..مصري والإخوان
فى هذه الفترة بدأ مصري يقترب من المساجد ويحاول أن
يفهم صحيح الدين ويبحث عن منبع صافى يقنعه
بعد أن فقد المصداقية فى الخطاب التقليدي الجامد الذى يسمعه على المنابر أو فى كتب
الدين المدرسية العقيمة
وكانت هناك ندوة دينية تقام كل ثلاثاء عقب صلاة
العشاء فى المسجد الكبير ينظمها الإخوان المسلمين وكان أشرف مدرس اللغة
العربية لمصري هو من دعاه لحضور تلك
الندوة وإلقاء بعض الأبيات الشعرية
أشرف....
مدرس للغة
العربية وأحد كوادر جماعة الإخوان ومن القلائل الملتحين داخل الجماعة ...
أشرف طويل شديد البياض أصلع الشعر جميل الطلعة هادئ
الطباع باسم الوجه مخلص فى عمله كان أشرف يحلم بعودة المسجد الأقصى حاله حال معظم
إن لم يكن كل المسلمين ..
والخلافة على يد الإخوان هى السبيل لعز الأمة ولتحرير
المقدسات
حضر مصري للمرة الأولى ندوة الثلاثاء
فبعد صلاة العشاء والنافلة تم عمل حلقة دائرية من
الموجودين وتم توزيع المصاحف على الحضور وبدأت الندوة بآيات من الذكر الحكيم
يقرآها كل واحد من المشاركين بالتوالي
ثم حديث شريف
ثم قدّم أشرف مصري
فألقى بعض الأبيات التي
تحكى مأساة الأفغان إبّان الإحتلال السوفيتي للمجاهد
الأفغانى عبد رب الرسول سيّاف
ونال
إلقاء مصري إستحسان الجميع وإنهالت عبارات الثناء والترحيب بالوافد الجديد
إستمع مصري لخطاب ديني مختلف وحيوي ويمس صميم
المشاعر...
وللمرة الأولى يسمع مصري كلام حي عن الأقصى الأسير
وعن فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر .
إستمع للمرة الأولى عن مجد الخلافة وعدل عمر الفاروق
وورع حفيده عمر بن عبد العزيز و عزة المعتصم الذي جيش الجيوش من أجل إمرأة إستغاثت
وقالت واااا معتصماه.
إنبهر مصري بلغة الخطاب الجديدة ولامس الخطاب أوتار
قلبه
وتم إهدائه الوصايا العشر للإمام الشهيد البنّا من
أستاذه أشرف .
ولامست عبارات الثناء والإعجاب بمواهب مصري شيء فى
نفسه
وانتهت الندوة ووعد مصري الحضور بالمداومة على الحضور
فى قابل الأيام
وكان فى هذا الوقت الشيخ محمد الغزالي يكتب فى جريدة
الشعب الناطقة بإسم حزب العمل الإشتراكى الذي مال كثيرا تجاه الإخوان
المسلمين إلى أن صار حزبا إسلاميا.
كان يكتب مقالا بعنوان هذا دينا
وكان
هذا المقال محور حديث مصري فى لقاء
الثلاثاء من كل أسبوع ...
إقترب الإخوان من مصري وإقترب مصري من الإخوان وغاص
فى كتبهم وفقهم بداية من فقه السنة للشيخ سيد سابق مرورا بالظلال للشهيد سيد قطب
عروجا على أيام من حيات زينب الغزالي وغوصا فى أعماق الفيلسوف العالم المجدد محمد الغزالي
غاص مصري فى الوصايا العشر للإمام البنّا ووقف برهة
أمام الوصية القائلة لا تمزح فإن الأمة المجاهدة لا تعرف إلا الجد..
الجهاد ..ذروة سنام الدين والذي تم تجاهله فى الخطب
الرسمية والخطاب التقليدي وكان للكلمة مردود فى نفس مصري قبل آذانه .
ونظرا لأن مصري عاشق للخطابة فقد هوى فارس المنبر
الشيخ كشك وهو لم يكن مصنفا على الجماعات الإسلامية.
كان خطيبا أزهريا بارعا في الخطابة ..
وآمن مصري بالشعار الأول للإخوان والذي كانوا
يستخدمونه فى الإنتخابات والهتافات وهو..
الإسلام هو الحل ...
سأل مصرى الأستاذ أشرف عن معنى الإسلام هو الحل ...
قال أشرف ..
نعم الإسلام هو الحل أليس هو هدية السماء للأرض؟
وشريعته هي منهاج الرب العلى الخالق لإصلاح شؤون
خلقه ؟
وفيه الدنيا والآخرة...طريقه هو الطريق المسقيم وهو
ديسن شامل لمناحى الحياة فهو سياسة وإقتصاد ومهج حياة متكامل ..
فى هذه الفترة
لعب أشرف دور مهم فى حياة مصري وتعددت الندوات واللقاءات والأفراح
الإخوانية
والتي كان مصري بطل فيها
فها هو
المسرح وهو عبارة عن مقطورة جرار زراعي مزينة بالأضواء وجريد النخيل وبعض
البالونات
وها
هو الدف والأغاني الإسلامية سواء من الفرقة أو من شريط الكاسيت ويتخلل الحفل
المسابقات الثقافية والألعاب المبهجة والفوازير ..
جو كرنفالى جميل وفقرات مسرحية وتعريف بالإخوان
ومنهجهم
الوسطى المعتدل الذى يسعى لإحياء الدين فى النفوس
وتخليص الإسلام من الشوائب التي علقت به فى فترات الضعف ..والبناء من أجل إقامة
خلافة راشدة على منهاج النبوة ...دون غلو ولا تعصب
فى تلك المرحلة
حدث تطور مهم وخطير فى تفكير مصري وقناعاته
مصري العاشق لجمال عبدالناصر والمؤمن بالقومية
العربية
والفخور بسعد زغلول ومصطفى كامل
بدأ يكره جمال عبدالناصر بالذات ..
كراهية متطرفة كما كان حبه له متطرفا..
فدم سيد قطب وعبدالقادر عوده وعذاب زيب الغزالي
وتشريد الإخوان وحربه معهم لا لشيء إلا لقناعتهم بأن الإسلام هو الحل ..
فالإخوان لا يذكرون لعبدالناصر سوى مذابحهم وتمثيلية
المنشية ونكسة سبعة وستون وتمثيلية التنحي
كره مصري ناصر معشوقه الأول السابق مع كل قصة تعذيب
ومع كل قطرة دم سالت ومع كل أنّة من معتقل ولم يقف عند هذا الحد بل كفر ...!!!!
نعم كفر
بالقومية العربية.
فالقومية مخالفة للإسلام وهى فى صراع معه .مؤسسها
ومؤسس بعثها ميشيل عفلق النصراني
والعرب بطبيعتهم رعاة متناحرون لم يعرفوا الدولة ولا
الوحدة ولم يجمعهم سوى الإسلام
والإسلام لا قومية فيه ولو وطن
فبلاد
الإسلام أوطاني
وسعد زغلول الليبرالي المستغرب الذى دعي لمقولة إن الدين لله و للجميع وهذا لا يصح فالدين لله
والوطن لله ..قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين
هذا هو مصري فى ثوبه الجديد يرى البنّا مجدد القرن
وقدره يفوق غيره ويحب الجماعة ورايتها أكثر من نفسه ولما لا ورايتها هي راية
التوحيد ..
راية محمد بن عبدالله .
ويرى أعداء الجماعة ومنتقديها ما هم إلا كارهي
الإسلام من العلمانيين والليبراليين وأن مشكلتهم ليست مع الإخوان إنما مع نهج
الإخوان ومع الإسلام فهم يرفضون حاكمية الشريعة ويريدون اختزال الإسلام لمجرد
شعائر وعبادات .
فى هذه الفترة كان مصري يمنى نفسه بالشهادة هناك على
عتبات الأقصى المبارك حتى يزف للجنة شهيدا
وكان خطاب الإخوان لمصري وغيره يعتمد على العاطفة ولا
يخاطب العقل وكان الإهتمام بالسياسة يطغى على تأصيل العلوم الشرعية من فقه وعقيدة
وتجويد وسيرة
مصري فى هذه الفترة يعيش حالة وجدانية خاصة ويشعر
براحة نفسية ويعتقد أنه وجد ضالته وعرف الحقيقة وكلما جال بخاطره طيف مصرية وضع
الحجاب على رأسها ووجدها بحجابها أجمل وأروع بكثير من سفورها
أزاح مصرى صورة جمال عبدالناصر وحل محلها صورة الإمام
البنّا الذى يرى مصرى فكره ومنهجه وجماعته هى الحل وهى الحقيقة ...
ظل مصري على هذه الحالة ما يقرب من العام ما بين
قراءة فى فكر الإخوان وحضور الندوات والأفراح
ثم بدأ الأخ عبدالله
يقترب من مصري أكثر فأكثر ويزوره فى المنزل وهو ما
يعرف بمرحلة التجنيد ..
التي لم يكن يعي مصري عنها شيء حتى الآن ..
فهو
غارق فى الأدبيات والكتب
والغريب فى الأمر أن من كلف بتجنيده ليس هو الأستاذ
أشرف
بل الأستاذ عبدالله!!!!!
الأستاذ عبد الله مدرس اللغة الإنجليزية قصير القامة
حليق اللحية ولكن شعر لحيته حينما تطول قليلا كثيف يغطى معظم وجهه جامد الملامح
صارم حازم ..
ومع زيارات الأستاذ عبدالله لمصري فى البيت بدأ قلق
الحاجة فاطمة يزداد على إبنها وتحارب هذا التدين التي كثيرا ما دفعت مصري إليه
ولكن ملف فى أمن الدولة كان كفيلا بالقضاء على مستقبل
مصري
وهو أمل الحاجة فاطمة ...
الحاجة فاطمة قلقة ..وتخشى على مصرى وترغب أن يؤدى
الصلاة فى البيت ويقطع صلته بالإخوان
وكم فاتحت مصرى وتكلمت معه وكان منها الرجاء تلو
الرجاء
ولكن مصرى كان إنتماءه للإخوان إنتماءا عقائديا
فهو يتمنى للإسلام الغائب الذى طال غيابه وخاصة مع
سقوط الخلافة العثمانية وإنتشار الورم الصهيونى فكان يقاوم أمه بالحسنى والمراوغة
أحيانا ..
جاءت قصة التجنيد والتي أقلقت مصري فهو يحب أن يحلق
فى السماء حر الجناحين ويكره القيود ولا يمكنه أن يبايع على السمع والطاعة المطلقة
بالإضافة لضغوط الحاجة فاطمة وإلحاح عبدالله على مصري
جاء القرار بالإبتعاد عن الإخوان
...قلق ..خوف ..قيود ..ربما
والمؤكد أن مصري إصطدم بمغالاة الجماعة فى التعصب لقادتها
وتغليب رايتها على راية الوطن أحيانا فهم يرون رايتهم
هي راية الإسلام ...
والجماعة كانت تصرّ أن تجعل منتسبيها مقيدين سواء
بالبيعة والتجنيد داخل صفوفها أو بوحدة مصدر التلقي والتعامل على أنهم لا يملكون إلا أذن واحدة
يمنى فقط واليسرى من الشيطان ...
كل تلك الأمور ساهمت فى هروب مصري من قبضة الإخوان .
و الواقع أن مصري فرد جناحيه وطار من قبضة الإخوان
وأهم ما حمل معه فكر الغزالي رحمه الله
ومدرسة الأفغاني ورشيد رضا وروائع الكواكبي
طار مصري وحلق فى السماء ثانية بعد مرحلة من السكون
إلى أين يطير مصري هذه المرة وأين يجد الحقيقة ...؟؟
ليست هناك تعليقات: