامج قائم مسبقا على أيديلوجية سياسية فكرية وحركية معلنة، وحتى الثورات التي انتهت الى أنظمة ذات أيديولوجية رسمية، كما في الحالات الروسية والإيرانية والكوبية وغيرها، كانت في البداية ثورات ضد الظلم، أو لتغيير نظام الحكم، أو للتحرر من الاستعمار، وقد استجلبت الأحزاب المسيطرة، وأدت إلى سيطرة حزب أو حركة على الثورة في نهايتها، أو على السلطة بعد انتهائها. وأثناء الثورات تحرص حتى الأحزاب الأيديولوجية على تقديم برنامج يجمع جميع فئات الشعب، وتحاول أن تخفي برامجها الخاصة بها إلى أن تتمكن من الوصول بواسطة الثورة.
قد تسبق الثورة تحولات ثقافية وأيديولوجية واسعة لدى فئات الشعب، ويصعب الحديث عن فكر ثوري ودوافع ثورية من دون مثل هذه التغيرات التي تؤدي الى تصور نمط الحياة كظلم لا يحتمل.
لهذا فإن الثورات الشعبية بطبيعتها ليست ثورات أحزاب أيديولوجية تسعى الى الحكم، وهذا النوع من الثورات غالبا ما يفشل في توحيد الشعب ويتحول إلى حروب عصابات، أو يتخذ شكل انقلاب عسكري أو غيره من الأشكال.
إن الثورات الشعبية ليست حزبية، لكن الأحزاب التي تنشأ بعد الثورة وتسيطر على السلطة تنشئ تاريخاً للتفخيم الذاتي ، مبنياً على تصور شخصية ما أو فكر معين.
رابعاً ــ خصائص مفهوم الثورة:
إن اغلب الثورات تكاد تجتمع على جملة من الخصائص تميز العمل الثوري عن غيره منها.
ــ الثورة تمثل قطاعاً أكبر من المجتمع ضد فئة أصغر مستحوذة على القوة السياسية والاقتصادية.
ــ تقوم الثورة على الحلول الجذرية وترفض حلول الإصلاح لأنها في الأصل تغيير راديكالي يقوم ويرتكز على راديكالية المطالب.
ــ التغيير الناجم عن الثورة يكون سريع ومفاجئ، وسريع الانتشار بين قطاعات الجماهير.
ــ إن تغيير الثورة يشمل كذلك نسق القيم والمعتقدات بما يتلاءم والمرحلة الجديدة.
ــ الثورة تمثل عملية تغيير اجتماعي وسياسي.
ــ إن الثورة تترتكز على أسس جديدة ومغايرة للنظام القديم لترسيم دعائم بناء جديد على قواعد جديدة.
ــ إن الثورة تكررية وسريعة الانتقال بين المجتمعات وعبر الدول.
خامساً- أنواع وأنماط الثورة:
للثورات أنماط متعددة، وترتكز عملية تحديد نمط الثورة على طبيعة التغيير الذي يتحقق في المجتمع وحجمه، ويمكن التمييز بين نمطين أساسيين للثورات:
النمط الأول لا يؤدي لأي تغييرات سياسية واجتماعية مباشرة، ولكنَّه يُحقِّق بشكل تراكمي امكانية انتقال المجتمع من بنية اقتصادية سياسية اجتماعية إلى بنية أخرى، حيث يشمل التغيير جزءاً من المجتمع، أو حقلاً من حقول المعرفة فيه، مثل الثورة العلمية، والثورة الثقافية، والثورة الصناعية التي برزت في القرن الثامن عشر، والتي حملت معها العوامل والمرتكزات التي أدت إلى الثورات التي شهدتها القارة الأوروبية في القرن التاسع عشر.
النمط الثاني يؤدي إلى تغيير جذري شامل في البنية السياسية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع كافة، ويحدث تغييراً جذرياً للنظام القديم، واستبداله بآخر جديد بمؤسسات جديدة، ويوصف هذا النمط الثوري بـإحداث قفزة نوعية للمجتمع من مرحلة إلى أخرى أكثر تقدُّماً وتطوراً. الثورة هي بمثابة حركة شعبية وتلقائية لتغيير الأوضاع في المجتمعات، وهذا النوع بدوره ينقسم إلى ثلاث فئات؛
الفئة الأولى:
ثورات أحدثت تغيرات جذرية على صعيد البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فالثورة الفرنسية عام 1789، أنهت حكم الملك "لويس السادس عشر" وقامت بتحويل الحكم إلى نظام جمهوري، ورفعت شعارات الحرية والإخاء والمساواة، وأعلنت قيام دولة المؤسسات ممثلة في الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. وعندما قامت الثورة الروسية في عام 1917م لم تكتف بعزل القيصر، بل عملت على إحداث تغييرات جذرية في المجتمع ومثلها الثورة الصينية 1949م. كما يندرج تحت هذا النوع ثورات أوروبا الشرقية عام 1989 وثورة أوكرانيا المعروفة بالثورة البرتقالية في نوفمبر 2004.
الفئة الثانية:
ـ هي ثورات تحررية ولكنها لا تحدث تغير في بنية المجتمع. ومن هذه الثورات الثورة الأمريكية (1773 ــ 1775م)، فكانت ذات طابع حركة تحرير وطني؛ إذ اكتفت بالمطالبة والنضال في سبيل الاستقلال من الحكم البريطاني دون إحداث تغييرات رئيسية في البنية الاجتماعية. وفي أمريكا اللاتينية نموذج آخر من نماذج الثورات التي تمكنت من تغيير بعض الحكام المستبدين، دون أن يصاحب ذلك إحداث تغييرات أساسية في أنظمة الحكومة أو في البنية الاجتماعية للدولة. ويطلق علماء السياسة على هذا النوع من الثورات ثورات ضد السلطة لكونها ذات هدف محدود هو الإطاحة بالحكومة الفاسدة القائمة.
الفئة الثالثة:
ـ هي ثورات تحريرية تحدث تغييراً في بنية المجتمع، مثل الثورات التي كانت موجهة ضد الاستعمار في دول العالم الثالث، وكانت تهدف إلى تحقيق السيادة والاستقلال، ويطلق على هذا النوع من الثورات »الثورات الوطنية«. ويحدث هذا النوع من الثورات تغييرات جذرية في بنيان المجتمع؛ ومن أمثلتها ثورة الجزائر .1954 ــ 1962 .
وفي إطار الحديث النظري عن مصطلح الثورات وأنواعها، لعله يكون من المفيد أيضًا الإشارة إلى أحد التقسيمات المهمة التي طرحها بعض المفكرين السياسيين لأنواع الثورات، حيث يرون أن هناك نوعين من الثورات:
النوع الأول هو "الثورات التأسيسية" Foundational Revolutions :
حيث لا تمحى بنية سياسية واجتماعية واقتصادية قديمة فحسب، وإنما تضع الأساس لبنية جديدة لا يمكن محوها إلا بثورة أخرى أكثر قوة وتأثيرًا.
النوع الثاني، يطلق عليه "الثورات التحويلية" Transformational Revolutions:
وهي ثورات مهمة تقوم بتحويل المجتمع ونقله من وضع إلى آخر، ولكنها لا تتمتع بالديمومة والاستمرار لأسباب مختلفة بعضها أيديولوجي، والبعض الآخر سياسي واستراتيجي.
وفي هذا الإطار يوجد العديد من أنماط الثورة التي يشهدها المد الثوري في العالم، ومن أهمها:
الثورة البرجوازية:
تُعد نمطاً من الثورة الاجتماعية، وقد قاد هذه الثورة الطبقة البرجوازية الناشئة في المدن، وكان جماهير الفلاحين والفئات الفقيرة من سكان المدن والطبقة العاملة الناشئة القوى المحركة لهذه الثورات، وكانت موجهة ضد الأنظمة والحكومات الإقطاعية، والملكية، بهدف تحرير المجتمع من سيطرة هذه الفئات، وإلغاء الألقاب والامتيازات، وتحرير الاقتصاد من العقبات التي كانت تقف أمام تطوره، وإقامة نظام سياسي اقتصادي جديد يرتكز على الحرية، ويعتمد الإنجاز سبيلاً للارتقاء في سلم التمركز الاجتماعي.
وشكَّلت الثورات البرجوازية خطوةً متقدمةً، وانتصاراً كبيراً لنظام اجتماعي سياسي اقتصادي بديلٍ عن النظام الإقطاعي القائم، وتعنى الثورات البرجوازية بحل التناقض بين القوى الإنتاجية والنظام السياسي الإقطاعي أو شبه الإقطاعى، والمهمة التاريخية للثورة البرجوازية هي التخلص من العقبات أمام التطور الرأسمالي، فهي تترك أساس المجتمع البرجوازي دون تغيير، ولا تمس الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، ونجد من أبرز الثورات البرجوازية حرب الفلاحين في ألمانيا في القرن 16 والثورة اليابانية 1867، والثورة الروسية 1905 ــ 1907 .
الثورة الاشتراكية
تعتبر نمطاً من الثورة الاجتماعية، التي تؤدي إلى تغييرات جذرية وشاملة في البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتسهم في تغيير التكوين الطبقي للمجتمع، والسير به على طريق النظام الاشتراكي، وتحدث الثورة الاشتراكية نتيجة للتناقضات الموجودة في المجتمع، ولتطور نضال الجماهير ضد الفئات المسيطرة نتيجة اتساع وعيها وزيادة تنظيمها.
ويتمثل المحتوى الأساسي للثورة الاشتراكية في إقامة نظام سياسي اقتصادي اجتماعي جديد، يُسهم في تغيير السيادة الاجتماعية، وطبيعة العلاقات السياسية والاقتصادية، وتغيير شكل السلطة القائمة، وأساليب عملها، وإقامة طراز جديد للدولة يعبر عن مصالح الأكثرية من أفراد الشعب، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وبناء قاعدة واسعة من الديمقراطية الشعبية، وإطلاق قدرات الجماهير من خلال توعيتها وتنظيمها، وإغناء حياة مجموع الناس في المجتمع، وتحرير العلاقات الإنسانية من الاستغلال، وإحلال المساواة المعنوية والمادية، وتوسيع مساهمة مجموع الناس في بناء المجتمع الجديد. وثمة مدارس مختلفة من حيث نظرتها إلى الثورة الاشتراكية.
وترى الماركسية أن الثورة الاشتراكية نتاج طبيعي لتطور المجتمع، ونمو الطبقات الاجتماعية، خاصة الطبقة العاملة القادرة على القيام بالثورة الاشتراكية، وتقويض الدولة البرجوازية، وإقامة ديكتاتورية الطبقة العاملة إلغاءً للملكية الفردية، وتصفية للطبقات المالكة القديمة. وطوَّر لينين هذه النظرية من خلال تحليله للنظام الرأسمالي ورأى إمكانية قيام الثورة في الحلقة الإمبريالية الأضعف، وضرورة العمل لبناء الاشتراكية في بلد واحد أو عدة بلدان، واتباع سياسة التعايش السلمي بين الأنظمة المختلفة، وذلك بهدف حماية الثورة الاشتراكية وتوفير عوامل تطورها. وذهب لينين إلى إمكانية تحول الثورات الوطنية البورجوازية الديمقراطية إلى ثورات اشتراكية.
أمَّا مفكرو اليسار القومي وأنصار الثورة الاشتراكية في الدول النامية فيرون أن الثورة الاشتراكية حصيلة النضال للتحرر من السيطرة الاستعمارية الخارجية، والاستغلال الداخلي بهدف تحقيق العدالة والمساواة وإطلاق قدرات الجماهير من خلال الديمقراطية الشعبية، وتحويل الدولة إلى أداة للتغيير الثوري، وتأميم وسائل الإنتاج الرئيسية، وإعادة هيكلة الاقتصاد وتخطيطه، وتطوير التربية والتعليم والثقافة والإعلام، بهدف نشر الثقافة الثورية على أوسع نطاق بين الجماهير. وتعد ثورة 1917 في روسيا مثالاً واضحاً على هذا النمط من الثورات.
الثورة السياسية
وهي تسعى إلى تغيير الفئة الحاكمة دون إن أكون هدفها إحداث تغيير جذري وشامل في الأوضاع الاجتماعية، فالثورات السياسية تشتمل على عمليات التغيير المفاجئة والجذرية التي تحدث لأنظمة الحكم والإدارة والتنظيم في المجتمعات والتي تقوم بها الشعوب تحت لواء بعض الجماعات والأفراد لإصلاح الفساد الإداري والقضاء على السلطات الحاكمة المستبدة، التي لا تتسم بالعدالة، وقد تسهم القوات المسلحة في دعم ومساندة هذه الثورات، ويكون لها دور بارز في نجاحها..
ثورات التحرر الوطني:
هي نمط خاص من أنماط الثورة الاجتماعية هدفها إحداث تغييرات سياسية واجتماعية واقتصادية في حياة الدول والشعوب التي كانت خاضعة للسيطرة الاستعمارية وإقامة الدول الوطنية المستقلة. ونمت هذه الثورات على أرضية تطور حركة التحرر الوطني واتساعها وتقويتها نتيجة ضعف الدول الاستعمارية بعد الحرب العالمية الثانية، وبروز التنظيم الدولي، وانتشار الأفكار المنادية بالحرية، وحق تقرير المصير، وإنهاء السيطرة الاستعمارية. وتتحدد المهام السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الثورات، بطبيعة الظروف الداخلية لكل دولة أو شعب وبطبيعة المرحلة التاريخية التي تحدث فيها.
والمسألة الأساسية في هذه الثورات كما في كل ثورة اجتماعية هي مسألة السلطة السياسية، حيث يتم نقل السلطة إلى القوى الوطنية والديمقراطية. والقوى المحركة لهذه الثورات من العمال والفلاحين والبورجوازية الصغيرة، والبورجوازية الوطنية، والمثقفين والضباط الوطنيين.
وشهد القرن العشرون ثورات تحرر وطني واسعة ومتعددة ضد السيطرة الاستعمارية، فى العالم الثالث وانتقلت بعض هذه الثورات من النضال في سبيل التحرر الوطني إلى النضال لتحقيق تحولات ديمقراطية واقتصادية واجتماعية تنهي من خلالها مظاهر الاستغلال والسيطرة، وترسخ مظاهر التطور والتقدم والعدالة الاجتماعية.
سادساً- مراحل الثورة:
إن الثورة عملية تغيير سريع وجذري للنظام السياسي بما يؤدي للإطاحة بالنظام القديم، والنخبة التابعة له. والثورة مختلفة عن عمليات التغيير الصغيرة أو المتوسطة، والتي تحافظ على النظام القديم؛ فالتغييرات عادة ما تكون تجميلية. ويمكن اختبار الثورة الحقيقية عن طريق رؤية ما إذا كانت قد أطاحت بالنخبة القديمة أم لا، فإذا ظلت في مكانها فما حدث لا يعتبر ثورة. وقد حدد "كران برينتون" في كتابه الذي صدر عام 1938 بعنوان "تشريح الثورة" The Anatomy of Revolution خمس مراحل تمر بها كل الثورات، واختبر هذه المقولة بدراساته للثورة الإنجليزية في أربعينيات القرن السابع عشر، والثورة الأمريكية عام 1776 والثورة الفرنسية عام 1789 والثورة الروسية عام 1917. وتتمثل هذه المراحل في الآتي:(4)
ـ مرحلة انهيار النظام القديم: في هذه المرحلة تتطور مجموعة من مشاعر عدم الرضا عن الحكومة، نتيجة تعطل الإدارة وتزايد الضرائب، وتبدأ تدريجيًا ثقة الشعب في الحكومة تتآكل. كما تبدأ الحكومة فى فقدان ثقتها في نفسها، ويحول المفكرون ولاءهم من النظام القائم إلى نظام آخر مقترح يحمل قدرًا من المثالية، ويتزامن هذا مع بدء عملية تحديث اقتصادي، تلعب دوراً كبيرًا في إثارة مشاعر السخط والحقد.
ـ المرحلة الأولى للثورة: وتبدأ ببدء التحرك من أجل تغيير الوضع القائم، فيبدأ التآمر على النظام القائم من خلال تشكيل اللجان والشبكات والخلايا، واتخاذ الإطاحة بالنظام القديم هدفًا لها، وتبدأ بعض مظاهر التمرد الشعبي على النظام، ويبدأ تطور مأزق سياسي يستعصي حله، وتلجأ الحكومة إلى استدعاء قوات الأمن، الأمر الذي يؤدي إلى عكس النتائج التي يبتغيها النظام نظرًا لزيادة غضب الشعب، وفي النهاية يصبح النظام القائم خارج نطاق الخدمة.
ـ مرحلة تولي المعتدلين السلطة: خلال هذه المرحلة يتولى القيادة المعتدلون، وهم الذين عارضوا النظام القديم، ولكنهم مازالوا مرتبطين به، ويبدأون إصلاحات معتدلة غير جذرية، وغير كافية أيضًا بالنسبة للمتشددين الموجودين بين الثوار، ويتهم هؤلاء المعتدلون بالجبن والتوافق مع قوى النظام القديم، وربما يعود ذلك إلى أنهم لا يتمتعون بالصرامة الكافية.
ـ مرحلة تولي المتشددين السلطة: حيث يقوم المتشددون الأكثر صرامة، والأفضل تنظيمًا من المعتدلين، والذين يعرفون ما يريدون تحديدًا بالإطاحة بالمعتدلين، وتولى قيادة الثورة، ويتم التخلص من أي بقايا للنظام القديم، ويفرض المتشددون على الشعب طاعة النظام القديم بقيمه وقوانينه، ويتعرض المخطئون للعقاب.
في النهاية: لا يستطيع المجتمع تصعيد الثورة ويصبح الشعب –حتى الثوريين منهم - منهكًا، ويتوق إلى الاستقرار وتسيير عجلة الاقتصاد مرة أخرى، والتمتع بالأمن الشخصي. ويصف "برينتون" هذه المرحلة بأنها فترة "نقاهة ما بعد الحمى".
وتختلف الثورة عن الانقلاب العسكري في كون هذا الأخير يتمثل في قيام أحد العسكريين بالوثوب للسلطة من خلال قلب نظام الحكم، بغية الاستئثار بالسلطة والحصول على مكاسب شخصية من كرسي الحكم.
وفي هذا الإطار، قد أوضح "كرين برينتون" أن العلامات الدالة على اقتراب الثورة في المجتمع لا تكون واضحة، ولكن تكون هناك ضغوطات ومصاعب متزايدة يؤدي تفاقمها إلى انهيار النظام السياسي، وعندما تتفكك الشرعية يعمد النظام إلى الوسائل القسرية، وفي هذا الوقت تكتسب جماعات لم يكن لها وزن من قبل قوة ونفوذا وتأثيرا على الحركة الثورية، وترفع شعار إسقاط النظام القائم، ويمر المجتمع بأربع مراحل أساسية، هي:
ــ الأولى: وتتميز بالآمال الطوباوية حيث يلتف الثوار خلف الشعارات والآمال العريضة، ولا تدوم هذه المرحلة طويلاً.
ــ الثانية: وهي مرحلة انقسام النخب الثورية إلى معتدلين ومتطرفين، وغالبا ما تنتهي هذه المرحلة بهزيمة المعتدلين، وتركز السلطة في أيدي المتطرفين أو المحافظين، وقد يستخدم العنف في هذا الصراع البيني .
ــ الثالثة: وفي هذه المرحلة، وبعد سيطرة قيادة موحدة على الثورة، تسعى لتحقيق الأهداف الثورية بأي ثمن .
ــ الرابعة: تخف في هذه المرحلة حدة المطالب والشعارات الثورية، وتتراجع الحماسة، وعادة ما يتولى الحكم فيها رجل قوي يحمل صدى الثورة، وتعتبر مرحلة حكمه هي المرحلة الخامسة.
ويجب التنويه هنا إلى أن هذه المراحل ليست مقدسة ولا واحدة في كل الثورات، فقد تتقاطع الثورات في بعضها، وقد تختلف في البعض الآخر لأن كل ثورة هي وليدة ظرف خاص أدى لظهورها، وقد تختلف التصنيفات المرحلية للثورات باختلاف نظرة الكاتب وأيديولوجيته وموقعه .
سابعاً - المداخل المفسرة للثورة:
تتعدد المداخل النظرية المفسرة لظاهرة الثورة، وتتنوع فكل مدخل أو نظرية اقتربت من الثورة من خلال زاوية معينة، حيث يوجد مداخل فرعية، ومداخل رئيسية لدراسة الثورات، ومن أهم هذه المداخل، مايلي:
1ــ مدخل تحليل التاريخ الطبيعي للثورات الحديثة :
يقدم هذا المدخل تفسيراً للمراحل المختلفة داخل العملية الثورية، حيث يركز على دراسة النتائج الرئيسية للأعمال والأفعال التي تحلل مصادر التذمر والعنف، ومن أبرز مفكري هذا المدخل "جورج بيتي،" و "كرين برنتون".
2ــ المدخل النفسي :
يبحث هذا المدخل فى العوامل النفسية التي تدفع بالشخص لكي يشارك في الحركات الثورية، ومن أبرز رواد هذا المدخل "جوستاف لوبون"، الذي يعرف الثورة على أنها " مجموعة من التحولات الفجائية في المعتقدات والأفكار والمذاهب، وأن المشاعر والعواطف هي دعائم المعتقدات السياسية والرئيسية، كما يرى علماء النفس أن الثورة تعبير عن سيكولوجية الحشد ويقارنونها مع الارتدادات إلى العقلية البدائية التي يمكن ملاحظتها في حالات الانهيار العصبي.
3ـ التفسير النقدي الارتقائي (المتفائل):
ساد هذا المدخل في القرن التاسع عشر بين أحزاب ومفكري اليسار، وهو لا يزال سائدا في النظرية المادية التاريخية، ويرى أن الثورات السياسية والاجتماعية هي أدوات للتقدم الحتمي للبشرية، وينطلق من أن الثورات تحدث نتيجة وجود مقدمات وشروط محددة تبرز في إطار تطور المجتمع، تؤدي إلى وجود تناقضات أساسية بين الطابع الاجتماعي للإنتاج، وشكل التملك الاحتكاري الخاص، مما يؤدي الأمر إلى اتساع الشعور بالظلم والاستغلال الذي يمارس من قبل فئة قليلة مالكة ضد بقية فئات الشعب، الأمر الذي يصل إلى "أزمة سياسية تحمل معها نشوء حالة "ثورية" تتجسد بنشاط الجماهير السياسي الواسع من خلال التمرد على الواقع بأشكال ومظاهر متعددة مثل الاضطرابات، والمظاهرات والاجتماعات والانقلابات.
وتعبر الحالة الثورية عن التناقضات الموجودة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وفي معرض الحديث عن أسباب الثورة، ذكر ماركس عن أسباب حدوث عصر الثورة أنه في مرحلة معينة من تطور المجتمع تدخل القوى المنتجة في تناقض مع العلاقات الإنتاجية، وتتحول هذه العلاقات المختلفة من صيغة لتطور القوى المنتجة إلى عوامل معوقة لتطوّرها، ويشكل الصراع بين القوى المنتجة الجديدة وبين العلاقات الإنتاجية القديمة الأساس الموضوعي الاقتصادي للثورة، وأنَّ تصفية العلاقات الإنتاجية القديمة، واستبدالها بعلاقات جديدة، لا تحدث تلقائيَّاً وإنَّما من خلال توحيد القوى التقدمية كافة التي تعمل على إنهاء النظام الاجتماعي القديم.
وينقسم هذا المدخل إلى عدة اتجاهات، فالبعض يرى أن المساواتية هي العلامة الأبرز على التقدم، والآخر يراها في النظرة الليبرالية، حيث لا تكون الانتفاضات الجماهيرية تقدمية إلا عندما تكون موجهة ضد الحكام المستبدين، وهادفة لإقامة حكم حر.
وتشير النظرية "الماركسية اللينينية" إلى أهمية الحزب الثوري ودوره في توحيد وتنظيم القوى الثورية، بحيث تحلّ الثورة جملة من القضايا المتعلقة بالتغيير الاجتماعي، وتهدم القديم وتبني الجديد، حيث تهدف إلى انتقال السلطة إلى أيدي الطبقة الثورية". كما يرى لينين إن سلطة الدولة هي المسألة الرئيسية في أية ثورة، حيث تعتبر الثورة مقدمة ووسيلة لاستلام السلطة الذي يعتبر شرطاً ضرورياً للتغييرات الجذرية التي يجب تحقيقها في المجتمع.
ورأى لينين فيما بعد أن السيطرة الاستعمارية وما يرافقها من نهب واستغلال للشعوب المستعمرة يمكن أن تشكل مقدمات لقيام ثورات وطنية ذات طابع تحرري ضد الدول الاستعمارية، وعرفت هذه الثورات بــ"ثورات التحرر الوطنية".
4ـ التفسير المحافظ ( التشاؤمي ):
يتقاطع هذا التفسير مع المدخل النفسي لتحليل الثورة، حيث يرى التفسير أن الثورة بمثابة انفجارات شبه بربرية خارجة عن السيطرة وانفعالات جماهيرية مدمرة، و كل ما في الثورة "فوضى" لأنها تعبر عن سيكولوجية الحشد، ويقارنونها مع "الارتدادات" التي تُعبِّر عن عقلية بدائية يمكن ملاحظتها في حالات الانهيار العصبي العام، وبرز هذا التفسير إبّان الثورة الفرنسية، ومن أبرز مفكريه "نيتشة"، و" جوستاف لوبون"، وغيرهم من الذين تأثروا بالفكر الإقطاعي التقليدي اللاهوتي أو الملكي.
5ـ نظرية الحق الطبيعي:
تجسد هذه النظرية المفهوم البرجوازي للثورة وتعبر عن أن الثورة ضرورية لتوطيد الحرية والإخاء والمساواة، وتؤكد على أن الأفعال الثورية ضرورية بسبب حقوق طبيعية معينة للإنسان وليس بسبب الحاجات المادية الناضجة للتقدم الاجتماعي، وقد انقلب دعاة هذه النظرية فيما بعد على الثورات واعتبروها عارضا غير طبيعي في المجتمعات، وتعرضت هذه النظرية للنقد من جانب كل من "سان سيمون"، و"اوغيست كونت، و"كارل ماركس"، حيث أكدوا على الطابع الحتمي للثورات التي تحدث نتيجة ضرورات اقتصادية.
6ـ المذهب الفوضوى:
يرى المذهب الفوضوي أن الثورات تحاول تحقيق العدالة بواسطة القوة، ولكن الذي يحدث فعلياً هو إحلال الاستبداد بآخر، وأن كل ثورة تحقق انجازات جزئية تفضي إلى انتصار العدالة في النهاية مهما تفككت وأصابها الإفلاس، ومن أبرز مفكري هذا المذهب "برودون"، و"كروبوتكين".
7ـ البنائية الوظيفية:
إن لب النظرية البنائية الوظيفية هو مفهوم القيم، وكشف المصادر الموضوعية للتغيير الثوري داخل نسق الظواهر الاجتماعية، حيث ترى النظرية أن النسق الاجتماعي سيواجه صعوبات عندما لا تستطيع القيم القائمة تفسير التغييرات في الجوانب البيئية المحيطة، الأمر الذي يتطلب قيماً جديدة تكون لديها القدرة التفسيرية، والتي لا يتأتى إلا عن طريق التطور أو الثورة .
ومن أبرز مفكري هذه النظرية "تالكوت بارسونز" الذي يعتبر الثورة انحرافاً مرضياً يؤدي إلى خلخلة التوازن في بناء السلطة، كذلك "روبرت مرتون"، الذي يرى أن الاختلالات الوظيفية يمكن أن تفضي إلى حالة من عدم الاستقرار، ويكون التمرد استجابة لهذه الحالة .
وقد تعرضت هذه النظرية إلى العديد من الانتقادات، حيث لا تشير إلى مصدر الاختلال الوظيفي، أو سبب التناقضات الاجتماعية، كما أنها لا تميز بين مظاهر الاختلال الوظيفي والتناقضات التي تظهر في أي مجتمع سواء تلك التي تؤدي إلى الثورة أو التي لا تؤدي إليها.
وقد ظهر هذا التفسير للثورة على يد مجموعة من الباحثين في أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، منهم "سينموند نيومان"، و"كرين برينتون"، ويرى التفسير أن الأسباب المؤدية للثورة، والعوامل الدافعة لها ليست واضحة ومحددة، ومن الصعب تمييزها، حيث تحدث الثورة دون مقدمات، وتكون بمثابة طفرة في مسار التطور التاريخي، وانكساراً رئيساً في المسار العام لتطور المجتمع ، نتيجة ضغوطٍ ومصاعب متزايدةٍ، ويؤدي تفاعلها إلى تغييرٍ أساسيٍ في التنظيم السياسي والبنيان الاجتماعي، والتحكم في الملكية الاقتصادية. وتأتي الثورة في إطار العنف التحرري العادي الذي يستهدف تحرير الإنسان من الظلم والقهر، وهي الوسيلة الفاعلة لتحقيق الطفرات التاريخية القادرة على بناء مجتمعاتٍ متقدمةٍ.
وهذا التفسير لا يفرّق بين الثورة والثورة المضادة، ولهذا يصف "برينتون" الانقلاب الفاشي في إيطاليا، والانقلاب النازي في ألمانيا بأنهما ثورتان، ويرى أن الثورة المضادة هي الاستمرار المنطقي للثورة.
8ــ المادية التاريخية:
تنطلق المادية التاريخية من التفسير المادي للتاريخ، وترى بأن التناقض هو سبب التطور، وترى هذه النظرية أن الصراع بين المصالح المختلفة، والمتعارضة أحيانا داخل النسق السيسيولوجي ضرورة لازمة للتغيير الاجتماعي، ويعتبر "ماركس" أن الصراع الطبقي هو الموضوع الرئيسي للتاريخ ولا يمكن أن ينتهي إلا بالثورة، وأن القوى الإنتاجية في المجتمع تدخل في مرحلة من تطورها في صراع مع علاقات الملكية، ومع الإطار الاجتماعي والسياسي القائم، وعندما تصبح معوقة للإنتاج تحدث أزمة وتبدأ حقبة من الثورات الاجتماعية، ولا تستطيع الطبقات الحاكمة، ولا تريد الطبقات المستغلة أن تعيشا معا في ظل الشروط القائمة، وهذا التناقض بين الطبقات هو الذي يفضي إلى ثورة عنيفة .
لكن ما يؤخذ على هذا المدخل تركيزه فقط على الحتمية الثورية الناتجة عن الأسباب الاقتصادية ، وإغفاله, بل ونفيه المطلق لباقي الأسباب المؤدية للثورة .
9ــ التفسير الوضعي الاجتماعي:
يرى أن اصطلاح الثورة يعبر عن تغييرات فجائية وجذرية وعنيفة تحدث في المجتمع دون وجود أيَّ أسباب، وأنها تحمل معنى وصفياً وشكلياً، ولا تحمل أي مضمون أو قيمة اجتماعية محددة. وطبقاً لهذا التفسير فإن كل تغيير جذري وفجائي وعنيف في نظام الحكم والمجتمع يشكّل ثورةً حقيقيةً، طالما أن الحركة السياسية أو الفئات الاجتماعية التي قامت بالثورة تمتعت بتأييد قطاع واسع من الشعب.
وفي اللغة العربية نفسها استخدم التعبير لوصف تحركاتٍ شعبية من أنواع عدة مثل "ثورة الزنج"، وثورة القرامطة، وقد استخدمها عرب القرن العشرين المتأثرين بثورات عصرهم لفهم الماضي بمفاهيم الحاضر، وفي محاولة للارتباط بتراث ثوري مفترض يكتب كأنه سيرورة نضال الطبقات المضطهدة، فكما يوجد ثورة الزنج والقرامطة يوجد ثورة عمر المختار، وثورة الريف بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي، وثورة الجزائر والثورة الفلسطينية، وثورة 23 يوليو بقيادة جمال عبد الناصر.
وهذا هو أيضا نهج ثوريي القرن التاسع عشر الأوروبيين في إطلاق كلمة "ثورة" على تمرد العبيد بقيادة سبارتاكوس في روما القديمة "ثورة العبيد". ونهج اليسار الألماني منذ كارل ماركس في تسمية الحركات الدينية الألفية الخلاصية بقيادة توماس منتسر" ثورة الفلاحين"، بينما وضعها المؤرخون الأوربيون في إطار مفهوم "الإصلاح" أو الحركات الدينية الخلاصية التي تولدت منه بوصفه يشمل عملية متعددة الأبعاد والظواهر من حركات دينية واجتماعية واحتجاجية وثورية، وهذا ما قد يشير إلى الاختلاف بين نهج المفكر ونهج المؤرخ.
وقد استخدم لفظ ثورة أيضاً في وصف التمردات الشعبية الذي جاء بشكل متأخر متأثراً بالأيديولوجيات الثورية في القرن العشرين، ثم تحويل مفهوم الثورة على الديكتاتوريات والنفوذ الأميركي ليأتي من أمريكا اللاتينية إلى مصطلح رئيس في السياسة لمثقفي اليسار في العالم الثالث عموما.
أما المؤرخون العرب القدماء فلم يستخدموا كلمة "ثورة"، بل استخدموا كلمات مثل "خروج" و"فتنة". والفتنة في الواقع هي الصراع الأهلي الذي يمس بالعنف التوازن السياسي الاجتماعي القائم بين جماعات أهلية، وربما يرتبط ذلك مرجعيا بالمفهوم الإسلامي لوحدة الجماعة واستقرارها التي ارتبطت بدورها بتعزيز ديناميات التمصير، أي بناء المدن المستقرة وخططها مقابل نمط الاجتماع البدوي العرابي المنقسم والمضطرب، ولهذا فإن مفهوم المؤرخين العرب لما يصفه المؤرخون المعاصرون بـ "الثورة" خاضع للسياق الذي حكم إنتاجه، وهو اعتبار الخروج على الجماعة تقويضاً للعمران، والخروج على الجماعة أو الامة هو الأصل في ذم الخوارج، أما الخروج على السلطان الغاشم فقد اختلف بشأنه، فالبعض اعتبره خروجا على الجماعة، والبعض الآخر اعتبره أمرا مشروعا، بل واجب في بعض الحالات.
إن أقرب كلمة إلى مفهوم الثورة المعاصرة هي "الخروج"، بمعنى الخروج لطلب الحق، فهو خروج من البيت إلى الشارع أو الميدان طلباً للحق، أو دفعاً للظلم. وهنا مغادرة الصبر والشكوى والتذمر وحالة عدم الرضا في الحيز الخاص، وحملها الى الحيز العام.
ومن هذا المنطلق نلاحظ حدوث ثورات في الدوائر العربية أطلق عليها ثورات الربيع العربي، إلا أن الباحثة رأت ضرورة الوقوف على هذا المصطلح الذي يردده الكثرون، لكن بمفاهيم مختلفة، برؤى متباينة، وذلك للتعرف على جوهر هذا المفهوم، وتطور مفهوم الثورة لدى المفكريين، لاسيما مفكري علم الاجتماع السياسي، إلى جانب التطرق إلى المفاهيم المرتبطة بمفهوم الثورة ومدى الاختلاف بينها وبين هذا المفهوم، بالإضافة إلى خصائص مفهوم الثورة، وتناول أنواع وأنماط الثورة، ورصد مراحل المنظومة الثورية، فضلاً عن التطرق إلى المداخل المفسرة للثورة، والأسباب التي تستدعي القيام بالعمل الثوري.
أولاً – المفهوم اللغوي لمصطلح الثورة:
في اللغة اللاتينية:
تعني كلمة الثورة بمعناها اللاتيني الدقيق "مظهرة الحركة الدائرية للنجوم". والكلمة لا تشير إلى العنف, بل تشير إلى حركة دائرية متكررة، وأن مصطلح الثورة مصطلح فلكي الأصل اكتسب أهميته المتزايدة من خلال العالم الفلكي "نيكولاس كوبرنيكوس". ونشأ أصل الكلمة في علم الفلك، واستخدم على سبيل التشبيه في السياسة، وظل مصطلح الثورة يعني حتى القرن التاسع عشر، اضطرابا شعبيا فقط، وأنها اتخذت معناها السياسي قبل عام 1789، عام إندلاع الثورة الفرنسية، بمدة وجيزة.
في اللغة العربية
يقول »لسان العرب« فى مادة ثار: ثار الشىء هاج، ثورة الغضب حدته، والتأثر الغضبان، ويقال للغضبان أهيجَ ما يكون: وقد ثار ثائره وفار فائره إذا غضب وهاج غضبه، وثار إليه وثب. ويربط اللسان العربى لفظ »الثورة« بذلك لغويا أو إيحاءً لغويا بمعانى عدم الإنضباط والغضب.
ويرتبط مفهوم الثورات في العالم العربي ــ مثل الثورة الفرنسية ــ بالمعنى اللاتيني للكلمة.
ثانياً - تطور مفهوم الثورة لدى المفكريين:
تطور مفهوم الثورة من مرحلة زمنية لأخرى مع تنوع اقترابات المفكرين منه، كل حسب أيديولوجيته واختصاصه.
ويُعد "أفلاطون" من أوائل الفلاسفة الذين عنوا بدراسة التغيرات التي يمكن أن تطرأ علي البناء السياسي، أما "أرسطو" فكان سباقا فى دراستة للثورات، حيث قدم أول محاولة شاملة لدراسة الثورة، وأفرد لها حيزاً كبيراً من مؤلفه الشهير ''السياسة''. وقد قبل مبدأ وجود الدولة، ولكن الأفكار الخاطئة تؤدي إلي الإحساس بعدم الرضا، وبالتالي حدوث انقلاب سياسي، قد يعمل علي تغيير شكل الدولة بما يترتب علي ذلك من نتائج سياسية، أي أن الثورة ظاهرة سياسية تمثل عملية أساسية لإحداث التغيير الذي قد يؤدي إلي استبدال الجماعات الاجتماعية.
ويقول أرسطو في كتابه " السياسة " إن انماط الحكم كلها معرضة للثورة، بما فيها نمطا الحكم الأساسيان وهما الأوليجاركية والديمقراطية، وكذلك ما يسميه نظام الحكم المتوازن، أو الدستوري، أو الأرستقراطي، والمصطلحات الثلاثة تكاد تكون عنده مترادفات، ورأى أرسطو أن في الأوليجاركية والديمقراطية عناصر من العدالة، ولكن كلاً منهما يصبح معرّضاً لخطر الثورة عندما لا يتلاءم نصيب الحكام أو الشعب من الحكم مع تصورهم المسبق عنه. ولا بد من ان نضيف إلى استخدام أرسطو مفهوم التصور " المسبق"، ويقسِّم أرسطو الثورات إلى نوعين: نوع يؤدي إلى تغيير الدستور القائم، فينتقل من نظام حكمٍ إلى نظام آخر، ونوع يغيِّر الحكام في إطار بنية النظام القائم.
ثم بدأ مفهوم الثورة يأخذ معانٍ جديدة بفضل التطورات التي طرأت علي فرنسا في أواخر القرن الثامن عشر، فلقد برهنت الثورة الفرنسية 1789 لأتباع "سان سيمون" ثم، "ماركس" من بعدهم علي أن الثورة هي مرحلة من مراحل التطور التاريخي، وأن حتمية الحركة الثورية تكمن في عدم ملاءمة النظام القديم وضرورة استبداله بنظام آخر أكثر فعالية وتعبيراً عن جماهير الشعب.
وقد تضمنت مجريات أحداث الثورة الفرنسية إسهامات هامة في تطوير مفهوم الثورة، حيث تطور مفهوم الثورة لتمثل نجاحاً منقطع النظير في القضاء علي حكومة قديمة واستبدالها بحكومة أخري جديدة أكثر رشداً، كما أنها قد شكلت مبرراً منطقياً لأفعال كثير من الثوريين الذين بدأوا يعتقدون أن الثورة قد أصبحت هدفاً في حد ذاته.
الجانب الاجتماعي لمفهوم الثورة:
فيما يتعلق بالجانب الاجتماعي للثورة، من المهم أن نذكر إسهام "ماركس"، و"إنجلز"، حيث لم يقتصر هذا الإسهام علي بلورة نظرة محددة للثورة الفرنسية، بل تعدي ذلك إلي تطوير نظرية في الثورة الاجتماعية ذاتها، فإليهما يعود الفضل في تأكيد الجانب الاجتماعي للثورة. ومن هذه الزاوية نظرا إلي الثورة الفرنسية فوجدا أن طابعها السياسي كان أكثر وضوحاً وتأثيراً من طابعها الاجتماعي. فالحكم علي أي ثورة يجب أن يكون نابعاً من أهداف اجتماعية معينة. وقد حاولا "ماركس"، و"إنجلز"، إقامة نسق تاريخي للتطور الاجتماعي من خلال التركيز علي الأساس المادي، حيث فسرا التاريخ بأنه صراع بين الطبقات لا الأجناس. فإحلال نظام إنتاجي بنظام آخر يؤدي إلي ظهور ضغوط سياسية وتغيرات تتبعها الثورة.
ففي هذا السياق نجد من يستخدم مصطلح الثورة كتعبير للدلالة على تغييرات فجائية وجذرية تتم في الظروف الاجتماعية والسياسية في مجتمع ما، حيث تشير هذه الظروف إلى تغيير حكم قائم وتغيير النظام الاجتماعي والقانوني، وقد يتم هذا التغيير بصورة فجائية عنيفة.
ولم يقتصر استخدام مصطلح الثورة على التغيرات في النظم الاجتماعية والقانونية فحسب، بل استخدمه بعض المفكرين للتعبير عن تغييرات جذرية في مجالات غير سياسية كالعلم والفن والثقافة، الأمر الذي يشير إلى أن الجوهر المقصود من مصطلح الثورة هو "التغيير".
وقد استخدم مفهوم الثورة في مجال العلوم السياسية، علم الاجتماع السياسي للإشارة إلى التأثيرات المتبادلة للتغييرات الجذرية والمفاجئة للظروف والأوضاع الاجتماعية والسياسية.
وفي إطار التطرق إلى موسوعة علم الاجتماع نجد أنها تشير إلى مصطلح الثورة على أنه "التغييرات الجذرية في البنى المؤسسية للمجتمع، والتي تعمل على تبديل المجتمع ظاهرياً وجوهرياً من نمط سائد إلى نمط جديد يتوافق مع مبادئ وقيم وأيديولوجية وأهداف الثورة، وقد تكون الثورة عنيفة دموية، وقد تكون سلمية، وتكون فجائية سريعة أو بطيئة تدريجية".
ويعرف "كرين برنتون" Crane Brinton الثورة في كتابه "تشريح الثورة" بأنها عملية حركية دينامية تتميز بالانتقال من بنيان اجتماعي إلى آخر، وأنها تغيير عنيف في الحكومة القائمة بشكل يتجاوز الحد القانوني.
وعرَّفها البروفسور "هاري ايكشتاين" في مقدمة كتابه عن الحرب الداخلية بأنها "محاولات التغيير بالعنف أو التهديد باستخدامه ضد سياسات في الحكم أو ضد حكام أو ضد منظمة. بينما يشير "بيتر أمان "Peter Amann إلى الثورة على أنها " إنهيار لحظي أو على المدى الطويل لاحتكار الدولة للسلطة يكون مصحوباً بانخفاض الخضوع والطاعة ". كما أوضح "شريكر" P Schrecker أن الثورة بمثابة تغيير غير مشروع للظروف المشروعة. في حين عرف كارل فريدريك Carl Fredreck الثورة بأنها الإطاحة بنظام سياسي مستقر بصورة عنيفة وفجائية.
وقد أشار ل. ب إدوارد L.p Edward للثورة بأنها تغيير وإحلال نظام جديد محل نظام آخر كان مشروعا، ولا يحدث هذا التغيير بالضرورة عن طريق القوة والعنف.
وفي هذا الإطار، أشار "هيجل" في كتابه »والعقل والثورة« في تعريفه لها على أنها الثورة على الأوضاع القائمة، وأنها حركة تتسم برفض وإنكار ما هو قائم فعلاً، وأنها إعادة لتنظيم العلاقة بين الدولة والمجتمع على أساس عقلاني.
ومن المنظور السوسيولوجي للثورة، يرى "بارسونز" أن الثورة بمثابة تعبير "دوركايمي"، أي أنها انحرافات مرضية تبعد عن التوازن المستقر لبنية السلطة . أما "يوري كرازين" فينظر لها بمنظار الأدبيات الماركسية في تحليل التطور الاجتماعي ويقول "إن معنى الثورة الاجتماعية ووظيفتها لا يمكن فهمها إلا حينما ننظر إلى تاريخ المجتمع على حقيقته كسلسلة متصلة من التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية. والثورة شكل من أشكال الانتقال، كما أنها قفزة من التشكيل الاقتصادي والاجتماعي البالي إلى تشكيل أكثر تقدماً ، تكون الخاصية المميزة السائدة له ومضمونه السياسي هو انتقال السلطة إلى الطبقات الثورية.
وقد ربط عالم الاجتماع الفرنسي "إميل دوركايم"، مفهوم الثورة بـ "ظاهرة الفوران الجمعي"، والتي تعبر عن تحرك جماعي لا يمكن تجاهله، ويتضخم بصورة ملحوظة من دون ضمان الاستمرار طويلاً في حالة الفوران. وهي التي تتكون أساساً فيما بين الطبقات الأدنى في المجتمع، فالشعب يعيش حياة مزرية مرتبطة بالفقر في الأساس، إلى جانب نقص الحرية.
ووفقاً لـ "جيدنز"، فإن الثورات تمثل طليعة الأساليب غير التقليدية في الحركات الجماهيرية المنظمة التي تُحدث تغييرات جذرية ــ في النظام السياسي السائد باستخدام العنف. وتتطلب الحركات الثورية ـ كما أشار جيدنز شروطا أساسية لاشتعال الثورة من أهمها أساليب استهواء الجماهير وتوجيهها، ويصاحبها عادة توترات وصراعات.
ويرى "روجر بيترسن Roger Petersen مؤلّف كتاب "المقاومة والتمرد"، أنّ الثورة تبدأ على شكل احتجاجات تأخذ بعدًا شعبيًّا تكسر حاجز الخوف أو ينسى الناس الخوف، ومن ثمّ تتحوّل إلى غضب شعبي عارم تطلَق عليه صفة ثورة.
وفي تعريفه لمفهوم الثورة يقول "ايرك هوبزباوم" Eric Hobsbawm): ) إنّ الثورة هي تحوّل كبير في بنية المجتمع. ويركّز على فكرة التحوّل ولكن زمكانيّة التحوّل الذي تحدّث عنه هي أوروبا ما بين عامى 1789 ــ 1828 .
ويشير إلى أربعة عناصر تسترعي الاهتمام عند الحديث عن الثورة وهي:
الخصوصية:
حيث يركّز "هوبزباوم" على أنّ لكل ثورة خصوصيتها من حيث الزّمان والمكان، وليس هناك تشابهٌ أو تطابق بين ثورتين.
النصر:
ويعني انتصار منظومة جديدة على منظومة قديمة، ويشير "هوبزباوم" إلى انتصار الفكر الرأسمالي الليبرالي على الفكر الاقتصادي الإقطاعي. وفي الإطار العربي يمكن الحديث عن غلبة منظومة قيمية عربية ــ إسلامية ــ بكافة جوانبها على منظومة قيمية قديمة.
البعد الجغرافي للثورة "نظرية انتشار العدوى":
حيث يشير "هوبزباوم" إلى تأثير هذا البعد في مناطق دول الجوار، وفي صيرورة التحوّل - تأثير أوروبا في أميركا الشمالية - وفي السياق العربي يبرز هذا البعد بصورة جليّة في انتقال الثورة من دولةٍ إلى أخرى، وذلك نظرًا إلى التقارب الجغرافي ووحدة الدّين واللغة والتاريخ المشترك، وإلى تقارب الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي لأغلب الدول العربية. وثورة تونس يجب أن تفهم ضمن هذا السياق، حيث امتدّت موجات الثورة إلى مناطقَ جغرافية مجاورة في اتّجاه الشرق والغرب.
التراكمية:
أرجع "هوبزباوم" تفجّر الثورة إلى عوامل متراكمة عبر عدد من السنين أحدثت ضغطًا على القاعدة فولّدت الانفجار الذي يجسّد حالة الثورة. ففي السياق الأوروبي تحدّث "هوبزباوم" عن أزمات الأنظمة البائدة شمال العالم وغربه، ويحدّدها في فقدان الشّرعية واستفحال الاستبداد ومصادرة الحرية، بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في شمال أميركا وغرب أوروبا. وتمثّل هذه الأزمات القاسم المشترك مع الثورة التونسية، حيث توالت في السنوات الأخيرة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وأزمات حقوق الإنسان والحريات، والتي أسهمت بشكل رئيسى في تفجّر هذه الثورة. وفي السياق العربي يمكن القول بأن الثورة هي نتاج تراكم عوامل ضغط اجتماعي واقتصادي وسياسي على القاعدة الشعبية ممّا أدّى إلى تفجّر الثورة.
ومن هذا الإطار، نجد أن هناك من يعرِّف الثورة كظاهرة اجتماعية وسياسية على كونها انتفاضة الشعب ضد الظلم الذي تجاوز كل حدود تحمل الطاقة البشرية. والثورة من منظور التحليل النفسي هي انتصار عامل الغضب في النفوس على عامل الخوف من قوة وإرهاب السلطان. والثورة كفعل إنساني عبارة عن عملية هدم تليها عملية بناء. ويوضح هذا التعريف وجود مرحلتين للثورة المرحلة الأولى: هدم الوضع الظالم والفاسد والفاشل القائم وشعار هذه المرحلة "الشعب يريد إسقاط النظام"، والمرحلة الثانية: بناء وضع جديد يلبي حاجات وتطلعات الأمة وشعارها (الشعب يريد حياة كريمة).
ثالثاً - المفاهيم المرتبطة بمفهوم الثورة:
الثورة والانقلاب
إن مفهوم الانقلاب يعني انتقال السلطة من يد فئة قليلة إلى أخرى تنتمي إلى نفس الفئة الأولى التي كانت تسيطر على الحكم أو على الأقل تشبهها، ويكون باستخدام وسائل العنف الرسمية دون إحداث تغيير في وضع القوة السياسية في المجتمع أو في توزيع عوائد النظام السياسي، ودون تغيير في أحوال المحكومين . وغالبا ما يكون الانقلاب باستيلاء العسكر على السلطة الشرعية بواسطة القوة المسلحة وتغيير نظام الحكم بالقوة دون الرجوع للناخبين.
الثورة والحركة الإحتجاجية:
تشير الحركة الاحتجاجية إلى التقاء جماعة من الناس حول محاولة إحداث التغيير الإجتماعى والسياسى كليا أو جزئيا فى نمط القيم السائدة والممارسات السياسية، وذلك بين المواطنين الذين يجدون فى الحركة تجسيدا لمعتقداتهم ونظرتهم للوضع الاجتماعى المنشود أو يمكن تعريفها بأنها جزء أكبر من عملية التحديث بالإضافة إلى أنها تعبير عن الحس الاجتماعى أكثر من كونها تعبيراً عن أزمة إجتماعية لأنها فعل رشيد من الجماعات المستبعدة لتحقيق نتائج سياسية معينة.
من خلال التعريفات السابقة يمكن القول إن الحركات الاحتجاجية هى عبارة عن حالة من الغضب العام التى تسود المجتمع أو فئة معينة داخل المجتمع، وغالبا ما تكون هذه الفئات المهمشة داخل المجتمع، والتى لا أحد يسمعها ممايجعلها تعبر عن هذا الغضب فى شكل الحركات الاحتجاجية سواء أكانت سلمية أو غير سلمية فى شكل إضرابات واعتصامات أو تجمهر أو تظاهر أو قد يصل الأمر إلى استخدام هذه الفئات للمارسات العنيفة مثل حرق أو قطع الطرق من أجل التعبير عن مطالبها ومطالبة الحكومة بتنفيذها .
الثورة والحركة الاجتماعية:
عرف "لورانز فون شتاين" في مؤلفه "تاريخ الحركة الاجتماعية في فرنسا من 1987 إلى 1850 الحركة الاجتماعية بأنها محاولات البروليتاريا اكتساب القوة الاقتصادية والسياسية، وفي هذا الإطار عرَّف "رودولف هيبرل" الحركة الاجتماعية كمفهوم أوسع ليشمل حركات الفلاحين والحركات الوطنية والفاشية، حيث أوضح أن الحركات الاجتماعية تهدف إلى إحداث تغييرات راديكالية في النظام الاجتماعي العام، لاسيما في مجالات توزيع الثورة وعلاقات العمل، كما يمكن تعريفها؛ بأنها ذلك الجهد الموحد والمتصل الذي يقوم به مجموعة من الأفراد لتحقيق هدف أو مجموعة من الأهداف المشتركة بين أعضائها أو إبدال أو هدم نظام اجتماعي قائم.
وقد حدد عالم الاجتماع الفرنسي "جير وشيه" ثلاث وظائف للحركات الاجتماعية، تتمثل في:
ــ الوساطة بين مجموعة من الناس من جهة والأبنية والحقائق الاجتماعية من جهة أخرى.
ــ توضيح الضمير الجمعي، وهي حالة الجماعة التي تكشف نفسها أو مصلحتها.
الضغط على الأشخاص الذين بيدهم مقاليد الحكم.
ومن هنا يصعب توضيح الفرق بين الحركة الاجتماعية والثورة صعب الوضوح بسبب التشابه الكبير الأمر الى يؤدي إلى المزاوجة بين المفهومين، فالحركة الاجتماعية تنظيم اجتماعي له هياكله ومؤسساته التنظيمية، ويهدف الى تحقيق أهداف محددة، ومن وسائل هذه الحركات الثورة، والتي يمكن أن تكون وسيلة لتحقيق وتجسيد أهدافها.
الثورة والحرية:
تسعى الثورات الحديثة إلى التحرر من قمع الحرية الذي يشبه في هذه الحالة كبح حركة الأجسام والتحرر من الخوف، هذا التحرر ينشئ حلم الحرية. ولكن الحرية السياسية والاجتماعية التي تمارس عبر المشاركة في تقرير المصير وفي صنع القرار هي البعد الثاني الذي يحول الحرية من حرية سالبة الى حرية موجبة ممارسة. ومن هنا فإن أي نظام ديمقراطي يتألف اولا من الحريات المدنية التي تضمن فكرة "التحرر من "، وثانيا من "الحرية في" ، وهذا يعني الحقوق السياسية التي تقوم ببناء الحرية في الدولة من خلال المؤسسات، التي تضمن ممارستها، وليس من حق هذه المؤسسات أن تمنع الحريات الاساسية، فمبرر وجودها هو أن تنظمها. .
الثورة والأيديولوجية:
لا يذكر التاريخ ثورة شعبية قامت أو نجحت على أساس برنامج قائم مسبقا على أيديلوجية سياسية فكرية وحركية معلنة، وحتى الثورات التي انتهت الى أنظمة ذات أيديولوجية رسمية، كما في الحالات الروسية والإيرانية والكوبية وغيرها، كانت في البداية ثورات ضد الظلم، أو لتغيير نظام الحكم، أو للتحرر من الاستعمار، وقد استجلبت الأحزاب المسيطرة، وأدت إلى سيطرة حزب أو حركة على الثورة في نهايتها، أو على السلطة بعد انتهائها. وأثناء الثورات تحرص حتى الأحزاب الأيديولوجية على تقديم برنامج يجمع جميع فئات الشعب، وتحاول أن تخفي برامجها الخاصة بها إلى أن تتمكن من الوصول بواسطة الثورة.
قد تسبق الثورة تحولات ثقافية وأيديولوجية واسعة لدى فئات الشعب، ويصعب الحديث عن فكر ثوري ودوافع ثورية من دون مثل هذه التغيرات التي تؤدي الى تصور نمط الحياة كظلم لا يحتمل.
لهذا فإن الثورات الشعبية بطبيعتها ليست ثورات أحزاب أيديولوجية تسعى الى الحكم، وهذا النوع من الثورات غالبا ما يفشل في توحيد الشعب ويتحول إلى حروب عصابات، أو يتخذ شكل انقلاب عسكري أو غيره من الأشكال.
إن الثورات الشعبية ليست حزبية، لكن الأحزاب التي تنشأ بعد الثورة وتسيطر على السلطة تنشئ تاريخاً للتفخيم الذاتي ، مبنياً على تصور شخصية ما أو فكر معين.
رابعاً ــ خصائص مفهوم الثورة:
إن اغلب الثورات تكاد تجتمع على جملة من الخصائص تميز العمل الثوري عن غيره منها.
ــ الثورة تمثل قطاعاً أكبر من المجتمع ضد فئة أصغر مستحوذة على القوة السياسية والاقتصادية.
ــ تقوم الثورة على الحلول الجذرية وترفض حلول الإصلاح لأنها في الأصل تغيير راديكالي يقوم ويرتكز على راديكالية المطالب.
ــ التغيير الناجم عن الثورة يكون سريع ومفاجئ، وسريع الانتشار بين قطاعات الجماهير.
ــ إن تغيير الثورة يشمل كذلك نسق القيم والمعتقدات بما يتلاءم والمرحلة الجديدة.
ــ الثورة تمثل عملية تغيير اجتماعي وسياسي.
ــ إن الثورة تترتكز على أسس جديدة ومغايرة للنظام القديم لترسيم دعائم بناء جديد على قواعد جديدة.
ــ إن الثورة تكررية وسريعة الانتقال بين المجتمعات وعبر الدول.
خامساً- أنواع وأنماط الثورة:
للثورات أنماط متعددة، وترتكز عملية تحديد نمط الثورة على طبيعة التغيير الذي يتحقق في المجتمع وحجمه، ويمكن التمييز بين نمطين أساسيين للثورات:
النمط الأول لا يؤدي لأي تغييرات سياسية واجتماعية مباشرة، ولكنَّه يُحقِّق بشكل تراكمي امكانية انتقال المجتمع من بنية اقتصادية سياسية اجتماعية إلى بنية أخرى، حيث يشمل التغيير جزءاً من المجتمع، أو حقلاً من حقول المعرفة فيه، مثل الثورة العلمية، والثورة الثقافية، والثورة الصناعية التي برزت في القرن الثامن عشر، والتي حملت معها العوامل والمرتكزات التي أدت إلى الثورات التي شهدتها القارة الأوروبية في القرن التاسع عشر.
النمط الثاني يؤدي إلى تغيير جذري شامل في البنية السياسية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع كافة، ويحدث تغييراً جذرياً للنظام القديم، واستبداله بآخر جديد بمؤسسات جديدة، ويوصف هذا النمط الثوري بـإحداث قفزة نوعية للمجتمع من مرحلة إلى أخرى أكثر تقدُّماً وتطوراً. الثورة هي بمثابة حركة شعبية وتلقائية لتغيير الأوضاع في المجتمعات، وهذا النوع بدوره ينقسم إلى ثلاث فئات؛
الفئة الأولى:
ثورات أحدثت تغيرات جذرية على صعيد البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فالثورة الفرنسية عام 1789، أنهت حكم الملك "لويس السادس عشر" وقامت بتحويل الحكم إلى نظام جمهوري، ورفعت شعارات الحرية والإخاء والمساواة، وأعلنت قيام دولة المؤسسات ممثلة في الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. وعندما قامت الثورة الروسية في عام 1917م لم تكتف بعزل القيصر، بل عملت على إحداث تغييرات جذرية في المجتمع ومثلها الثورة الصينية 1949م. كما يندرج تحت هذا النوع ثورات أوروبا الشرقية عام 1989 وثورة أوكرانيا المعروفة بالثورة البرتقالية في نوفمبر 2004.
الفئة الثانية:
ـ هي ثورات تحررية ولكنها لا تحدث تغير في بنية المجتمع. ومن هذه الثورات الثورة الأمريكية (1773 ــ 1775م)، فكانت ذات طابع حركة تحرير وطني؛ إذ اكتفت بالمطالبة والنضال في سبيل الاستقلال من الحكم البريطاني دون إحداث تغييرات رئيسية في البنية الاجتماعية. وفي أمريكا اللاتينية نموذج آخر من نماذج الثورات التي تمكنت من تغيير بعض الحكام المستبدين، دون أن يصاحب ذلك إحداث تغييرات أساسية في أنظمة الحكومة أو في البنية الاجتماعية للدولة. ويطلق علماء السياسة على هذا النوع من الثورات ثورات ضد السلطة لكونها ذات هدف محدود هو الإطاحة بالحكومة الفاسدة القائمة.
الفئة الثالثة:
ـ هي ثورات تحريرية تحدث تغييراً في بنية المجتمع، مثل الثورات التي كانت موجهة ضد الاستعمار في دول العالم الثالث، وكانت تهدف إلى تحقيق السيادة والاستقلال، ويطلق على هذا النوع من الثورات »الثورات الوطنية«. ويحدث هذا النوع من الثورات تغييرات جذرية في بنيان المجتمع؛ ومن أمثلتها ثورة الجزائر .1954 ــ 1962 .
وفي إطار الحديث النظري عن مصطلح الثورات وأنواعها، لعله يكون من المفيد أيضًا الإشارة إلى أحد التقسيمات المهمة التي طرحها بعض المفكرين السياسيين لأنواع الثورات، حيث يرون أن هناك نوعين من الثورات:
النوع الأول هو "الثورات التأسيسية" Foundational Revolutions :
حيث لا تمحى بنية سياسية واجتماعية واقتصادية قديمة فحسب، وإنما تضع الأساس لبنية جديدة لا يمكن محوها إلا بثورة أخرى أكثر قوة وتأثيرًا.
النوع الثاني، يطلق عليه "الثورات التحويلية" Transformational Revolutions:
وهي ثورات مهمة تقوم بتحويل المجتمع ونقله من وضع إلى آخر، ولكنها لا تتمتع بالديمومة والاستمرار لأسباب مختلفة بعضها أيديولوجي، والبعض الآخر سياسي واستراتيجي.
وفي هذا الإطار يوجد العديد من أنماط الثورة التي يشهدها المد الثوري في العالم، ومن أهمها:
الثورة البرجوازية:
تُعد نمطاً من الثورة الاجتماعية، وقد قاد هذه الثورة الطبقة البرجوازية الناشئة في المدن، وكان جماهير الفلاحين والفئات الفقيرة من سكان المدن والطبقة العاملة الناشئة القوى المحركة لهذه الثورات، وكانت موجهة ضد الأنظمة والحكومات الإقطاعية، والملكية، بهدف تحرير المجتمع من سيطرة هذه الفئات، وإلغاء الألقاب والامتيازات، وتحرير الاقتصاد من العقبات التي كانت تقف أمام تطوره، وإقامة نظام سياسي اقتصادي جديد يرتكز على الحرية، ويعتمد الإنجاز سبيلاً للارتقاء في سلم التمركز الاجتماعي.
وشكَّلت الثورات البرجوازية خطوةً متقدمةً، وانتصاراً كبيراً لنظام اجتماعي سياسي اقتصادي بديلٍ عن النظام الإقطاعي القائم، وتعنى الثورات البرجوازية بحل التناقض بين القوى الإنتاجية والنظام السياسي الإقطاعي أو شبه الإقطاعى، والمهمة التاريخية للثورة البرجوازية هي التخلص من العقبات أمام التطور الرأسمالي، فهي تترك أساس المجتمع البرجوازي دون تغيير، ولا تمس الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، ونجد من أبرز الثورات البرجوازية حرب الفلاحين في ألمانيا في القرن 16 والثورة اليابانية 1867، والثورة الروسية 1905 ــ 1907 .
الثورة الاشتراكية
تعتبر نمطاً من الثورة الاجتماعية، التي تؤدي إلى تغييرات جذرية وشاملة في البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتسهم في تغيير التكوين الطبقي للمجتمع، والسير به على طريق النظام الاشتراكي، وتحدث الثورة الاشتراكية نتيجة للتناقضات الموجودة في المجتمع، ولتطور نضال الجماهير ضد الفئات المسيطرة نتيجة اتساع وعيها وزيادة تنظيمها.
ويتمثل المحتوى الأساسي للثورة الاشتراكية في إقامة نظام سياسي اقتصادي اجتماعي جديد، يُسهم في تغيير السيادة الاجتماعية، وطبيعة العلاقات السياسية والاقتصادية، وتغيير شكل السلطة القائمة، وأساليب عملها، وإقامة طراز جديد للدولة يعبر عن مصالح الأكثرية من أفراد الشعب، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وبناء قاعدة واسعة من الديمقراطية الشعبية، وإطلاق قدرات الجماهير من خلال توعيتها وتنظيمها، وإغناء حياة مجموع الناس في المجتمع، وتحرير العلاقات الإنسانية من الاستغلال، وإحلال المساواة المعنوية والمادية، وتوسيع مساهمة مجموع الناس في بناء المجتمع الجديد. وثمة مدارس مختلفة من حيث نظرتها إلى الثورة الاشتراكية.
وترى الماركسية أن الثورة الاشتراكية نتاج طبيعي لتطور المجتمع، ونمو الطبقات الاجتماعية، خاصة الطبقة العاملة القادرة على القيام بالثورة الاشتراكية، وتقويض الدولة البرجوازية، وإقامة ديكتاتورية الطبقة العاملة إلغاءً للملكية الفردية، وتصفية للطبقات المالكة القديمة. وطوَّر لينين هذه النظرية من خلال تحليله للنظام الرأسمالي ورأى إمكانية قيام الثورة في الحلقة الإمبريالية الأضعف، وضرورة العمل لبناء الاشتراكية في بلد واحد أو عدة بلدان، واتباع سياسة التعايش السلمي بين الأنظمة المختلفة، وذلك بهدف حماية الثورة الاشتراكية وتوفير عوامل تطورها. وذهب لينين إلى إمكانية تحول الثورات الوطنية البورجوازية الديمقراطية إلى ثورات اشتراكية.
أمَّا مفكرو اليسار القومي وأنصار الثورة الاشتراكية في الدول النامية فيرون أن الثورة الاشتراكية حصيلة النضال للتحرر من السيطرة الاستعمارية الخارجية، والاستغلال الداخلي بهدف تحقيق العدالة والمساواة وإطلاق قدرات الجماهير من خلال الديمقراطية الشعبية، وتحويل الدولة إلى أداة للتغيير الثوري، وتأميم وسائل الإنتاج الرئيسية، وإعادة هيكلة الاقتصاد وتخطيطه، وتطوير التربية والتعليم والثقافة والإعلام، بهدف نشر الثقافة الثورية على أوسع نطاق بين الجماهير. وتعد ثورة 1917 في روسيا مثالاً واضحاً على هذا النمط من الثورات.
الثورة السياسية
وهي تسعى إلى تغيير الفئة الحاكمة دون إن أكون هدفها إحداث تغيير جذري وشامل في الأوضاع الاجتماعية، فالثورات السياسية تشتمل على عمليات التغيير المفاجئة والجذرية التي تحدث لأنظمة الحكم والإدارة والتنظيم في المجتمعات والتي تقوم بها الشعوب تحت لواء بعض الجماعات والأفراد لإصلاح الفساد الإداري والقضاء على السلطات الحاكمة المستبدة، التي لا تتسم بالعدالة، وقد تسهم القوات المسلحة في دعم ومساندة هذه الثورات، ويكون لها دور بارز في نجاحها..
ثورات التحرر الوطني:
هي نمط خاص من أنماط الثورة الاجتماعية هدفها إحداث تغييرات سياسية واجتماعية واقتصادية في حياة الدول والشعوب التي كانت خاضعة للسيطرة الاستعمارية وإقامة الدول الوطنية المستقلة. ونمت هذه الثورات على أرضية تطور حركة التحرر الوطني واتساعها وتقويتها نتيجة ضعف الدول الاستعمارية بعد الحرب العالمية الثانية، وبروز التنظيم الدولي، وانتشار الأفكار المنادية بالحرية، وحق تقرير المصير، وإنهاء السيطرة الاستعمارية. وتتحدد المهام السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الثورات، بطبيعة الظروف الداخلية لكل دولة أو شعب وبطبيعة المرحلة التاريخية التي تحدث فيها.
والمسألة الأساسية في هذه الثورات كما في كل ثورة اجتماعية هي مسألة السلطة السياسية، حيث يتم نقل السلطة إلى القوى الوطنية والديمقراطية. والقوى المحركة لهذه الثورات من العمال والفلاحين والبورجوازية الصغيرة، والبورجوازية الوطنية، والمثقفين والضباط الوطنيين.
وشهد القرن العشرون ثورات تحرر وطني واسعة ومتعددة ضد السيطرة الاستعمارية، فى العالم الثالث وانتقلت بعض هذه الثورات من النضال في سبيل التحرر الوطني إلى النضال لتحقيق تحولات ديمقراطية واقتصادية واجتماعية تنهي من خلالها مظاهر الاستغلال والسيطرة، وترسخ مظاهر التطور والتقدم والعدالة الاجتماعية.
سادساً- مراحل الثورة:
إن الثورة عملية تغيير سريع وجذري للنظام السياسي بما يؤدي للإطاحة بالنظام القديم، والنخبة التابعة له. والثورة مختلفة عن عمليات التغيير الصغيرة أو المتوسطة، والتي تحافظ على النظام القديم؛ فالتغييرات عادة ما تكون تجميلية. ويمكن اختبار الثورة الحقيقية عن طريق رؤية ما إذا كانت قد أطاحت بالنخبة القديمة أم لا، فإذا ظلت في مكانها فما حدث لا يعتبر ثورة. وقد حدد "كران برينتون" في كتابه الذي صدر عام 1938 بعنوان "تشريح الثورة" The Anatomy of Revolution خمس مراحل تمر بها كل الثورات، واختبر هذه المقولة بدراساته للثورة الإنجليزية في أربعينيات القرن السابع عشر، والثورة الأمريكية عام 1776 والثورة الفرنسية عام 1789 والثورة الروسية عام 1917. وتتمثل هذه المراحل في الآتي:(4)
ـ مرحلة انهيار النظام القديم: في هذه المرحلة تتطور مجموعة من مشاعر عدم الرضا عن الحكومة، نتيجة تعطل الإدارة وتزايد الضرائب، وتبدأ تدريجيًا ثقة الشعب في الحكومة تتآكل. كما تبدأ الحكومة فى فقدان ثقتها في نفسها، ويحول المفكرون ولاءهم من النظام القائم إلى نظام آخر مقترح يحمل قدرًا من المثالية، ويتزامن هذا مع بدء عملية تحديث اقتصادي، تلعب دوراً كبيرًا في إثارة مشاعر السخط والحقد.
ـ المرحلة الأولى للثورة: وتبدأ ببدء التحرك من أجل تغيير الوضع القائم، فيبدأ التآمر على النظام القائم من خلال تشكيل اللجان والشبكات والخلايا، واتخاذ الإطاحة بالنظام القديم هدفًا لها، وتبدأ بعض مظاهر التمرد الشعبي على النظام، ويبدأ تطور مأزق سياسي يستعصي حله، وتلجأ الحكومة إلى استدعاء قوات الأمن، الأمر الذي يؤدي إلى عكس النتائج التي يبتغيها النظام نظرًا لزيادة غضب الشعب، وفي النهاية يصبح النظام القائم خارج نطاق الخدمة.
ـ مرحلة تولي المعتدلين السلطة: خلال هذه المرحلة يتولى القيادة المعتدلون، وهم الذين عارضوا النظام القديم، ولكنهم مازالوا مرتبطين به، ويبدأون إصلاحات معتدلة غير جذرية، وغير كافية أيضًا بالنسبة للمتشددين الموجودين بين الثوار، ويتهم هؤلاء المعتدلون بالجبن والتوافق مع قوى النظام القديم، وربما يعود ذلك إلى أنهم لا يتمتعون بالصرامة الكافية.
ـ مرحلة تولي المتشددين السلطة: حيث يقوم المتشددون الأكثر صرامة، والأفضل تنظيمًا من المعتدلين، والذين يعرفون ما يريدون تحديدًا بالإطاحة بالمعتدلين، وتولى قيادة الثورة، ويتم التخلص من أي بقايا للنظام القديم، ويفرض المتشددون على الشعب طاعة النظام القديم بقيمه وقوانينه، ويتعرض المخطئون للعقاب.
في النهاية: لا يستطيع المجتمع تصعيد الثورة ويصبح الشعب –حتى الثوريين منهم - منهكًا، ويتوق إلى الاستقرار وتسيير عجلة الاقتصاد مرة أخرى، والتمتع بالأمن الشخصي. ويصف "برينتون" هذه المرحلة بأنها فترة "نقاهة ما بعد الحمى".
وتختلف الثورة عن الانقلاب العسكري في كون هذا الأخير يتمثل في قيام أحد العسكريين بالوثوب للسلطة من خلال قلب نظام الحكم، بغية الاستئثار بالسلطة والحصول على مكاسب شخصية من كرسي الحكم.
وفي هذا الإطار، قد أوضح "كرين برينتون" أن العلامات الدالة على اقتراب الثورة في المجتمع لا تكون واضحة، ولكن تكون هناك ضغوطات ومصاعب متزايدة يؤدي تفاقمها إلى انهيار النظام السياسي، وعندما تتفكك الشرعية يعمد النظام إلى الوسائل القسرية، وفي هذا الوقت تكتسب جماعات لم يكن لها وزن من قبل قوة ونفوذا وتأثيرا على الحركة الثورية، وترفع شعار إسقاط النظام القائم، ويمر المجتمع بأربع مراحل أساسية، هي:
ــ الأولى: وتتميز بالآمال الطوباوية حيث يلتف الثوار خلف الشعارات والآمال العريضة، ولا تدوم هذه المرحلة طويلاً.
ــ الثانية: وهي مرحلة انقسام النخب الثورية إلى معتدلين ومتطرفين، وغالبا ما تنتهي هذه المرحلة بهزيمة المعتدلين، وتركز السلطة في أيدي المتطرفين أو المحافظين، وقد يستخدم العنف في هذا الصراع البيني .
ــ الثالثة: وفي هذه المرحلة، وبعد سيطرة قيادة موحدة على الثورة، تسعى لتحقيق الأهداف الثورية بأي ثمن .
ــ الرابعة: تخف في هذه المرحلة حدة المطالب والشعارات الثورية، وتتراجع الحماسة، وعادة ما يتولى الحكم فيها رجل قوي يحمل صدى الثورة، وتعتبر مرحلة حكمه هي المرحلة الخامسة.
ويجب التنويه هنا إلى أن هذه المراحل ليست مقدسة ولا واحدة في كل الثورات، فقد تتقاطع الثورات في بعضها، وقد تختلف في البعض الآخر لأن كل ثورة هي وليدة ظرف خاص أدى لظهورها، وقد تختلف التصنيفات المرحلية للثورات باختلاف نظرة الكاتب وأيديولوجيته وموقعه .
سابعاً - المداخل المفسرة للثورة:
تتعدد المداخل النظرية المفسرة لظاهرة الثورة، وتتنوع فكل مدخل أو نظرية اقتربت من الثورة من خلال زاوية معينة، حيث يوجد مداخل فرعية، ومداخل رئيسية لدراسة الثورات، ومن أهم هذه المداخل، مايلي:
1ــ مدخل تحليل التاريخ الطبيعي للثورات الحديثة :
يقدم هذا المدخل تفسيراً للمراحل المختلفة داخل العملية الثورية، حيث يركز على دراسة النتائج الرئيسية للأعمال والأفعال التي تحلل مصادر التذمر والعنف، ومن أبرز مفكري هذا المدخل "جورج بيتي،" و "كرين برنتون".
2ــ المدخل النفسي :
يبحث هذا المدخل فى العوامل النفسية التي تدفع بالشخص لكي يشارك في الحركات الثورية، ومن أبرز رواد هذا المدخل "جوستاف لوبون"، الذي يعرف الثورة على أنها " مجموعة من التحولات الفجائية في المعتقدات والأفكار والمذاهب، وأن المشاعر والعواطف هي دعائم المعتقدات السياسية والرئيسية، كما يرى علماء النفس أن الثورة تعبير عن سيكولوجية الحشد ويقارنونها مع الارتدادات إلى العقلية البدائية التي يمكن ملاحظتها في حالات الانهيار العصبي.
3ـ التفسير النقدي الارتقائي (المتفائل):
ساد هذا المدخل في القرن التاسع عشر بين أحزاب ومفكري اليسار، وهو لا يزال سائدا في النظرية المادية التاريخية، ويرى أن الثورات السياسية والاجتماعية هي أدوات للتقدم الحتمي للبشرية، وينطلق من أن الثورات تحدث نتيجة وجود مقدمات وشروط محددة تبرز في إطار تطور المجتمع، تؤدي إلى وجود تناقضات أساسية بين الطابع الاجتماعي للإنتاج، وشكل التملك الاحتكاري الخاص، مما يؤدي الأمر إلى اتساع الشعور بالظلم والاستغلال الذي يمارس من قبل فئة قليلة مالكة ضد بقية فئات الشعب، الأمر الذي يصل إلى "أزمة سياسية تحمل معها نشوء حالة "ثورية" تتجسد بنشاط الجماهير السياسي الواسع من خلال التمرد على الواقع بأشكال ومظاهر متعددة مثل الاضطرابات، والمظاهرات والاجتماعات والانقلابات.
وتعبر الحالة الثورية عن التناقضات الموجودة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وفي معرض الحديث عن أسباب الثورة، ذكر ماركس عن أسباب حدوث عصر الثورة أنه في مرحلة معينة من تطور المجتمع تدخل القوى المنتجة في تناقض مع العلاقات الإنتاجية، وتتحول هذه العلاقات المختلفة من صيغة لتطور القوى المنتجة إلى عوامل معوقة لتطوّرها، ويشكل الصراع بين القوى المنتجة الجديدة وبين العلاقات الإنتاجية القديمة الأساس الموضوعي الاقتصادي للثورة، وأنَّ تصفية العلاقات الإنتاجية القديمة، واستبدالها بعلاقات جديدة، لا تحدث تلقائيَّاً وإنَّما من خلال توحيد القوى التقدمية كافة التي تعمل على إنهاء النظام الاجتماعي القديم.
وينقسم هذا المدخل إلى عدة اتجاهات، فالبعض يرى أن المساواتية هي العلامة الأبرز على التقدم، والآخر يراها في النظرة الليبرالية، حيث لا تكون الانتفاضات الجماهيرية تقدمية إلا عندما تكون موجهة ضد الحكام المستبدين، وهادفة لإقامة حكم حر.
وتشير النظرية "الماركسية اللينينية" إلى أهمية الحزب الثوري ودوره في توحيد وتنظيم القوى الثورية، بحيث تحلّ الثورة جملة من القضايا المتعلقة بالتغيير الاجتماعي، وتهدم القديم وتبني الجديد، حيث تهدف إلى انتقال السلطة إلى أيدي الطبقة الثورية". كما يرى لينين إن سلطة الدولة هي المسألة الرئيسية في أية ثورة، حيث تعتبر الثورة مقدمة ووسيلة لاستلام السلطة الذي يعتبر شرطاً ضرورياً للتغييرات الجذرية التي يجب تحقيقها في المجتمع.
ورأى لينين فيما بعد أن السيطرة الاستعمارية وما يرافقها من نهب واستغلال للشعوب المستعمرة يمكن أن تشكل مقدمات لقيام ثورات وطنية ذات طابع تحرري ضد الدول الاستعمارية، وعرفت هذه الثورات بــ"ثورات التحرر الوطنية".
4ـ التفسير المحافظ ( التشاؤمي ):
يتقاطع هذا التفسير مع المدخل النفسي لتحليل الثورة، حيث يرى التفسير أن الثورة بمثابة انفجارات شبه بربرية خارجة عن السيطرة وانفعالات جماهيرية مدمرة، و كل ما في الثورة "فوضى" لأنها تعبر عن سيكولوجية الحشد، ويقارنونها مع "الارتدادات" التي تُعبِّر عن عقلية بدائية يمكن ملاحظتها في حالات الانهيار العصبي العام، وبرز هذا التفسير إبّان الثورة الفرنسية، ومن أبرز مفكريه "نيتشة"، و" جوستاف لوبون"، وغيرهم من الذين تأثروا بالفكر الإقطاعي التقليدي اللاهوتي أو الملكي.
5ـ نظرية الحق الطبيعي:
تجسد هذه النظرية المفهوم البرجوازي للثورة وتعبر عن أن الثورة ضرورية لتوطيد الحرية والإخاء والمساواة، وتؤكد على أن الأفعال الثورية ضرورية بسبب حقوق طبيعية معينة للإنسان وليس بسبب الحاجات المادية الناضجة للتقدم الاجتماعي، وقد انقلب دعاة هذه النظرية فيما بعد على الثورات واعتبروها عارضا غير طبيعي في المجتمعات، وتعرضت هذه النظرية للنقد من جانب كل من "سان سيمون"، و"اوغيست كونت، و"كارل ماركس"، حيث أكدوا على الطابع الحتمي للثورات التي تحدث نتيجة ضرورات اقتصادية.
6ـ المذهب الفوضوى:
يرى المذهب الفوضوي أن الثورات تحاول تحقيق العدالة بواسطة القوة، ولكن الذي يحدث فعلياً هو إحلال الاستبداد بآخر، وأن كل ثورة تحقق انجازات جزئية تفضي إلى انتصار العدالة في النهاية مهما تفككت وأصابها الإفلاس، ومن أبرز مفكري هذا المذهب "برودون"، و"كروبوتكين".
7ـ البنائية الوظيفية:
إن لب النظرية البنائية الوظيفية هو مفهوم القيم، وكشف المصادر الموضوعية للتغيير الثوري داخل نسق الظواهر الاجتماعية، حيث ترى النظرية أن النسق الاجتماعي سيواجه صعوبات عندما لا تستطيع القيم القائمة تفسير التغييرات في الجوانب البيئية المحيطة، الأمر الذي يتطلب قيماً جديدة تكون لديها القدرة التفسيرية، والتي لا يتأتى إلا عن طريق التطور أو الثورة .
ومن أبرز مفكري هذه النظرية "تالكوت بارسونز" الذي يعتبر الثورة انحرافاً مرضياً يؤدي إلى خلخلة التوازن في بناء السلطة، كذلك "روبرت مرتون"، الذي يرى أن الاختلالات الوظيفية يمكن أن تفضي إلى حالة من عدم الاستقرار، ويكون التمرد استجابة لهذه الحالة .
وقد تعرضت هذه النظرية إلى العديد من الانتقادات، حيث لا تشير إلى مصدر الاختلال الوظيفي، أو سبب التناقضات الاجتماعية، كما أنها لا تميز بين مظاهر الاختلال الوظيفي والتناقضات التي تظهر في أي مجتمع سواء تلك التي تؤدي إلى الثورة أو التي لا تؤدي إليها.
وقد ظهر هذا التفسير للثورة على يد مجموعة من الباحثين في أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، منهم "سينموند نيومان"، و"كرين برينتون"، ويرى التفسير أن الأسباب المؤدية للثورة، والعوامل الدافعة لها ليست واضحة ومحددة، ومن الصعب تمييزها، حيث تحدث الثورة دون مقدمات، وتكون بمثابة طفرة في مسار التطور التاريخي، وانكساراً رئيساً في المسار العام لتطور المجتمع ، نتيجة ضغوطٍ ومصاعب متزايدةٍ، ويؤدي تفاعلها إلى تغييرٍ أساسيٍ في التنظيم السياسي والبنيان الاجتماعي، والتحكم في الملكية الاقتصادية. وتأتي الثورة في إطار العنف التحرري العادي الذي يستهدف تحرير الإنسان من الظلم والقهر، وهي الوسيلة الفاعلة لتحقيق الطفرات التاريخية القادرة على بناء مجتمعاتٍ متقدمةٍ.
وهذا التفسير لا يفرّق بين الثورة والثورة المضادة، ولهذا يصف "برينتون" الانقلاب الفاشي في إيطاليا، والانقلاب النازي في ألمانيا بأنهما ثورتان، ويرى أن الثورة المضادة هي الاستمرار المنطقي للثورة.
8ــ المادية التاريخية:
تنطلق المادية التاريخية من التفسير المادي للتاريخ، وترى بأن التناقض هو سبب التطور، وترى هذه النظرية أن الصراع بين المصالح المختلفة، والمتعارضة أحيانا داخل النسق السيسيولوجي ضرورة لازمة للتغيير الاجتماعي، ويعتبر "ماركس" أن الصراع الطبقي هو الموضوع الرئيسي للتاريخ ولا يمكن أن ينتهي إلا بالثورة، وأن القوى الإنتاجية في المجتمع تدخل في مرحلة من تطورها في صراع مع علاقات الملكية، ومع الإطار الاجتماعي والسياسي القائم، وعندما تصبح معوقة للإنتاج تحدث أزمة وتبدأ حقبة من الثورات الاجتماعية، ولا تستطيع الطبقات الحاكمة، ولا تريد الطبقات المستغلة أن تعيشا معا في ظل الشروط القائمة، وهذا التناقض بين الطبقات هو الذي يفضي إلى ثورة عنيفة .
لكن ما يؤخذ على هذا المدخل تركيزه فقط على الحتمية الثورية الناتجة عن الأسباب الاقتصادية ، وإغفاله, بل ونفيه المطلق لباقي الأسباب المؤدية للثورة .
9ــ التفسير الوضعي الاجتماعي:
يرى أن اصطلاح الثورة يعبر عن تغييرات فجائية وجذرية وعنيفة تحدث في المجتمع دون وجود أيَّ أسباب، وأنها تحمل معنى وصفياً وشكلياً، ولا تحمل أي مضمون أو قيمة اجتماعية محددة. وطبقاً لهذا التفسير فإن كل تغيير جذري وفجائي وعنيف في نظام الحكم والمجتمع يشكّل ثورةً حقيقيةً، طالما أن الحركة السياسية أو الفئات الاجتماعية التي قامت بالثورة تمتعت بتأييد قطاع واسع من الشعب.
المصدر..مجلة الديموقراطية
ليست هناك تعليقات: