مساحة إعلانية

التأصيل النظري‮ ‬لمفهوم الثورة والمفاهيم المرتبطة بها...

عاطف عبدالعزيز عتمان أكتوبر 03, 2013

وفاء على داود
لم‮ ‬يكن هناك تحديد علمي‮ ‬واضح لمفهوم‮  ‬الثورة،‮ ‬وكل ما‮ ‬يمكن قوله هو أن هناك محاولاتٍ‮ ‬يصعب أن ترقى إلى مستوى التعريف العلمي‮. ‬فالكلمة دارجةٌ‮ ‬في‮ ‬الاستخدام اليومي،‮ ‬وحتى في‮ ‬الكتابة التاريخية،‮ ‬أطلقت كتسمية على عدد كبير من الظواهر المختلفة في‮ ‬شدتها،‮ ‬والتي‮ ‬تمتد من اي‮ ‬تحرك مسلح ــ أو حتى‮ ‬غير مسلح ــ ضد نظام ما،‮ ‬إلى التحركات التي‮ ‬تطرح إسقاط النظام واستبداله،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬يصعب عملية تدقيق المصطلح‮.‬

‮ ‬وفي‮ ‬اللغة العربية نفسها استخدم التعبير لوصف تحركاتٍ‮ ‬شعبية من أنواع عدة مثل‮ "‬ثورة الزنج‮"‬،‮ ‬وثورة القرامطة،‮ ‬وقد استخدمها عرب القرن العشرين المتأثرين بثورات عصرهم لفهم الماضي‮ ‬بمفاهيم الحاضر،‮ ‬وفي‮ ‬محاولة للارتباط بتراث ثوري‮ ‬مفترض‮ ‬يكتب كأنه سيرورة نضال الطبقات المضطهدة،‮ ‬فكما‮ ‬يوجد ثورة الزنج والقرامطة‮ ‬يوجد ثورة عمر المختار،‮ ‬وثورة الريف بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي،‮ ‬وثورة الجزائر والثورة الفلسطينية،‮ ‬وثورة‮ ‬23 يوليو بقيادة جمال عبد الناصر‮.‬

وهذا هو أيضا نهج ثوريي‮ ‬القرن التاسع عشر الأوروبيين في‮ ‬إطلاق كلمة‮ "‬ثورة‮" ‬على تمرد العبيد بقيادة سبارتاكوس في‮ ‬روما القديمة‮ "‬ثورة العبيد‮". ‬ونهج اليسار الألماني‮ ‬منذ كارل ماركس في‮ ‬تسمية الحركات الدينية الألفية الخلاصية بقيادة توماس منتسر‮" ‬ثورة الفلاحين‮"‬،‮ ‬بينما وضعها المؤرخون الأوربيون في‮ ‬إطار مفهوم‮ "‬الإصلاح‮" ‬أو الحركات الدينية الخلاصية التي‮ ‬تولدت منه بوصفه‮ ‬يشمل عملية متعددة الأبعاد والظواهر من حركات دينية واجتماعية واحتجاجية وثورية،‮ ‬وهذا ما قد‮ ‬يشير إلى الاختلاف بين نهج المفكر ونهج المؤرخ‮.‬

وقد استخدم لفظ ثورة أيضاً‮ ‬في‮ ‬وصف التمردات الشعبية الذي‮ ‬جاء بشكل متأخر متأثراً‮ ‬بالأيديولوجيات الثورية في‮ ‬القرن العشرين،‮ ‬ثم تحويل مفهوم الثورة على الديكتاتوريات والنفوذ الأميركي‮ ‬ليأتي‮  ‬من أمريكا اللاتينية إلى مصطلح رئيس في‮ ‬السياسة‮  ‬لمثقفي‮ ‬اليسار في‮ ‬العالم الثالث عموما‮.‬

أما المؤرخون العرب القدماء فلم‮ ‬يستخدموا كلمة‮ "‬ثورة‮"‬،‮ ‬بل استخدموا كلمات مثل‮ "‬خروج‮" ‬و"فتنة‮". ‬والفتنة في‮ ‬الواقع هي‮ ‬الصراع الأهلي‮ ‬الذي‮ ‬يمس بالعنف التوازن السياسي‮ ‬الاجتماعي‮ ‬القائم بين جماعات أهلية،‮  ‬وربما‮ ‬يرتبط ذلك مرجعيا بالمفهوم الإسلامي‮ ‬لوحدة الجماعة واستقرارها التي‮ ‬ارتبطت بدورها بتعزيز ديناميات التمصير،‮ ‬أي‮ ‬بناء المدن المستقرة وخططها مقابل نمط الاجتماع البدوي‮ ‬العرابي‮ ‬المنقسم والمضطرب،‮ ‬ولهذا فإن مفهوم المؤرخين العرب لما‮ ‬يصفه المؤرخون المعاصرون بـ‮ "‬الثورة‮" ‬خاضع للسياق الذي‮ ‬حكم إنتاجه،‮ ‬وهو اعتبار الخروج على الجماعة تقويضاً‮ ‬للعمران،‮ ‬والخروج على الجماعة أو الامة هو الأصل في‮ ‬ذم الخوارج،‮ ‬أما الخروج على السلطان الغاشم فقد اختلف بشأنه،‮ ‬فالبعض اعتبره خروجا على الجماعة،‮ ‬والبعض الآخر اعتبره أمرا مشروعا،‮ ‬بل واجب في‮ ‬بعض الحالات‮.‬

إن أقرب كلمة إلى مفهوم الثورة المعاصرة هي‮ "‬الخروج‮"‬،‮ ‬بمعنى الخروج لطلب الحق،‮ ‬فهو خروج من البيت إلى الشارع أو الميدان طلباً‮ ‬للحق،‮ ‬أو دفعاً‮ ‬للظلم‮. ‬وهنا مغادرة الصبر والشكوى والتذمر وحالة عدم الرضا في‮ ‬الحيز الخاص،‮ ‬وحملها الى الحيز العام‮.‬

ومن هذا المنطلق نلاحظ حدوث ثورات في‮ ‬الدوائر العربية أطلق عليها ثورات الربيع العربي،‮ ‬إلا أن الباحثة رأت ضرورة الوقوف على هذا المصطلح الذي‮ ‬يردده الكثرون،‮ ‬لكن بمفاهيم مختلفة،‮ ‬برؤى متباينة،‮ ‬وذلك للتعرف على جوهر هذا المفهوم،‮ ‬وتطور مفهوم الثورة لدى المفكريين،‮ ‬لاسيما مفكري‮ ‬علم الاجتماع السياسي،‮ ‬إلى جانب التطرق إلى المفاهيم المرتبطة بمفهوم الثورة ومدى الاختلاف بينها وبين هذا المفهوم،‮ ‬بالإضافة إلى خصائص مفهوم الثورة،‮ ‬وتناول أنواع وأنماط الثورة،‮ ‬ورصد مراحل المنظومة الثورية،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن التطرق إلى المداخل المفسرة للثورة،‮ ‬والأسباب التي‮ ‬تستدعي‮ ‬القيام بالعمل الثوري‮.‬

أولاً‮ ‬– المفهوم اللغوي‮ ‬لمصطلح الثورة‮:‬

في‮ ‬اللغة اللاتينية‮:‬

تعني‮ ‬كلمة الثورة بمعناها اللاتيني‮ ‬الدقيق‮ "‬مظهرة الحركة الدائرية للنجوم‮". ‬والكلمة لا تشير إلى العنف, بل تشير إلى حركة دائرية متكررة،‮ ‬وأن مصطلح الثورة مصطلح فلكي‮ ‬الأصل اكتسب أهميته المتزايدة من خلال العالم الفلكي‮ "‬نيكولاس كوبرنيكوس‮". ‬ونشأ أصل الكلمة في‮ ‬علم الفلك،‮ ‬واستخدم على سبيل التشبيه في‮ ‬السياسة،‮ ‬وظل مصطلح الثورة‮ ‬يعني‮ ‬حتى القرن التاسع عشر،‮ ‬اضطرابا شعبيا فقط،‮ ‬وأنها اتخذت معناها السياسي‮ ‬قبل عام‮ ‬1789، عام إندلاع الثورة الفرنسية،‮ ‬بمدة وجيزة‮. ‬

في‮ ‬اللغة العربية

يقول‮ »‬لسان العرب‮« ‬فى مادة ثار‮: ‬ثار الشىء هاج،‮ ‬ثورة الغضب حدته،‮ ‬والتأثر الغضبان،‮ ‬ويقال للغضبان أهيجَ‮ ‬ما‮ ‬يكون‮: ‬وقد ثار ثائره وفار فائره إذا‮ ‬غضب وهاج‮ ‬غضبه،‮ ‬وثار إليه وثب‮. ‬ويربط اللسان العربى لفظ‮ »‬الثورة‮« ‬بذلك لغويا أو إيحاءً‮ ‬لغويا بمعانى عدم الإنضباط والغضب‮.‬

ويرتبط مفهوم الثورات في‮ ‬العالم العربي‮ ‬ــ مثل الثورة الفرنسية ــ بالمعنى اللاتيني‮ ‬للكلمة‮.‬

ثانياً‮ - ‬تطور مفهوم الثورة لدى المفكريين‮:‬

تطور مفهوم الثورة من مرحلة زمنية لأخرى مع تنوع اقترابات المفكرين منه،‮ ‬كل حسب أيديولوجيته واختصاصه‮.‬

ويُعد‮ "‬أفلاطون‮" ‬من أوائل الفلاسفة الذين عنوا بدراسة التغيرات التي‮ ‬يمكن أن تطرأ علي‮ ‬البناء السياسي،‮ ‬أما‮ "‬أرسطو‮" ‬فكان سباقا فى دراستة للثورات،‮ ‬حيث قدم أول محاولة شاملة لدراسة الثورة،‮ ‬وأفرد لها حيزاً‮ ‬كبيراً‮ ‬من مؤلفه الشهير‮ ‬''السياسة''. وقد قبل مبدأ وجود الدولة،‮ ‬ولكن الأفكار الخاطئة تؤدي‮ ‬إلي‮ ‬الإحساس بعدم الرضا،‮ ‬وبالتالي‮ ‬حدوث انقلاب سياسي،‮ ‬قد‮ ‬يعمل علي‮ ‬تغيير شكل الدولة بما‮ ‬يترتب علي‮ ‬ذلك من نتائج سياسية،‮ ‬أي‮ ‬أن الثورة ظاهرة سياسية تمثل عملية أساسية لإحداث التغيير الذي‮ ‬قد‮ ‬يؤدي‮ ‬إلي‮ ‬استبدال الجماعات الاجتماعية‮.‬

ويقول أرسطو في‮ ‬كتابه‮ " ‬السياسة‮ " ‬إن انماط الحكم كلها معرضة للثورة،‮ ‬بما فيها نمطا الحكم الأساسيان وهما الأوليجاركية والديمقراطية،‮ ‬وكذلك ما‮ ‬يسميه نظام الحكم المتوازن،‮ ‬أو الدستوري،‮ ‬أو الأرستقراطي،‮ ‬والمصطلحات الثلاثة تكاد تكون عنده مترادفات،‮ ‬ورأى أرسطو أن في‮ ‬الأوليجاركية والديمقراطية عناصر من العدالة،‮ ‬ولكن كلاً‮ ‬منهما‮ ‬يصبح معرّضاً‮ ‬لخطر الثورة عندما لا‮ ‬يتلاءم نصيب الحكام أو الشعب من الحكم مع تصورهم المسبق عنه‮. ‬ولا بد من ان نضيف إلى استخدام أرسطو مفهوم التصور‮ " ‬المسبق‮"‬،‮ ‬ويقسِّم أرسطو الثورات إلى نوعين‮: ‬نوع‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى تغيير الدستور القائم،‮ ‬فينتقل من نظام حكمٍ‮ ‬إلى نظام آخر،‮ ‬ونوع‮ ‬يغيِّر الحكام في‮ ‬إطار بنية النظام القائم‮.‬

ثم بدأ مفهوم الثورة‮ ‬يأخذ معانٍ‮ ‬جديدة بفضل التطورات التي‮ ‬طرأت علي‮ ‬فرنسا في‮ ‬أواخر القرن الثامن عشر،‮ ‬فلقد برهنت الثورة الفرنسية‮ ‬1789 لأتباع‮ "‬سان سيمون‮" ‬ثم،‮ "‬ماركس‮" ‬من بعدهم علي‮ ‬أن الثورة هي‮ ‬مرحلة من مراحل التطور التاريخي،‮ ‬وأن حتمية الحركة الثورية تكمن في‮ ‬عدم ملاءمة النظام القديم وضرورة استبداله بنظام آخر أكثر فعالية وتعبيراً‮ ‬عن جماهير الشعب‮.‬

وقد تضمنت مجريات أحداث الثورة الفرنسية إسهامات هامة في‮ ‬تطوير مفهوم الثورة،‮ ‬حيث تطور مفهوم الثورة لتمثل نجاحاً‮ ‬منقطع النظير في‮ ‬القضاء علي‮ ‬حكومة قديمة واستبدالها بحكومة أخري‮ ‬جديدة أكثر رشداً،‮ ‬كما أنها قد شكلت مبرراً‮ ‬منطقياً‮ ‬لأفعال كثير من الثوريين الذين بدأوا‮ ‬يعتقدون أن الثورة قد أصبحت هدفاً‮ ‬في‮ ‬حد ذاته‮. ‬

الجانب الاجتماعي‮ ‬لمفهوم الثورة‮:‬

فيما‮ ‬يتعلق بالجانب الاجتماعي‮ ‬للثورة،‮ ‬من المهم أن نذكر إسهام‮ "‬ماركس‮"‬،‮ ‬و"إنجلز‮"‬،‮ ‬حيث لم‮ ‬يقتصر هذا الإسهام علي‮ ‬بلورة نظرة محددة للثورة الفرنسية،‮ ‬بل تعدي‮ ‬ذلك إلي‮ ‬تطوير نظرية في‮ ‬الثورة الاجتماعية ذاتها،‮ ‬فإليهما‮ ‬يعود الفضل في‮ ‬تأكيد الجانب الاجتماعي‮ ‬للثورة‮. ‬ومن هذه الزاوية نظرا‮  ‬إلي‮ ‬الثورة الفرنسية فوجدا أن طابعها السياسي‮ ‬كان أكثر وضوحاً‮ ‬وتأثيراً‮ ‬من طابعها الاجتماعي‮. ‬فالحكم علي‮ ‬أي‮ ‬ثورة‮ ‬يجب أن‮ ‬يكون نابعاً‮ ‬من أهداف اجتماعية معينة‮. ‬وقد حاولا‮ "‬ماركس‮"‬،‮ ‬و"إنجلز‮"‬،‮  ‬إقامة نسق تاريخي‮ ‬للتطور الاجتماعي‮  ‬من خلال التركيز علي‮ ‬الأساس المادي،‮ ‬حيث فسرا التاريخ بأنه صراع بين الطبقات لا الأجناس‮. ‬فإحلال نظام إنتاجي‮ ‬بنظام آخر‮ ‬يؤدي‮ ‬إلي‮ ‬ظهور ضغوط سياسية وتغيرات تتبعها الثورة‮.‬

ففي‮ ‬هذا السياق نجد من‮ ‬يستخدم مصطلح الثورة كتعبير للدلالة على تغييرات فجائية وجذرية تتم في‮ ‬الظروف الاجتماعية والسياسية في‮ ‬مجتمع ما،‮ ‬حيث تشير هذه الظروف إلى تغيير حكم قائم وتغيير النظام الاجتماعي‮ ‬والقانوني،‮ ‬وقد‮ ‬يتم هذا التغيير بصورة فجائية عنيفة‮.‬

ولم‮ ‬يقتصر استخدام مصطلح الثورة على التغيرات في‮ ‬النظم الاجتماعية والقانونية فحسب،‮ ‬بل استخدمه بعض المفكرين للتعبير عن تغييرات جذرية في‮ ‬مجالات‮ ‬غير سياسية كالعلم والفن والثقافة،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬يشير إلى أن الجوهر المقصود من مصطلح الثورة هو‮ "‬التغيير‮". ‬

وقد استخدم مفهوم الثورة في‮ ‬مجال العلوم السياسية،‮ ‬علم الاجتماع السياسي‮ ‬للإشارة إلى التأثيرات المتبادلة للتغييرات الجذرية والمفاجئة للظروف والأوضاع الاجتماعية والسياسية‮.‬

وفي‮ ‬إطار التطرق إلى موسوعة علم الاجتماع‮  ‬نجد أنها تشير إلى مصطلح الثورة على أنه‮ "‬التغييرات الجذرية في‮ ‬البنى المؤسسية للمجتمع،‮ ‬والتي‮ ‬تعمل على تبديل المجتمع ظاهرياً‮ ‬وجوهرياً‮ ‬من نمط سائد إلى نمط جديد‮ ‬يتوافق مع مبادئ وقيم وأيديولوجية وأهداف الثورة،‮ ‬وقد تكون الثورة عنيفة دموية،‮ ‬وقد تكون سلمية،‮ ‬وتكون فجائية سريعة أو بطيئة تدريجية‮".‬

ويعرف‮ "‬كرين برنتون‮" ‬Crane Brinton ‮ ‬الثورة في‮ ‬كتابه‮ "‬تشريح الثورة‮" ‬بأنها عملية حركية دينامية تتميز بالانتقال من بنيان اجتماعي‮ ‬إلى آخر،‮ ‬وأنها تغيير عنيف في‮ ‬الحكومة القائمة بشكل‮ ‬يتجاوز الحد القانوني‮.‬

وعرَّفها البروفسور‮ "‬هاري‮ ‬ايكشتاين‮" ‬في‮ ‬مقدمة كتابه عن الحرب الداخلية بأنها‮ "‬محاولات التغيير بالعنف أو التهديد باستخدامه ضد سياسات في‮ ‬الحكم أو ضد حكام أو ضد منظمة‮. ‬بينما‮ ‬يشير‮ "‬بيتر أمان‮ "‬Peter Amann ‮ ‬إلى الثورة على أنها‮ " ‬إنهيار لحظي‮ ‬أو على المدى الطويل لاحتكار الدولة للسلطة‮ ‬يكون مصحوباً‮ ‬بانخفاض الخضوع والطاعة‮ ". ‬كما أوضح‮ "‬شريكر‮" ‬P Schrecker ‮ ‬أن الثورة بمثابة تغيير‮ ‬غير مشروع للظروف المشروعة‮. ‬في‮ ‬حين عرف كارل فريدريك‮ ‬Carl Fredreck  ‮ ‬الثورة بأنها الإطاحة بنظام سياسي‮ ‬مستقر بصورة عنيفة وفجائية‮.‬

وقد أشار ل‮. ‬ب إدوارد‮ ‬L.p Edward ‮ ‬للثورة بأنها تغيير وإحلال‮  ‬نظام جديد محل نظام آخر كان مشروعا،‮ ‬ولا‮ ‬يحدث هذا التغيير بالضرورة عن طريق القوة والعنف‮.‬

وفي‮ ‬هذا الإطار،‮ ‬أشار‮ "‬هيجل‮" ‬في‮ ‬كتابه‮ »‬والعقل والثورة‮« ‬في‮ ‬تعريفه لها على أنها الثورة على الأوضاع القائمة،‮ ‬وأنها حركة تتسم برفض وإنكار ما هو قائم فعلاً،‮ ‬وأنها إعادة لتنظيم العلاقة بين الدولة والمجتمع على أساس عقلاني‮.‬

ومن المنظور السوسيولوجي‮ ‬للثورة،‮ ‬يرى‮ "‬بارسونز‮" ‬أن الثورة بمثابة تعبير‮ "‬دوركايمي‮"‬،‮ ‬أي‮ ‬أنها انحرافات مرضية تبعد عن التوازن المستقر لبنية السلطة‮ . ‬أما‮ "‬يوري‮ ‬كرازين‮"  ‬فينظر لها بمنظار الأدبيات الماركسية في‮ ‬تحليل التطور الاجتماعي‮ ‬ويقول‮ "‬إن معنى الثورة الاجتماعية ووظيفتها لا‮ ‬يمكن فهمها إلا حينما ننظر إلى تاريخ المجتمع على حقيقته كسلسلة متصلة من التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية‮. ‬والثورة شكل من أشكال الانتقال،‮ ‬كما أنها قفزة من التشكيل الاقتصادي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬البالي‮ ‬إلى تشكيل أكثر تقدماً‮ ‬،‮ ‬تكون الخاصية المميزة السائدة له ومضمونه السياسي‮ ‬هو انتقال السلطة إلى الطبقات الثورية‮.‬

وقد ربط عالم الاجتماع الفرنسي‮ "‬إميل دوركايم‮"‬،‮ ‬مفهوم الثورة بـ‮ "‬ظاهرة الفوران الجمعي‮"‬،‮ ‬والتي‮ ‬تعبر عن تحرك جماعي‮ ‬لا‮ ‬يمكن تجاهله،‮ ‬ويتضخم بصورة ملحوظة من دون ضمان الاستمرار طويلاً‮ ‬في‮ ‬حالة الفوران‮. ‬وهي‮ ‬التي‮ ‬تتكون أساساً‮ ‬فيما بين الطبقات الأدنى في‮ ‬المجتمع،‮ ‬فالشعب‮ ‬يعيش حياة مزرية مرتبطة بالفقر في‮ ‬الأساس،‮ ‬إلى جانب نقص الحرية‮.‬

ووفقاً‮ ‬لـ‮ "‬جيدنز‮"‬،‮ ‬فإن الثورات تمثل طليعة الأساليب‮ ‬غير التقليدية في‮ ‬الحركات الجماهيرية المنظمة التي‮ ‬تُحدث تغييرات جذرية ــ في‮ ‬النظام السياسي‮ ‬السائد باستخدام العنف‮. ‬وتتطلب الحركات الثورية ـ كما أشار جيدنز شروطا أساسية لاشتعال الثورة من أهمها أساليب استهواء الجماهير وتوجيهها،‮ ‬ويصاحبها عادة توترات وصراعات‮.‬

ويرى‮ "‬روجر بيترسن Roger Petersen مؤلّف كتاب‮ "‬المقاومة والتمرد‮"‬،‮ ‬أنّ‮ ‬الثورة تبدأ على شكل احتجاجات تأخذ بعدًا شعبيًّا تكسر حاجز الخوف أو‮ ‬ينسى الناس الخوف،‮ ‬ومن ثمّ‮ ‬تتحوّل إلى‮ ‬غضب شعبي‮ ‬عارم تطلَق عليه صفة ثورة‮.‬

وفي‮ ‬تعريفه لمفهوم الثورة‮ ‬يقول‮ "‬ايرك هوبزباوم‮" ‬Eric Hobsbawm): ‮) ‬إنّ‮ ‬الثورة هي‮ ‬تحوّل كبير في‮ ‬بنية المجتمع‮. ‬ويركّز على فكرة التحوّل‮ ‬ ولكن زمكانيّة التحوّل الذي‮ ‬تحدّث عنه هي‮ ‬أوروبا ما بين عامى‮  ‬1789‮ ‬ــ‮ ‬1828‮ .‬

ويشير إلى أربعة عناصر تسترعي‮ ‬الاهتمام عند الحديث عن الثورة وهي‮:‬

الخصوصية‮: ‬

حيث‮ ‬يركّز‮ "‬هوبزباوم‮" ‬على أنّ‮ ‬لكل ثورة خصوصيتها من حيث الزّمان والمكان،‮ ‬وليس هناك تشابهٌ‮ ‬أو تطابق بين ثورتين‮. ‬

النصر‮: ‬

ويعني‮ ‬انتصار منظومة جديدة على منظومة قديمة،‮ ‬ويشير‮ "‬هوبزباوم‮" ‬إلى انتصار الفكر الرأسمالي‮ ‬الليبرالي‮ ‬على الفكر الاقتصادي‮ ‬الإقطاعي‮. ‬وفي‮ ‬الإطار العربي‮ ‬يمكن الحديث عن‮ ‬غلبة منظومة قيمية عربية ــ إسلامية ــ بكافة جوانبها على منظومة قيمية قديمة‮. ‬

البعد الجغرافي‮ ‬للثورة‮ "‬نظرية انتشار العدوى‮": ‬

حيث‮ ‬يشير‮ "‬هوبزباوم‮" ‬إلى تأثير هذا البعد في‮ ‬مناطق دول الجوار،‮ ‬وفي‮ ‬صيرورة التحوّل‮ - ‬تأثير أوروبا في‮ ‬أميركا الشمالية‮ - ‬وفي‮ ‬السياق العربي‮ ‬يبرز هذا البعد بصورة جليّة في‮ ‬انتقال الثورة من دولةٍ‮ ‬إلى أخرى،‮ ‬وذلك نظرًا إلى التقارب الجغرافي‮ ‬ووحدة الدّين واللغة والتاريخ المشترك،‮ ‬وإلى تقارب الواقع السياسي‮ ‬والاقتصادي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬لأغلب الدول العربية‮. ‬وثورة تونس‮ ‬يجب أن تفهم ضمن هذا السياق،‮ ‬حيث امتدّت موجات الثورة إلى مناطقَ‮ ‬جغرافية مجاورة في‮ ‬اتّجاه الشرق والغرب‮.‬

التراكمية‮:‬

أرجع‮ "‬هوبزباوم‮" ‬تفجّر الثورة إلى عوامل متراكمة عبر عدد من السنين أحدثت ضغطًا على القاعدة فولّدت الانفجار الذي‮ ‬يجسّد حالة الثورة‮. ‬ففي‮ ‬السياق الأوروبي‮ ‬تحدّث‮ "‬هوبزباوم‮" ‬عن أزمات الأنظمة البائدة شمال العالم وغربه،‮ ‬ويحدّدها في‮ ‬فقدان الشّرعية واستفحال الاستبداد ومصادرة الحرية،‮ ‬بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في‮ ‬شمال أميركا وغرب أوروبا‮. ‬وتمثّل هذه الأزمات القاسم المشترك مع الثورة التونسية،‮ ‬حيث توالت في‮ ‬السنوات الأخيرة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وأزمات حقوق الإنسان والحريات،‮ ‬والتي‮ ‬أسهمت بشكل رئيسى في‮ ‬تفجّر هذه الثورة‮. ‬وفي‮ ‬السياق العربي‮ ‬يمكن القول بأن الثورة هي‮ ‬نتاج تراكم عوامل ضغط اجتماعي‮ ‬واقتصادي‮ ‬وسياسي‮ ‬على القاعدة الشعبية ممّا أدّى إلى تفجّر الثورة‮.‬

ومن هذا الإطار،‮ ‬نجد أن هناك من‮ ‬يعرِّف الثورة‮  ‬كظاهرة اجتماعية وسياسية على كونها انتفاضة الشعب ضد الظلم الذي‮ ‬تجاوز كل حدود تحمل الطاقة البشرية‮. ‬والثورة من منظور التحليل النفسي‮ ‬هي‮ ‬انتصار عامل الغضب في‮ ‬النفوس على عامل الخوف من قوة وإرهاب السلطان‮. ‬والثورة كفعل إنساني‮ ‬عبارة عن عملية هدم تليها عملية بناء‮. ‬ويوضح هذا التعريف وجود مرحلتين للثورة المرحلة الأولى‮: ‬هدم الوضع الظالم والفاسد والفاشل القائم وشعار هذه المرحلة‮ "‬الشعب‮ ‬يريد إسقاط النظام‮"‬،‮ ‬والمرحلة الثانية‮: ‬بناء وضع جديد‮ ‬يلبي‮ ‬حاجات وتطلعات الأمة وشعارها‮ (‬الشعب‮ ‬يريد حياة كريمة‮).‬

ثالثاً‮ -  ‬المفاهيم المرتبطة بمفهوم الثورة‮:‬

الثورة والانقلاب‮ ‬

إن مفهوم الانقلاب‮ ‬يعني‮ ‬انتقال السلطة من‮ ‬يد فئة قليلة إلى أخرى تنتمي‮ ‬إلى نفس الفئة الأولى التي‮ ‬كانت تسيطر على الحكم أو على الأقل تشبهها،‮ ‬ويكون باستخدام وسائل العنف الرسمية دون إحداث تغيير في‮ ‬وضع القوة السياسية في‮ ‬المجتمع أو في‮ ‬توزيع عوائد النظام السياسي،‮ ‬ودون تغيير في‮ ‬أحوال المحكومين‮ . ‬وغالبا ما‮ ‬يكون الانقلاب باستيلاء العسكر على السلطة الشرعية بواسطة القوة المسلحة وتغيير نظام الحكم بالقوة دون الرجوع للناخبين‮.‬

الثورة والحركة الإحتجاجية‮: ‬

تشير الحركة الاحتجاجية إلى التقاء جماعة من الناس حول محاولة إحداث التغيير الإجتماعى والسياسى كليا أو جزئيا فى نمط القيم السائدة والممارسات السياسية،‮ ‬وذلك بين المواطنين الذين‮ ‬يجدون فى الحركة تجسيدا لمعتقداتهم ونظرتهم للوضع الاجتماعى المنشود أو‮ ‬يمكن تعريفها بأنها جزء أكبر من عملية التحديث بالإضافة إلى أنها تعبير عن الحس الاجتماعى أكثر من كونها تعبيراً‮ ‬عن أزمة إجتماعية لأنها فعل رشيد من الجماعات المستبعدة لتحقيق نتائج سياسية معينة‮.‬

من خلال التعريفات السابقة‮ ‬يمكن القول إن الحركات الاحتجاجية هى عبارة عن حالة من الغضب العام التى تسود المجتمع أو فئة معينة داخل المجتمع،‮ ‬وغالبا ما تكون هذه الفئات المهمشة داخل المجتمع،‮ ‬والتى لا أحد‮ ‬يسمعها ممايجعلها تعبر عن هذا الغضب فى شكل الحركات الاحتجاجية سواء أكانت سلمية أو‮ ‬غير سلمية فى شكل إضرابات واعتصامات أو تجمهر أو تظاهر أو قد‮ ‬يصل الأمر إلى استخدام هذه الفئات للمارسات العنيفة مثل حرق أو قطع الطرق من أجل التعبير عن مطالبها ومطالبة الحكومة بتنفيذها‮ .‬

الثورة والحركة الاجتماعية‮: ‬

عرف‮ "‬لورانز فون شتاين‮" ‬في‮ ‬مؤلفه‮ "‬تاريخ الحركة الاجتماعية في‮ ‬فرنسا من‮ ‬1987‮ ‬ إلى‮ ‬1850  الحركة الاجتماعية بأنها محاولات البروليتاريا اكتساب القوة الاقتصادية والسياسية،‮ ‬وفي‮ ‬هذا الإطار عرَّف‮ "‬رودولف هيبرل‮" ‬الحركة الاجتماعية كمفهوم أوسع ليشمل حركات الفلاحين والحركات الوطنية والفاشية،‮ ‬حيث أوضح أن الحركات الاجتماعية تهدف إلى إحداث تغييرات راديكالية في‮ ‬النظام الاجتماعي‮ ‬العام،‮ ‬لاسيما في‮ ‬مجالات توزيع الثورة وعلاقات العمل،‮ ‬كما‮ ‬يمكن تعريفها؛ بأنها ذلك الجهد الموحد والمتصل الذي‮ ‬يقوم به مجموعة من الأفراد لتحقيق هدف أو مجموعة من الأهداف المشتركة بين أعضائها أو إبدال أو هدم نظام اجتماعي‮ ‬قائم‮.‬

وقد حدد عالم الاجتماع الفرنسي‮ "‬جير وشيه‮" ‬ثلاث وظائف للحركات الاجتماعية،‮ ‬تتمثل في‮:‬

ــ الوساطة بين مجموعة من الناس من جهة والأبنية والحقائق الاجتماعية من جهة أخرى‮.‬

ــ توضيح الضمير الجمعي،‮ ‬وهي‮ ‬حالة الجماعة التي‮ ‬تكشف نفسها أو مصلحتها‮.‬

الضغط على الأشخاص الذين بيدهم مقاليد الحكم‮.‬

ومن هنا‮ ‬يصعب توضيح الفرق بين الحركة الاجتماعية والثورة صعب الوضوح بسبب التشابه الكبير الأمر الى‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى المزاوجة بين المفهومين،‮ ‬فالحركة الاجتماعية تنظيم اجتماعي‮ ‬له هياكله ومؤسساته التنظيمية،‮ ‬ويهدف الى تحقيق أهداف محددة،‮ ‬ومن وسائل هذه الحركات الثورة،‮ ‬والتي‮ ‬يمكن أن تكون وسيلة لتحقيق وتجسيد أهدافها‮.‬

الثورة والحرية‮:‬

تسعى الثورات الحديثة إلى التحرر من قمع الحرية الذي‮ ‬يشبه في‮ ‬هذه الحالة كبح حركة الأجسام والتحرر من الخوف،‮ ‬هذا التحرر‮ ‬ينشئ حلم الحرية‮. ‬ولكن الحرية السياسية والاجتماعية التي‮ ‬تمارس عبر المشاركة في‮ ‬تقرير المصير وفي‮ ‬صنع القرار هي‮ ‬البعد الثاني‮ ‬الذي‮ ‬يحول الحرية من حرية سالبة الى حرية موجبة ممارسة‮. ‬ومن هنا فإن أي‮ ‬نظام ديمقراطي‮ ‬يتألف اولا من الحريات المدنية التي‮ ‬تضمن فكرة‮ "‬التحرر من‮ "‬،‮ ‬وثانيا من‮ "‬الحرية في‮" ‬،‮ ‬وهذا‮ ‬يعني‮ ‬الحقوق السياسية التي‮ ‬تقوم ببناء الحرية في‮ ‬الدولة من خلال المؤسسات،‮ ‬التي‮ ‬تضمن ممارستها،‮ ‬وليس من حق هذه المؤسسات أن تمنع الحريات الاساسية،‮ ‬فمبرر وجودها هو أن تنظمها‮. . ‬

الثورة والأيديولوجية‮:‬

لا‮ ‬يذكر التاريخ ثورة شعبية قامت أو نجحت على أساس برنامج قائم مسبقا على أيديلوجية سياسية فكرية وحركية معلنة،‮ ‬وحتى الثورات التي‮ ‬انتهت الى أنظمة ذات أيديولوجية رسمية،‮ ‬كما في‮ ‬الحالات الروسية والإيرانية والكوبية وغيرها،‮ ‬كانت في‮ ‬البداية ثورات ضد الظلم،‮ ‬أو لتغيير نظام الحكم،‮ ‬أو للتحرر من الاستعمار،‮ ‬وقد استجلبت الأحزاب المسيطرة،‮ ‬وأدت إلى سيطرة حزب أو حركة على الثورة في‮ ‬نهايتها،‮ ‬أو على السلطة بعد انتهائها‮. ‬وأثناء الثورات تحرص حتى الأحزاب الأيديولوجية على تقديم برنامج‮ ‬يجمع جميع فئات الشعب،‮ ‬وتحاول أن تخفي‮ ‬برامجها الخاصة بها إلى أن تتمكن من الوصول بواسطة الثورة‮.‬

قد تسبق الثورة تحولات ثقافية وأيديولوجية واسعة لدى فئات الشعب،‮ ‬ويصعب الحديث عن فكر ثوري‮ ‬ودوافع ثورية من دون مثل هذه التغيرات التي‮ ‬تؤدي‮ ‬الى تصور‮  ‬نمط الحياة كظلم لا‮ ‬يحتمل‮.‬

لهذا فإن الثورات الشعبية بطبيعتها ليست ثورات أحزاب أيديولوجية تسعى الى الحكم،‮ ‬وهذا النوع من الثورات‮ ‬غالبا ما‮ ‬يفشل في‮ ‬توحيد الشعب ويتحول إلى حروب عصابات،‮ ‬أو‮ ‬يتخذ شكل انقلاب عسكري‮ ‬أو‮ ‬غيره من الأشكال‮.‬

إن الثورات الشعبية ليست حزبية،‮ ‬لكن الأحزاب التي‮ ‬تنشأ بعد الثورة وتسيطر على السلطة تنشئ تاريخاً‮  ‬للتفخيم الذاتي‮ ‬،‮ ‬مبنياً‮ ‬على تصور شخصية ما أو فكر معين‮.‬

رابعاً‮ ‬ــ‮ ‬ خصائص مفهوم الثورة‮:‬

إن اغلب الثورات تكاد تجتمع على جملة من الخصائص تميز العمل الثوري‮ ‬عن‮ ‬غيره منها‮.‬

ــ الثورة تمثل قطاعاً‮ ‬أكبر من المجتمع ضد فئة أصغر مستحوذة على القوة السياسية والاقتصادية‮.‬

ــ تقوم الثورة على الحلول الجذرية وترفض حلول الإصلاح لأنها في‮ ‬الأصل تغيير راديكالي‮ ‬يقوم ويرتكز على راديكالية المطالب‮.‬

ــ التغيير الناجم عن الثورة‮ ‬يكون سريع ومفاجئ،‮ ‬وسريع الانتشار بين قطاعات الجماهير‮.‬

ــ إن تغيير الثورة‮ ‬يشمل كذلك نسق القيم والمعتقدات بما‮ ‬يتلاءم والمرحلة الجديدة‮.‬

ــ الثورة تمثل عملية تغيير اجتماعي‮ ‬وسياسي‮.‬

ــ إن الثورة تترتكز على أسس جديدة ومغايرة للنظام القديم لترسيم دعائم بناء جديد على قواعد جديدة‮.‬

ــ إن الثورة تكررية وسريعة الانتقال بين المجتمعات وعبر الدول‮.‬

خامساً‮- ‬أنواع وأنماط الثورة‮:‬

للثورات أنماط متعددة،‮ ‬وترتكز عملية تحديد نمط الثورة على طبيعة التغيير الذي‮ ‬يتحقق في‮ ‬المجتمع وحجمه،‮ ‬ويمكن التمييز بين نمطين أساسيين للثورات‮:‬

النمط الأول لا‮ ‬يؤدي‮ ‬لأي‮ ‬تغييرات سياسية واجتماعية مباشرة،‮ ‬ولكنَّه‮ ‬يُحقِّق بشكل تراكمي‮ ‬امكانية انتقال المجتمع من بنية اقتصادية سياسية اجتماعية إلى بنية أخرى،‮ ‬حيث‮ ‬يشمل التغيير جزءاً‮ ‬من المجتمع،‮ ‬أو حقلاً‮ ‬من حقول المعرفة فيه،‮ ‬مثل الثورة العلمية،‮ ‬والثورة الثقافية،‮ ‬والثورة الصناعية التي‮ ‬برزت في‮ ‬القرن الثامن عشر،‮ ‬والتي‮ ‬حملت معها العوامل والمرتكزات التي‮ ‬أدت إلى الثورات التي‮ ‬شهدتها القارة الأوروبية في‮ ‬القرن التاسع عشر‮.‬

النمط الثاني‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى تغيير جذري‮ ‬شامل في‮ ‬البنية السياسية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع كافة،‮ ‬ويحدث تغييراً‮ ‬جذرياً‮ ‬للنظام القديم،‮ ‬واستبداله بآخر جديد بمؤسسات جديدة،‮ ‬ويوصف هذا النمط الثوري‮ ‬بـإحداث قفزة نوعية للمجتمع من مرحلة إلى أخرى أكثر تقدُّماً‮ ‬وتطوراً‮. ‬الثورة هي‮ ‬بمثابة حركة شعبية وتلقائية لتغيير الأوضاع في‮ ‬المجتمعات،‮ ‬وهذا النوع بدوره‮ ‬ينقسم إلى ثلاث فئات؛‮ ‬

الفئة الأولى‮:‬

ثورات أحدثت تغيرات جذرية على صعيد البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية‮. ‬فالثورة الفرنسية عام‮ ‬1789،‮ ‬أنهت حكم الملك‮ "‬لويس السادس عشر‮" ‬وقامت بتحويل الحكم إلى نظام جمهوري،‮ ‬ورفعت شعارات الحرية والإخاء والمساواة،‮ ‬وأعلنت قيام دولة المؤسسات ممثلة في‮ ‬الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية‮. ‬وعندما قامت الثورة الروسية في‮ ‬عام‮ ‬1917م لم تكتف بعزل القيصر،‮ ‬بل عملت على إحداث تغييرات جذرية في‮ ‬المجتمع ومثلها الثورة الصينية‮ ‬1949م‮. ‬كما‮ ‬يندرج تحت هذا النوع ثورات أوروبا الشرقية عام‮ ‬1989‮  ‬ وثورة أوكرانيا المعروفة بالثورة البرتقالية في‮ ‬نوفمبر‮ ‬2004.

الفئة الثانية‮: ‬

ـ هي‮ ‬ثورات تحررية ولكنها لا تحدث تغير في‮ ‬بنية المجتمع‮. ‬ومن هذه الثورات الثورة الأمريكية‮ (‬1773‮ ‬ــ‮ ‬1775م‮)‬،‮ ‬فكانت ذات طابع حركة تحرير وطني؛ إذ اكتفت بالمطالبة والنضال في‮ ‬سبيل الاستقلال من الحكم البريطاني‮ ‬دون إحداث تغييرات رئيسية في‮ ‬البنية الاجتماعية‮. ‬وفي‮ ‬أمريكا اللاتينية نموذج آخر من نماذج الثورات التي‮ ‬تمكنت من تغيير بعض الحكام المستبدين،‮ ‬دون أن‮ ‬يصاحب ذلك إحداث تغييرات أساسية في‮ ‬أنظمة الحكومة أو في‮ ‬البنية الاجتماعية للدولة‮. ‬ويطلق علماء السياسة على هذا النوع من الثورات ثورات ضد السلطة لكونها ذات هدف محدود هو الإطاحة بالحكومة الفاسدة القائمة‮.‬

الفئة الثالثة‮:‬

ـ هي‮ ‬ثورات تحريرية تحدث تغييراً‮ ‬في‮ ‬بنية المجتمع،‮ ‬مثل الثورات التي‮ ‬كانت موجهة ضد الاستعمار في‮ ‬دول العالم الثالث،‮ ‬وكانت تهدف إلى تحقيق السيادة والاستقلال،‮ ‬ويطلق على هذا النوع من الثورات‮ »‬الثورات الوطنية‮«. ‬ويحدث هذا النوع من الثورات تغييرات جذرية في‮ ‬بنيان المجتمع؛ ومن أمثلتها ثورة الجزائر‮ ‬.1954‮ ‬ــ‮ ‬1962‮ .‬

وفي‮ ‬إطار الحديث النظري‮ ‬عن مصطلح الثورات وأنواعها،‮ ‬لعله‮ ‬يكون من المفيد أيضًا الإشارة إلى أحد التقسيمات المهمة التي‮ ‬طرحها بعض المفكرين السياسيين لأنواع الثورات،‮ ‬حيث‮ ‬يرون أن هناك نوعين من الثورات‮:‬

النوع الأول هو‮ "‬الثورات التأسيسية‮" ‬Foundational Revolutions  :

حيث لا تمحى بنية سياسية واجتماعية واقتصادية قديمة فحسب،‮ ‬وإنما تضع الأساس لبنية جديدة لا‮ ‬يمكن محوها إلا بثورة أخرى أكثر قوة وتأثيرًا‮.‬

النوع الثاني،‮ ‬يطلق عليه‮ "‬الثورات التحويلية‮" ‬Transformational Revolutions:

وهي‮ ‬ثورات مهمة تقوم بتحويل المجتمع ونقله من وضع إلى آخر،‮ ‬ولكنها لا تتمتع بالديمومة والاستمرار لأسباب مختلفة بعضها أيديولوجي،‮ ‬والبعض الآخر سياسي‮ ‬واستراتيجي‮.‬

وفي‮ ‬هذا الإطار‮ ‬يوجد العديد من أنماط الثورة التي‮ ‬يشهدها المد الثوري‮ ‬في‮ ‬العالم،‮ ‬ومن أهمها‮:‬

الثورة البرجوازية‮:‬

تُعد نمطاً‮ ‬من الثورة الاجتماعية،‮ ‬وقد قاد هذه الثورة الطبقة البرجوازية الناشئة في‮ ‬المدن،‮ ‬وكان جماهير الفلاحين والفئات الفقيرة من سكان المدن والطبقة العاملة الناشئة القوى المحركة لهذه الثورات،‮ ‬وكانت موجهة ضد الأنظمة والحكومات الإقطاعية،‮ ‬والملكية،‮ ‬بهدف تحرير المجتمع من سيطرة هذه الفئات،‮ ‬وإلغاء الألقاب والامتيازات،‮ ‬وتحرير الاقتصاد من العقبات التي‮ ‬كانت تقف أمام تطوره،‮ ‬وإقامة نظام سياسي‮ ‬اقتصادي‮ ‬جديد‮ ‬يرتكز على الحرية،‮ ‬ويعتمد الإنجاز سبيلاً‮ ‬للارتقاء في‮ ‬سلم التمركز الاجتماعي‮. ‬

وشكَّلت الثورات البرجوازية خطوةً‮ ‬متقدمةً،‮ ‬وانتصاراً‮ ‬كبيراً‮ ‬لنظام اجتماعي‮ ‬سياسي‮ ‬اقتصادي‮ ‬بديلٍ‮ ‬عن النظام الإقطاعي‮ ‬القائم،‮ ‬وتعنى الثورات البرجوازية بحل التناقض بين القوى الإنتاجية والنظام السياسي‮ ‬الإقطاعي‮ ‬أو شبه الإقطاعى،‮ ‬والمهمة التاريخية للثورة البرجوازية هي‮ ‬التخلص من العقبات أمام التطور الرأسمالي،‮ ‬فهي‮ ‬تترك أساس المجتمع البرجوازي‮ ‬دون تغيير،‮ ‬ولا تمس الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج،‮ ‬ونجد من أبرز الثورات البرجوازية حرب الفلاحين في‮ ‬ألمانيا في‮ ‬القرن‮ ‬16‮ ‬والثورة اليابانية‮ ‬1867،‮ ‬ والثورة الروسية‮ ‬1905‮ ‬ــ‮ ‬1907‮ .‬

الثورة الاشتراكية‮ ‬

تعتبر نمطاً‮ ‬من الثورة الاجتماعية،‮ ‬التي‮ ‬تؤدي‮ ‬إلى تغييرات جذرية وشاملة في‮ ‬البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية،‮ ‬وتسهم في‮ ‬تغيير التكوين الطبقي‮ ‬للمجتمع،‮ ‬والسير به على طريق النظام الاشتراكي،‮ ‬وتحدث الثورة الاشتراكية نتيجة للتناقضات الموجودة في‮ ‬المجتمع،‮ ‬ولتطور نضال الجماهير ضد الفئات المسيطرة نتيجة اتساع وعيها وزيادة تنظيمها‮.‬

ويتمثل المحتوى الأساسي‮ ‬للثورة الاشتراكية في‮ ‬إقامة نظام سياسي‮ ‬اقتصادي‮ ‬اجتماعي‮ ‬جديد،‮ ‬يُسهم في‮ ‬تغيير السيادة الاجتماعية،‮ ‬وطبيعة العلاقات السياسية والاقتصادية،‮ ‬وتغيير شكل السلطة القائمة،‮ ‬وأساليب عملها،‮ ‬وإقامة طراز جديد للدولة‮ ‬يعبر عن مصالح الأكثرية من أفراد الشعب،‮ ‬وتحقيق العدالة الاجتماعية،‮ ‬وبناء قاعدة واسعة من الديمقراطية الشعبية،‮ ‬وإطلاق قدرات الجماهير من خلال توعيتها وتنظيمها،‮ ‬وإغناء حياة مجموع الناس في‮ ‬المجتمع،‮ ‬وتحرير العلاقات الإنسانية من الاستغلال،‮ ‬وإحلال المساواة المعنوية والمادية،‮ ‬وتوسيع مساهمة مجموع الناس في‮ ‬بناء المجتمع الجديد‮. ‬وثمة مدارس مختلفة من حيث نظرتها إلى الثورة الاشتراكية‮.‬

وترى الماركسية أن الثورة الاشتراكية نتاج طبيعي‮ ‬لتطور المجتمع،‮ ‬ونمو الطبقات الاجتماعية،‮ ‬خاصة الطبقة العاملة القادرة على القيام بالثورة الاشتراكية،‮ ‬وتقويض الدولة البرجوازية،‮ ‬وإقامة ديكتاتورية الطبقة العاملة إلغاءً‮ ‬للملكية الفردية،‮ ‬وتصفية للطبقات المالكة القديمة‮. ‬وطوَّر لينين هذه النظرية من خلال تحليله للنظام الرأسمالي‮ ‬ورأى إمكانية قيام الثورة في‮ ‬الحلقة الإمبريالية الأضعف،‮ ‬وضرورة العمل لبناء الاشتراكية في‮ ‬بلد واحد أو عدة بلدان،‮ ‬واتباع سياسة التعايش السلمي‮ ‬بين الأنظمة المختلفة،‮ ‬وذلك بهدف حماية الثورة الاشتراكية وتوفير عوامل تطورها‮. ‬وذهب لينين إلى إمكانية تحول الثورات الوطنية البورجوازية الديمقراطية إلى ثورات اشتراكية‮.‬

أمَّا مفكرو اليسار القومي‮ ‬وأنصار الثورة الاشتراكية في‮ ‬الدول النامية فيرون أن الثورة الاشتراكية حصيلة النضال للتحرر من السيطرة الاستعمارية الخارجية،‮ ‬والاستغلال الداخلي‮ ‬بهدف تحقيق العدالة والمساواة وإطلاق قدرات الجماهير من خلال الديمقراطية الشعبية،‮ ‬وتحويل الدولة إلى أداة للتغيير الثوري،‮ ‬وتأميم وسائل الإنتاج الرئيسية،‮ ‬وإعادة هيكلة الاقتصاد وتخطيطه،‮ ‬وتطوير التربية والتعليم والثقافة والإعلام،‮ ‬بهدف نشر الثقافة الثورية على أوسع نطاق بين الجماهير‮. ‬وتعد ثورة‮ ‬1917 في‮ ‬روسيا مثالاً‮ ‬واضحاً‮ ‬على هذا النمط من الثورات‮.‬

الثورة السياسية‮ ‬

وهي‮ ‬تسعى إلى تغيير الفئة الحاكمة دون إن أكون هدفها إحداث تغيير جذري‮ ‬وشامل في‮ ‬الأوضاع الاجتماعية،‮ ‬فالثورات السياسية تشتمل على عمليات التغيير المفاجئة والجذرية التي‮ ‬تحدث لأنظمة الحكم والإدارة والتنظيم في‮ ‬المجتمعات والتي‮ ‬تقوم بها الشعوب تحت لواء بعض الجماعات والأفراد لإصلاح الفساد الإداري‮ ‬والقضاء على السلطات الحاكمة المستبدة،‮ ‬التي‮ ‬لا تتسم بالعدالة،‮ ‬وقد تسهم القوات المسلحة في‮ ‬دعم ومساندة هذه الثورات،‮ ‬ويكون لها دور بارز في‮ ‬نجاحها‮..‬

ثورات التحرر الوطني‮:‬

هي‮ ‬نمط خاص من أنماط الثورة الاجتماعية هدفها إحداث تغييرات سياسية واجتماعية واقتصادية في‮ ‬حياة الدول والشعوب التي‮ ‬كانت خاضعة للسيطرة الاستعمارية وإقامة الدول الوطنية المستقلة‮. ‬ونمت هذه الثورات على أرضية تطور حركة التحرر الوطني‮ ‬واتساعها وتقويتها نتيجة ضعف الدول الاستعمارية بعد الحرب العالمية الثانية،‮ ‬وبروز التنظيم الدولي،‮ ‬وانتشار الأفكار المنادية بالحرية،‮ ‬وحق تقرير المصير،‮ ‬وإنهاء السيطرة الاستعمارية‮. ‬وتتحدد المهام السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الثورات،‮ ‬بطبيعة الظروف الداخلية لكل دولة أو شعب وبطبيعة المرحلة التاريخية التي‮ ‬تحدث فيها‮.‬

والمسألة الأساسية في‮ ‬هذه الثورات كما في‮ ‬كل ثورة اجتماعية هي‮ ‬مسألة السلطة السياسية،‮ ‬حيث‮ ‬يتم نقل السلطة إلى القوى الوطنية والديمقراطية‮. ‬والقوى المحركة لهذه الثورات من العمال والفلاحين والبورجوازية الصغيرة،‮ ‬والبورجوازية الوطنية،‮ ‬والمثقفين والضباط الوطنيين‮.‬

وشهد القرن العشرون ثورات تحرر وطني‮ ‬واسعة ومتعددة ضد السيطرة الاستعمارية،‮ ‬فى العالم الثالث وانتقلت بعض هذه الثورات من النضال في‮ ‬سبيل التحرر الوطني‮ ‬إلى النضال لتحقيق تحولات ديمقراطية واقتصادية واجتماعية تنهي‮ ‬من خلالها مظاهر الاستغلال والسيطرة،‮ ‬وترسخ مظاهر التطور والتقدم والعدالة الاجتماعية‮.‬

سادساً‮- ‬مراحل الثورة‮:‬

إن الثورة عملية تغيير سريع وجذري‮ ‬للنظام السياسي‮ ‬بما‮ ‬يؤدي‮ ‬للإطاحة بالنظام القديم،‮ ‬والنخبة التابعة له‮. ‬والثورة مختلفة عن عمليات التغيير الصغيرة أو المتوسطة،‮ ‬والتي‮ ‬تحافظ على النظام القديم؛ فالتغييرات عادة ما تكون تجميلية‮. ‬ويمكن اختبار الثورة الحقيقية عن طريق رؤية ما إذا كانت قد أطاحت بالنخبة القديمة أم لا،‮ ‬فإذا ظلت في‮ ‬مكانها فما حدث لا‮ ‬يعتبر ثورة‮. ‬وقد حدد‮ "‬كران برينتون‮" ‬في‮ ‬كتابه الذي‮ ‬صدر عام‮ ‬1938 بعنوان‮ "‬تشريح الثورة‮" ‬The Anatomy of Revolution  ‮ ‬خمس مراحل تمر بها كل الثورات،‮ ‬واختبر هذه المقولة بدراساته للثورة الإنجليزية في‮ ‬أربعينيات القرن السابع عشر،‮ ‬والثورة الأمريكية عام‮ ‬1776 والثورة الفرنسية عام‮ ‬1789 والثورة الروسية عام‮ ‬1917. وتتمثل هذه المراحل في‮ ‬الآتي‮:(‬4‮)‬

ـ مرحلة انهيار النظام القديم‮: ‬في‮ ‬هذه المرحلة تتطور مجموعة من مشاعر عدم الرضا عن الحكومة،‮ ‬نتيجة تعطل الإدارة وتزايد الضرائب،‮ ‬وتبدأ تدريجيًا ثقة الشعب في‮ ‬الحكومة تتآكل‮. ‬كما تبدأ الحكومة فى فقدان ثقتها في‮ ‬نفسها،‮ ‬ويحول المفكرون ولاءهم من النظام القائم إلى نظام آخر مقترح‮ ‬يحمل قدرًا من المثالية،‮ ‬ويتزامن هذا مع بدء عملية تحديث اقتصادي،‮ ‬تلعب دوراً‮ ‬كبيرًا في‮ ‬إثارة مشاعر السخط والحقد‮.‬

ـ المرحلة الأولى للثورة‮: ‬وتبدأ ببدء التحرك من أجل تغيير الوضع القائم،‮ ‬فيبدأ التآمر على النظام القائم من خلال تشكيل اللجان والشبكات والخلايا،‮ ‬واتخاذ الإطاحة بالنظام القديم هدفًا لها،‮ ‬وتبدأ بعض مظاهر التمرد الشعبي‮ ‬على النظام،‮ ‬ويبدأ تطور مأزق سياسي‮ ‬يستعصي‮ ‬حله،‮ ‬وتلجأ الحكومة إلى استدعاء قوات الأمن،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى عكس النتائج التي‮ ‬يبتغيها النظام نظرًا لزيادة‮ ‬غضب الشعب،‮ ‬وفي‮ ‬النهاية‮ ‬يصبح النظام القائم خارج نطاق الخدمة‮.‬

ـ مرحلة تولي‮ ‬المعتدلين السلطة‮: ‬خلال هذه المرحلة‮ ‬يتولى القيادة المعتدلون،‮ ‬وهم الذين عارضوا النظام القديم،‮ ‬ولكنهم مازالوا مرتبطين به،‮ ‬ويبدأون إصلاحات معتدلة‮ ‬غير جذرية،‮ ‬وغير كافية أيضًا بالنسبة للمتشددين الموجودين بين الثوار،‮ ‬ويتهم هؤلاء المعتدلون بالجبن والتوافق مع قوى النظام القديم،‮ ‬وربما‮ ‬يعود ذلك إلى أنهم لا‮ ‬يتمتعون بالصرامة الكافية‮.‬

ـ مرحلة تولي‮ ‬المتشددين السلطة‮: ‬حيث‮ ‬يقوم المتشددون الأكثر صرامة،‮ ‬والأفضل تنظيمًا من المعتدلين،‮ ‬والذين‮ ‬يعرفون ما‮ ‬يريدون تحديدًا بالإطاحة بالمعتدلين،‮ ‬وتولى قيادة الثورة،‮ ‬ويتم التخلص من أي‮ ‬بقايا للنظام القديم،‮ ‬ويفرض المتشددون على الشعب طاعة النظام القديم بقيمه وقوانينه،‮ ‬ويتعرض المخطئون للعقاب‮.‬

في‮ ‬النهاية‮:‬‮ ‬لا‮ ‬يستطيع المجتمع تصعيد الثورة ويصبح الشعب‮ ‬–حتى الثوريين منهم‮ - ‬منهكًا،‮ ‬ويتوق إلى الاستقرار وتسيير عجلة الاقتصاد مرة أخرى،‮ ‬والتمتع بالأمن الشخصي‮. ‬ويصف‮ "‬برينتون‮" ‬هذه المرحلة بأنها فترة‮ "‬نقاهة ما بعد الحمى‮".‬

وتختلف الثورة عن الانقلاب العسكري‮ ‬في‮ ‬كون هذا الأخير‮ ‬يتمثل في‮ ‬قيام أحد العسكريين بالوثوب للسلطة من خلال قلب نظام الحكم،‮ ‬بغية الاستئثار بالسلطة والحصول على مكاسب شخصية من كرسي‮ ‬الحكم‮. ‬

وفي‮ ‬هذا الإطار،‮ ‬قد أوضح‮ "‬كرين برينتون‮" ‬أن العلامات الدالة على اقتراب الثورة في‮ ‬المجتمع لا تكون واضحة،‮ ‬ولكن تكون هناك ضغوطات ومصاعب متزايدة‮ ‬يؤدي‮ ‬تفاقمها إلى انهيار النظام السياسي،‮ ‬وعندما تتفكك الشرعية‮ ‬يعمد النظام إلى الوسائل القسرية،‮ ‬وفي‮ ‬هذا الوقت تكتسب جماعات لم‮ ‬يكن لها وزن من قبل قوة ونفوذا وتأثيرا على الحركة الثورية،‮ ‬وترفع شعار إسقاط النظام القائم،‮ ‬ويمر المجتمع بأربع مراحل أساسية،‮ ‬هي‮:‬

ــ الأولى‮:‬‮ ‬وتتميز بالآمال الطوباوية حيث‮ ‬يلتف الثوار خلف الشعارات والآمال العريضة،‮ ‬ولا تدوم هذه المرحلة طويلاً‮.‬

ــ الثانية‮:‬‮ ‬وهي‮ ‬مرحلة انقسام النخب الثورية إلى معتدلين ومتطرفين،‮ ‬وغالبا ما تنتهي‮ ‬هذه المرحلة بهزيمة المعتدلين،‮ ‬وتركز السلطة في‮ ‬أيدي‮ ‬المتطرفين أو المحافظين،‮ ‬وقد‮ ‬يستخدم العنف في‮ ‬هذا الصراع البيني‮ .‬

ــ الثالثة‮:‬‮ ‬وفي‮ ‬هذه المرحلة،‮ ‬وبعد سيطرة قيادة موحدة على الثورة،‮ ‬تسعى لتحقيق الأهداف الثورية بأي‮ ‬ثمن‮ .‬

ــ الرابعة‮:‬‮ ‬تخف في‮ ‬هذه المرحلة حدة المطالب والشعارات الثورية،‮ ‬وتتراجع الحماسة،‮ ‬وعادة ما‮ ‬يتولى الحكم فيها رجل قوي‮ ‬يحمل صدى الثورة،‮ ‬وتعتبر مرحلة حكمه هي‮ ‬المرحلة الخامسة‮.‬

ويجب التنويه هنا إلى أن هذه المراحل ليست مقدسة ولا واحدة في‮ ‬كل الثورات،‮ ‬فقد تتقاطع الثورات في‮ ‬بعضها،‮ ‬وقد تختلف في‮ ‬البعض الآخر لأن كل ثورة هي‮ ‬وليدة ظرف خاص أدى لظهورها،‮ ‬وقد تختلف التصنيفات المرحلية للثورات باختلاف نظرة الكاتب وأيديولوجيته وموقعه‮ .‬

سابعاً‮ - ‬المداخل المفسرة للثورة‮:‬

تتعدد المداخل النظرية المفسرة لظاهرة الثورة،‮ ‬وتتنوع فكل مدخل أو نظرية اقتربت من الثورة من خلال زاوية معينة،‮ ‬حيث‮ ‬يوجد مداخل فرعية،‮ ‬ومداخل رئيسية لدراسة الثورات،‮ ‬ومن أهم هذه المداخل،‮ ‬مايلي‮:‬

1ــ مدخل تحليل التاريخ الطبيعي‮ ‬للثورات الحديثة‮ :‬

يقدم هذا المدخل تفسيراً‮ ‬للمراحل المختلفة داخل العملية الثورية،‮ ‬حيث‮ ‬يركز على دراسة النتائج الرئيسية للأعمال والأفعال التي‮ ‬تحلل مصادر التذمر والعنف،‮ ‬ومن أبرز مفكري‮ ‬هذا المدخل‮ "‬جورج بيتي،‮" ‬و‮ "‬كرين برنتون‮".‬

2ــ المدخل النفسي‮ :‬

يبحث هذا المدخل فى العوامل النفسية التي‮ ‬تدفع بالشخص لكي‮ ‬يشارك في‮ ‬الحركات الثورية،‮ ‬ومن أبرز رواد هذا المدخل‮ "‬جوستاف لوبون‮"‬،‮  ‬الذي‮ ‬يعرف الثورة على أنها‮ " ‬مجموعة من التحولات الفجائية في‮ ‬المعتقدات والأفكار والمذاهب،‮ ‬وأن المشاعر والعواطف هي‮ ‬دعائم المعتقدات السياسية والرئيسية،‮ ‬كما‮ ‬يرى علماء النفس أن الثورة تعبير عن سيكولوجية الحشد ويقارنونها مع الارتدادات إلى العقلية البدائية التي‮ ‬يمكن ملاحظتها في‮ ‬حالات الانهيار العصبي‮.‬

3ـ التفسير النقدي‮ ‬الارتقائي‮ (‬المتفائل‮):‬

ساد هذا المدخل في‮ ‬القرن التاسع عشر بين أحزاب ومفكري‮ ‬اليسار،‮ ‬وهو لا‮ ‬يزال سائدا في‮ ‬النظرية المادية التاريخية،‮ ‬ويرى أن الثورات السياسية والاجتماعية هي‮ ‬أدوات للتقدم الحتمي‮ ‬للبشرية،‮ ‬وينطلق من أن الثورات تحدث نتيجة وجود مقدمات وشروط محددة تبرز في‮ ‬إطار تطور المجتمع،‮ ‬تؤدي‮ ‬إلى وجود تناقضات أساسية بين الطابع الاجتماعي‮ ‬للإنتاج،‮ ‬وشكل التملك الاحتكاري‮ ‬الخاص،‮ ‬مما‮ ‬يؤدي‮ ‬الأمر إلى اتساع الشعور بالظلم والاستغلال الذي‮ ‬يمارس من قبل فئة قليلة مالكة ضد بقية فئات الشعب،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬يصل إلى‮ "‬أزمة سياسية تحمل معها نشوء حالة‮ "‬ثورية‮" ‬تتجسد بنشاط الجماهير السياسي‮ ‬الواسع من خلال التمرد على الواقع بأشكال ومظاهر متعددة مثل الاضطرابات،‮ ‬والمظاهرات والاجتماعات والانقلابات‮.‬

وتعبر الحالة الثورية عن التناقضات الموجودة في‮ ‬الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية‮.‬

وفي‮ ‬معرض الحديث عن أسباب الثورة،‮ ‬ذكر ماركس عن أسباب حدوث عصر الثورة أنه في‮ ‬مرحلة معينة من تطور المجتمع تدخل القوى المنتجة في‮ ‬تناقض مع العلاقات الإنتاجية،‮ ‬وتتحول هذه العلاقات المختلفة من صيغة لتطور القوى المنتجة إلى عوامل معوقة لتطوّرها،‮ ‬ويشكل الصراع بين القوى المنتجة الجديدة وبين العلاقات الإنتاجية القديمة الأساس الموضوعي‮ ‬الاقتصادي‮ ‬للثورة،‮ ‬وأنَّ‮ ‬تصفية العلاقات الإنتاجية القديمة،‮ ‬واستبدالها بعلاقات جديدة،‮ ‬لا تحدث تلقائيَّاً‮ ‬وإنَّما من خلال توحيد القوى التقدمية كافة التي‮ ‬تعمل على إنهاء النظام الاجتماعي‮ ‬القديم‮.‬

وينقسم هذا المدخل إلى عدة اتجاهات،‮ ‬فالبعض‮ ‬يرى أن المساواتية هي‮ ‬العلامة الأبرز على التقدم،‮ ‬والآخر‮ ‬يراها في‮ ‬النظرة الليبرالية،‮ ‬حيث لا تكون الانتفاضات الجماهيرية تقدمية إلا عندما تكون موجهة ضد الحكام المستبدين،‮ ‬وهادفة لإقامة حكم حر‮.‬

وتشير النظرية‮ "‬الماركسية اللينينية‮" ‬إلى أهمية الحزب الثوري‮ ‬ودوره في‮ ‬توحيد وتنظيم القوى الثورية،‮ ‬بحيث تحلّ‮ ‬الثورة جملة من القضايا المتعلقة بالتغيير الاجتماعي،‮ ‬وتهدم القديم وتبني‮ ‬الجديد،‮ ‬حيث تهدف إلى انتقال السلطة إلى أيدي‮ ‬الطبقة الثورية‮".  ‬كما‮ ‬يرى لينين إن سلطة الدولة هي‮ ‬المسألة الرئيسية في‮ ‬أية ثورة،‮ ‬حيث تعتبر الثورة مقدمة ووسيلة لاستلام السلطة الذي‮ ‬يعتبر شرطاً‮ ‬ضرورياً‮ ‬للتغييرات الجذرية التي‮ ‬يجب تحقيقها في‮ ‬المجتمع‮.‬

ورأى لينين فيما بعد أن السيطرة الاستعمارية وما‮ ‬يرافقها من نهب واستغلال للشعوب المستعمرة‮ ‬يمكن أن تشكل مقدمات لقيام ثورات وطنية ذات طابع تحرري‮ ‬ضد الدول الاستعمارية،‮ ‬وعرفت هذه الثورات بــ"ثورات التحرر الوطنية‮". ‬

4ـ التفسير المحافظ‮ ( ‬التشاؤمي‮ ): ‬

يتقاطع هذا التفسير مع المدخل النفسي‮ ‬لتحليل الثورة،‮ ‬حيث‮ ‬يرى التفسير أن الثورة بمثابة انفجارات شبه بربرية خارجة عن السيطرة وانفعالات جماهيرية مدمرة،‮ ‬و كل ما في‮ ‬الثورة‮ "‬فوضى‮" ‬لأنها تعبر عن سيكولوجية الحشد،‮ ‬ويقارنونها مع‮ "‬الارتدادات‮" ‬التي‮ ‬تُعبِّر عن عقلية بدائية‮ ‬يمكن ملاحظتها في‮ ‬حالات الانهيار العصبي‮ ‬العام،‮ ‬وبرز هذا التفسير إبّان الثورة الفرنسية،‮ ‬ومن أبرز مفكريه‮ "‬نيتشة‮"‬،‮ ‬و‮" ‬جوستاف لوبون‮"‬،‮ ‬وغيرهم من الذين تأثروا بالفكر الإقطاعي‮ ‬التقليدي‮ ‬اللاهوتي‮ ‬أو الملكي‮. ‬

5ـ نظرية الحق الطبيعي‮:‬

تجسد هذه النظرية المفهوم البرجوازي‮ ‬للثورة وتعبر عن أن الثورة ضرورية لتوطيد الحرية والإخاء والمساواة،‮ ‬وتؤكد على أن الأفعال الثورية ضرورية بسبب حقوق طبيعية معينة للإنسان وليس بسبب الحاجات المادية الناضجة للتقدم الاجتماعي،‮ ‬وقد انقلب دعاة هذه النظرية فيما بعد على الثورات واعتبروها عارضا‮ ‬غير طبيعي‮ ‬في‮ ‬المجتمعات،‮ ‬وتعرضت هذه النظرية للنقد من جانب كل من‮ "‬سان سيمون‮"‬،‮ ‬و"اوغيست كونت،‮ ‬و"كارل ماركس‮"‬،‮ ‬حيث أكدوا على الطابع الحتمي‮ ‬للثورات التي‮ ‬تحدث نتيجة ضرورات اقتصادية‮.‬

6ـ المذهب الفوضوى‮:

يرى المذهب الفوضوي‮ ‬أن الثورات تحاول تحقيق العدالة بواسطة القوة،‮ ‬ولكن الذي‮ ‬يحدث فعلياً‮ ‬هو إحلال الاستبداد بآخر،‮ ‬وأن كل ثورة تحقق انجازات جزئية تفضي‮ ‬إلى انتصار العدالة في‮ ‬النهاية مهما تفككت وأصابها الإفلاس،‮ ‬ومن أبرز مفكري‮ ‬هذا المذهب‮ "‬برودون‮"‬،‮ ‬و"كروبوتكين‮".‬

7ـ البنائية الوظيفية‮: ‬

إن لب النظرية البنائية الوظيفية هو مفهوم القيم،‮ ‬وكشف المصادر الموضوعية للتغيير الثوري‮ ‬داخل نسق الظواهر الاجتماعية،‮ ‬حيث ترى النظرية أن النسق الاجتماعي‮ ‬سيواجه صعوبات عندما لا تستطيع القيم القائمة تفسير التغييرات في‮ ‬الجوانب البيئية المحيطة،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬يتطلب قيماً‮ ‬جديدة تكون لديها القدرة التفسيرية،‮ ‬والتي‮ ‬لا‮ ‬يتأتى إلا عن طريق التطور أو الثورة‮ .‬

ومن أبرز مفكري‮ ‬هذه النظرية‮ "‬تالكوت بارسونز‮" ‬الذي‮ ‬يعتبر الثورة انحرافاً‮ ‬مرضياً‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى خلخلة التوازن في‮ ‬بناء السلطة،‮ ‬كذلك‮ "‬روبرت مرتون‮"‬،‮ ‬الذي‮ ‬يرى أن الاختلالات الوظيفية‮ ‬يمكن أن تفضي‮ ‬إلى حالة من عدم الاستقرار،‮ ‬ويكون التمرد استجابة لهذه الحالة‮ .‬

وقد تعرضت هذه النظرية إلى العديد من الانتقادات،‮ ‬حيث لا تشير إلى مصدر الاختلال الوظيفي،‮ ‬أو سبب التناقضات الاجتماعية،‮ ‬كما أنها لا تميز بين مظاهر الاختلال الوظيفي‮ ‬والتناقضات التي‮ ‬تظهر في‮ ‬أي‮ ‬مجتمع سواء تلك التي‮ ‬تؤدي‮ ‬إلى الثورة أو التي‮ ‬لا تؤدي‮ ‬إليها‮.‬

وقد ظهر هذا التفسير للثورة على‮ ‬يد مجموعة من الباحثين في‮ ‬أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية،‮ ‬منهم‮ "‬سينموند نيومان‮"‬،‮ ‬و"كرين برينتون‮"‬،‮ ‬ويرى التفسير أن الأسباب المؤدية للثورة،‮ ‬والعوامل الدافعة لها ليست واضحة ومحددة،‮ ‬ومن الصعب تمييزها،‮ ‬حيث تحدث الثورة دون مقدمات،‮ ‬وتكون بمثابة طفرة في‮ ‬مسار التطور التاريخي،‮ ‬وانكساراً‮ ‬رئيساً‮ ‬في‮ ‬المسار العام لتطور المجتمع‮ ‬،‮ ‬نتيجة ضغوطٍ‮ ‬ومصاعب متزايدةٍ،‮ ‬ويؤدي‮ ‬تفاعلها إلى تغييرٍ‮ ‬أساسيٍ‮ ‬في‮ ‬التنظيم السياسي‮ ‬والبنيان الاجتماعي،‮ ‬والتحكم في‮ ‬الملكية الاقتصادية‮. ‬وتأتي‮ ‬الثورة في‮ ‬إطار العنف التحرري‮ ‬العادي‮ ‬الذي‮ ‬يستهدف تحرير الإنسان من الظلم والقهر،‮ ‬وهي‮ ‬الوسيلة الفاعلة لتحقيق الطفرات التاريخية القادرة على بناء مجتمعاتٍ‮ ‬متقدمةٍ‮.‬

وهذا التفسير لا‮ ‬يفرّق بين الثورة والثورة المضادة،‮ ‬ولهذا‮ ‬يصف‮ "‬برينتون‮" ‬الانقلاب الفاشي‮ ‬في‮ ‬إيطاليا،‮ ‬والانقلاب النازي‮ ‬في‮ ‬ألمانيا بأنهما ثورتان،‮ ‬ويرى أن الثورة المضادة هي‮ ‬الاستمرار المنطقي‮ ‬للثورة‮.‬

8ــ المادية التاريخية‮:‬

تنطلق المادية التاريخية من التفسير المادي‮ ‬للتاريخ،‮ ‬وترى بأن التناقض هو سبب التطور،‮ ‬وترى هذه النظرية أن الصراع بين المصالح المختلفة،‮ ‬والمتعارضة أحيانا داخل النسق السيسيولوجي‮ ‬ضرورة لازمة للتغيير الاجتماعي،‮ ‬ويعتبر‮ "‬ماركس‮" ‬أن الصراع الطبقي‮ ‬هو الموضوع الرئيسي‮ ‬للتاريخ ولا‮ ‬يمكن أن‮ ‬ينتهي‮ ‬إلا بالثورة،‮ ‬وأن القوى الإنتاجية في‮ ‬المجتمع تدخل في‮ ‬مرحلة من تطورها في‮ ‬صراع مع علاقات الملكية،‮ ‬ومع الإطار الاجتماعي‮ ‬والسياسي‮ ‬القائم،‮ ‬وعندما تصبح معوقة للإنتاج تحدث أزمة وتبدأ حقبة من الثورات الاجتماعية،‮ ‬ولا تستطيع الطبقات الحاكمة،‮ ‬ولا تريد الطبقات المستغلة أن تعيشا معا في‮ ‬ظل الشروط القائمة،‮ ‬وهذا التناقض بين الطبقات هو الذي‮ ‬يفضي‮ ‬إلى ثورة عنيفة‮ .‬

لكن ما‮ ‬يؤخذ على هذا المدخل تركيزه فقط على الحتمية الثورية الناتجة عن الأسباب الاقتصادية‮ ‬،‮ ‬وإغفاله,‮ ‬بل ونفيه المطلق لباقي‮ ‬الأسباب المؤدية للثورة‮ .‬

9ــ التفسير الوضعي‮ ‬الاجتماعي:

يرى أن اصطلاح الثورة‮ ‬يعبر عن تغييرات فجائية وجذرية وعنيفة تحدث في‮ ‬المجتمع دون وجود أيَّ‮ ‬أسباب،‮ ‬وأنها تحمل معنى وصفياً‮ ‬وشكلياً،‮ ‬ولا تحمل أي‮ ‬مضمون أو قيمة اجتماعية محددة‮. ‬وطبقاً‮ ‬لهذا التفسير فإن كل تغيير جذري‮ ‬وفجائي‮ ‬وعنيف في‮ ‬نظام الحكم والمجتمع‮ ‬يشكّل ثورةً‮ ‬حقيقيةً،‮ ‬طالما أن الحركة السياسية أو الفئات الاجتماعية التي‮ ‬قامت بالثورة تمتعت بتأييد قطاع واسع من الشعب‮.‬

المصدر..مجلة الديموقراطية 
مشاركة
مواضيع مقترحة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ واحة الأريام