مساحة إعلانية

فليذهب ربكم فيقاتل إنا هاهنا قاعدون ، فكم يكون التيه؟..من أريام أفكاري د.عاطف عبدالعزيز عتمان

عاطف عبدالعزيز عتمان يونيو 21, 2016

شعرت الأريام بالتيه حالها كحال أمتها ، فمن إندونيسيا حتى جزر القمر مرورا بمهبط الوحي حتى المسرى يضرب التيه أرجاء الأرض والأنفس .
أمة أصبحت بلا هوية واضحة ولا ثقل لها ولا وزن ، ملايين من اللاشيء .
لا هوية إسلامية معروفة بل أحزاب وشيع وجماعات ترتع في التيه يكفر بعضها بعضا ويستبيح بعضها دماء بعض ويسعون لدنيا يتكالبونها فتهلكهم ، ولا قومية واضحة المعالم بل مرتزقة يزينون سياط الجلادين باسم القومية ، ولا قطرية منفتحة بل أفكار متضاربة وأنسجة ممزقة ومجتمع عنكبوتي المسكن  وهوان على النفس فهوان على الغير.
تيه في الأخلاق والقيم والفكر والعلم والسلوك والذوق حتى تذيلنا كل الأمم بسبب التيه ، فلا هوية دينية ولا إقتصادية ولا إجتماعية ولا علمية بل تخبط وتقليد وتناحر وتيه .
في ظل التيه من الطبيعي أن تنحرف البوصلة فنوجه السهام إلى أنفسنا ويكتفى عدونا بمراقبة المسرح ممسكا بخيوط الدمى يرخيها لتزداد تيها وهي تظن أنها حرة ويشدها إن لزم الأمر وينتظر اللحظة الفاصلة ليجهز على ما يتبقى من أطلالها .

وقفت الأريام عند عقوبة التيه وأسبابها وسافرت عبر السنين لترى تيه بني إسرائيل ربما تجد فيه الدواء بعد تحديد الداء .
هناك قوم فضلهم الله على العالمين وفيهم موسى وهارون عليهما السلام ونجاهم الله من المذلة والعبودية والتقتيل على يد فرعون ويرون الآيات العظام ، فيغرق الله فرعون بعد شق البحر أمام أعينهم ثم يطلبون المذلة سريعا لصنم ، وما يلبث موسى أن يغيب حتى يعبدون عجل السامري ، لكن هذه المرة يطلب الله منهم دخول الأرض المقدسة ويعدهم بالنصر إذا دخلوا وبينهم نبيان وهم من رأى الآيات المادية عيانا ولكنها النفوس الخربة ترد بجبن وعناد ومذلة :
  يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ماداموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون  
هنا تقطع الأريام السنين لترى رد أتباع النبي الخاتم قبيل بدر وهم الضعفاء قليلي العدد والعدة  وفرض عليهم القتال دون إستعداد فيقول المقداد رضي الله عنه 

: ( يا رسول الله، امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا ههنا قاعدون ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه).

وفي ظل المحنة يحترم النبي ظاهر بنود بيعة العقبة وينتظر رد
الأنصار أهل الديار ويكون التنافس على الفداء فيقف سعد بن معاذ رضي الله عنه ويقول :

(والله لكأنك تريدنا يا رسول الله ؟ قال : أجل.
 قال : فقد آمنا بك فصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا ، على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله لما أردت ، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً ، إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء ، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله).

هؤلاء من فضلهم الله وإختارهم لحمل الرسالة الخاتمة فكانوا لها أهل فأصبحوا السادة ولما تخاذل سلفهم لحقوا بالتيه !!

تعود الأريام لترى رجلين مؤمنين من بني إسرائيل يلومان قومهم ويحثونهم على دخول الأرض المقدسة ويعدانهم بالنصر ثقة بموعود الله ، وهنا نرى أن الحكم العام جائر فلم تخلو الساحة من المؤمنين وإن قل عددهم ، و بغض النظر عن هوية الرجلين وتلك عظمة القرآن فكل من يذكر بالله وقت الإستكانة والتخاذل هو من الرجلين ولكن هيهات فهؤلاء لا يحركهم إلا سوط الفرعون !!!

يخشى بنو إسرائيل العماليق لقوتهم وبطشهم ولا يثقون في وعد الله ويذكر القرآن العربي تجبر العماليق العرب على أغلب الظن  ويحث بني إسرائيل المكرمين بحمل الرسالة على دخول الأرض المقدسة في نزاهة فكرية وإنصاف وإنحياز للحق لم ألحظهم إلا في القرآن الذي ذكر كل كذب وباطل وتهم مخالفيه بكل لياقة وما كان الجواب إلا أن هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين في خطاب عاقل لعل القوم يعقلون .

تخلى بني إسرائيل عن الأرض المقدسة وعدم الثقة بموعود الله وقلة الحياء في التعامل مع الله ورسله إستوجب التيه أربعين سنة ليهلك هذا الجيل الهالك المتهالك تربية المذلة ويأتي جيل جديد يخرج من بطن المحنة ويدخل المدينة المقدسة ويخرج من التيه .

تعود الأريام لأرضها وزمانها وفي طريق العودة تسامر نفسها بالوقوف عند التيه وأسبابه ووقفت عند أمور أبرزها :
أنه لم يمنع عناد بني إسرائيل وجحودهم من وجود رجلين مؤمنين فضلا عن موسى وهارون عليهما السلام ووجودهم لم يمنع التيه عندما ساد الجحود ، فالصلاح يحتاج لإرادة جمعية وهذا لا يبخس دور أهل الصلاح والإيمان وإن كانوا أفرادا في التمهيد لخروج جيل جديد يكمل المسير ويتجاوز الذل والخضوع ويحمل الأمانة بحقها .
أما موقف المهاجرين والأنصار وهما مضرب المثل في الإيمان و الذين يتطاول عليهم بعض البعر من البشر التائهين في التيه الطويل الذي نعيشه فيبين خيرية أمة محمد مقارنة بغيرها من الأمم وعمق وقوة إيمان الرعيل الأول خاصة وثقتهم بالله رضي الله عنهم أجمعين  .
ووقفت عند مدة التيه التي قضت على جيل تربى على الذل وأدمن الجحود ، وتربية جيل في ظل التيه حمل الأمانة وتلك رسالة واضحة لتبين معالم جيل العزة وتزرع الأمل ، فمن الظلام ينبثق ضوء الفجر ومن التيه يخرج جيل دخول الأرض المقدسة مرة أخرى .
الأرض المقدسة التي إعتصبها العماليق الجدد ليس جسدا وبنيانا بل مال وسلاح ونفوذ وسيطرة وهي نفس الأرض ولكن تبدل الحال فبني إسرائيل كان فيهم نبيان وصالحان ودخلوا التيه أربعين لما تخاذلوا عن حمل الأمانة ودخول الأرض المقدسة ، فكيف بمن قادهم من أصبحوا العماليق مالا وقوة ونفوذا و بعقلية أقبح وتخاذلوا عن الأمانة ودخول الأرض و قالوا فليذهب ربكم فيقاتل إنا هاهنا قاعدون ، فكم يكون التيه؟



مشاركة
مواضيع مقترحة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ واحة الأريام