بسم الله الرحمن الرحيم
حول قضية حمزة كشغري
لم أنم طوال الليل وكان الفكر يجول في قضية حمزة كشغري .. نعم قضيته !
فهي مأساة مجتمع بل مآسي أمة .. كم كشفت من عورارات وكم أظهرت هشاشة
تديننا .. وكم أبرزت سطحية معرفتنا .. وكم أطلقت العنان لقبح خطابنا الذي
نظنه إسلاميا .. وكم وكم ..
ولكن الأعمق من ذلك أنها صرخت منادية
بالسؤال الصعب عن صلة الاعتقاد بالأخلاق هل بينهما علاقة الحاكم والمحكوم؟
أم أنها تلازم محتوم؟ وأيهما يؤثر في الآخر؟ وهل يكون الاعتقاد منصبغا بما
وقر في النفس من قيم أو ملطخا بما يكتنفها من أمراض وعقد؟
وما هو مدى صحة رسوخ الاعتقاد في مستنقع الكبر والبغضاء والانتقام؟ وما هو مدى ثبات الاعتقاد الذي لم يرتبط بالأخلاق؟
وهل يمكن أن تقترن العصبية باليقين؟ أليست العصبية جاهلية؟ وهل يمكن أن يكون هناك يقين بغير طمأنينة؟ وهل تستمر غيرة المحب عمياء؟
وما مدى ما يبلغه نقاء الأخلاق التي لم ترتبط بالعقيدة؟ وما صلة ذلك بحديث
(الناس كمعادن الذهب والفضة فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا
فقهوا) وسؤال آخر مؤلم: هل تنفصل مشاعر المحب الصادق عن المحبوب لحظة الغضب
له؟ وهل يبرر الغضب للمحبوب مخالفة حاله؟
قرأت لحمزة ولأصدقائه
الليلة بتمعن .. وبالرغم من ألمي الشديد من اللغة التي تكلموا بها في بعض
المواطن عن الذات العلية وعن الحضرة النبوية .. غير أن ألمي كان أكبر وأكثر
من إساءتنا نحن الى الله ورسوله في طريقة تعاملنا مع ما كتبوه .. وفي
إعراضنا عن صرخة أرواحهم في وجوهنا .. وكأن صراخهم نوع استغاثة لإيمان دفين
في قلوبهم أبى أن يتعايش مع التناقض والتستطيح وباطن الإثم .. وقد قرأت
بين سطور ما كتبوا معاناة صادقة لصراع مع النفس ورغباتها تغلبهم تارة
ويغلبونها تارة أخرى يستنجدون بطلب المعرفة وتستنجد بنتائج حيرة الفلاسفة
الذين سبقوهم إلى طرح هذه الأسئلة، وتتعبهم جدية الصراع فيفرون منها إلى
عذوبة نغمة أو جمال قصيدة أو ترويحة سخرية او غبطة إطراء وربما نزوة علاقة!
ونحن عن ذلك كله غافلون .. غافلون عن صدّنا إيّاهم عن الله بغلظة خطاب أو
ضيق أفق أو نبرة استعلاء أو عجز عن قولة لا أعلم .. وليتنا امتلكنا شجاعة
قول لا أعلم عوضا عن أن نصك رؤوسهم بصخرة سطحية فهمنا لعظمة النصوص بدعوى
الدليل .. أو بمطالبتنا إياهم بأن يرتقوا مرتقى التسليم فإذا سألونا عن
الطريق إلى عليائه أشرنا - بغير تبصر - إلى منحدر إلغاء العقل ..
ويا
لها من جريمة أن نعبر عن التسليم بأنه الغاء للعقل .. مع أن التسليم هو
منتهى أفق العقل حيث يستنفد مداه ليسجد على عتبات العزة عند مطلع شمس
الحقيقة .. فلا يبقى بينها وبين الروح سترا .. ومن بلغ هذا المبلغ فتوقفه
وتسليمه هو حيرة المعرفة وليس كسل العقل .
والعجز عن درك الإدراك إدراك
ومن لم تكن همته مسعفة له في انطلاق العقل ففي إيمان العجائز سلامته وهو
إيمان راق لأهله غير كاف لغيرهم .. وأراني قد جمح بي التدوين حتى خرقت
ناموس اختصار التغريد ..
ولم يبق سوى التأكيد على صدق غيرة الكثير ممن
تجاوزوا الحد في التشنيع على الشباب .. فهم أيضاً ضحايا مستوى خطابنا
وتعليمنا كما كان تجاوز هؤلاء الشباب نتيجة لنفس السبب ولا أراني متأليا
على الله إن قلت أن الاثنين انطلقوا من نفس المنطلق وهو مشكاة الحب وإن
تباينت لغاتهم وعباراتهم!
عباراتهم شتى وحسنك واحد … وكل إلى ذاك الجمال يشير
وأحيانا نشير الى الجمال بأصابعنا البشعة فيسارع من حولنا إلى استبعاد أن
يكون ما نشير إليه جمالا .. ومع هذا يبقى الجمال هو الجمال.
وأخيرا
فهذه نفثة مصدور أثقل كاهله شعور بالمسؤولية عن جيل يذهب ضحية سطحيتنا
وأنانيتنا وعصبيتنا وتنازعنا واستعلائنا والأدهى من ذلك تظاهرنا بالمثالية
التي أخشى أن أكون مغرقا فيه حتى في اعتذاري هذا !
والأصعب من ذلك كله أن يكون التوقيع على هذه الكوارث نيابة عن رب العالمين
غفرانك اللهم ورحمتك وتداركك
منقول من كلام العلامة
الحبيب على الجفرى
ليست هناك تعليقات: