شياطين الإستبداد...الجزء الأول
الإستبداد تلك الآفة التي نخرت فى جسد هذه
الأمة وتسببت فى إفساد الدين والدنيا على حد سواء والتي بصر الشيطان بمكره إلى مقتل
الإنسان وضياع أولاه وأخراه فما لبث أن جند الجنود وأبلس النفوس وشيطن العقول .
ولنعلم أن الإستبداد والتسلط والإستعباد
والتجبر والظلم سواء من فرد على فرد أو من فرد على أمة مستغلا فقهاء الشياطين ليجعل
من الإستبداد الديني سندا ودعما للإستبداد السياسي ، لا يكون ذالك إلا بإستبداد الجهل
على العلم وبإستبداد النفس على العقل وبإستبداد الناس بعضهم ببعض ، وبضعف الرقابة وعدم
وجود ألية للحساب .
فكما قيل لو رأى الظالم فى جنب المظلوم
سيفا ما أقدم على ظلمه
فلا يسلط الله مستبد إلا على مستبدين تسلطت
عليهم أنفسهم وجهلهم وأهواؤهم ، ولا يتجبر
الجبارون إلا على ضعفاء وعبيد .
فى بعض الديانات يتحول الإستبداد الديني
إلى قوة غاشمة ويسلب بعض الأوصياء من رجال الدين الناس حريتهم ويستعبدوهم ويحولوهم
من بشر أحرار إلى عبيد ويستخدمون الترهيب والترغيب بعد أن أمسكوا بشمائلهم خاتم الكفر
والإيمان وخاتم الصلاح والطلاح .
ويختلط المفهوم عند العامة بين الإله السيد
الرب المعبود بحق وصاحب صفات الكمال وصاحب طلاقة القدرة والذى مع كل ذلك ترك الإنسان
حر ومخير تحت إرادته ومشيئته ، وبين المستبد المتأله مدعى الربوبية المطاع بالقهر والظلم ، ومن هنا إستخف فرعون قومه فأطاعوه وقال أنا ربكم
الأعلى وهذه الأنهار تجرى من تحتي فإستخف عقولهم وأطاعوه فهلكوا وأهلكوه .
دأب المستبدون على مر التاريخ من إتخاذ
بطانة من رجال الدين وفقهاء السلطان ليعينوهم على ظلم الناس بإسم الله ، فما أقوى سلطان
الدين وما أيسر الضغط على النفوس والعقول وإسترهابهم وتركعيهم بإسم الدين وبإسم الله،
وأشد الأسلحة فتكا هي التفريق والتشييع والتحزيب ونشر الخلافات ويتحقق ذلك من خلال التنطع وتعظيم سفاسف الأمور وتضخيمها لتشتت
وتفرق وتشرذم الأمة و تشغلنا خلافتنا عن عظائم الأمور ، وعن فساد الفاسدين وإستبداد المستبدين
ومن هنا نجد تلازم بين الإستبداد الديني
والسياسي فأينما وجد أحدهما وجدت الآخر ، ومن هنا أستحضر قول المعصوم صل الله عليه وسلم هلك المتنطعون ، وكما قال السابقون ما من شخص يتنطع فى أمور الدين
إلا إختل نظام دنياه وخسر أولاه وعقباه.
أن إصلاح الدين هو المدخل الرئيسي والمسلك الصحيح
لإصلاح كل نواحي الحياة بما فى ذلك الإصلاح السياسي
فإصلاح الفرد نفسا وعقلا وسلوكا وإحياء
الضمائر والرقابة الذاتية وإزالة الرواسب من فوق القيم الإنسانية الفطرية يزيل
المسخ عن الإنسان ويجعله يسترد قيمه الإنسانية الفطرية وأهمها الحرية
وذلك لن يتأتى إلا من خلال إصلاح المنظومة
وتصحيح الفهم والبحث عن جوهر وصحيح الدين
والتخلص من الإستبداد الديني الذى يسيطر
على العقول .
فقد إستفاد الغرب من الإسلام وجوهره وحقيقته
أكثر مما إستفاد المسلمون فأقاموا ديموقراطيات وتخلصوا من الإستبداد الديني وأمروا
بالمعروف ونهوا عن المنكر بمفهوم الإسلام الصحيح وليس بمفهوم فقهاء السلاطين وشياطين
الإستبداد فأصبحت الرقابة للساسة هي القاعدة التي تحكم فتحجم الفساد والإفساد وتضبط إيقاع السلطة .
فى القرآن الكريم تخاطب بلقيس مستشاريها
ومجلس نوابها وتقول أفتوني فى أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ولما كانت صاحبة عقل
قربت وإستشارت أصحاب عقول وذوي ألباب .
وللحديث بقية لو كان فى العمر بقية.
رحم الله الجليلان الكواكبي والغزالي
ليست هناك تعليقات: