الإعلام بكل أنواعه مقروء ومسموع ومرئي يعاني أزمة حقيقة ،أزمة أخلاقية في المقام الأول ومهنية إلى حد كبير ، وبدلا من أن يكون طوق نجاة لمجتماعاتنا وأوطاننا المأزومة ، تحول في كثير من الأحيان لأزمة في حد ذاته ، وبدلا من أن يرشد سلوك الشارع ويقود الرأي العام برشد للعبور من تلك المرحلة الحرجة من عمر أمتنا أصبح كثير منه منقاد وتحكمه الأهواء والمصالح والصراعات .
عندما أحببت الكتابة والخطابة منذ طفولتي وحتى عندما اتجهت لكلية الصيدلة بدلا من الإعلام بعد صراع نفسي مرير ، لأني أزعم أنني كنت أرى حقيقة الصورة ، كنت أحمل بين جنبات نفسي رسالة أود وجود منبر يسمح لي بتوصيلها ، حتى بعد ما تخرجت من كلية الصيدلة واتجهت للإعلام والكتابة ليس بحثا عن عمل ولكن للبحث عن نفسي .
جئت أبحث عن إعلام آمنت به وقرأته في الأدبيات وسعيت كثيرا لتعلم فنياته وأصوله وأحلم برسالة أحملها لمحاولة تغيير شيء ما في واقعنا المرير ، وهذا لا يمنع وجود رغبة في الشهرة وطلب المجد والعلاقات لكن من خلال حمل رسالتي وليس على حسابها .
ربما رأيت واقعا مريرا من خلال ممارستي الصحفية ولكن ما إن وقفت أمام الكاميرا حتى تكشفت لي أمور كثيرة ، سيطرة الإعلان على الإعلام ، الإبتزاز من البعض وإستخدام المنبر لحسابات ومصالح شخصية ، التمجد بدلا من طلب المجد ، التجارة أحيانا بالآمال والآلام لصناعة هالة وبطولة وهمية ،الضغائن والصراعات الخفية ، ضياع القيم والتلصص والطعن بالذمم والأعراض وبحرفية للهروب من سيف القانون ،
تصيد الأخطاء وإفتعالها أحيانا لمن لم يوافق الهوى والتعامي عن أهل الرضى .
ليس هذا هو الإعلام الذي سعيت إليه ، فقد سعيت لحمل رسالة ، ولخدمة أمتي وللبحث عن نفسي ولن أدعي مثالية وليس عيبا أن أسعى أن أكون شيئا مذكورا وأن أطلب المجد من خلال تعب و إجتهاد والمساهمة في إنقاذ أمتنا وإرساء ثقافة الحب والتعايش والتعاون بين كل البشر ، إن كنت درست الصيدلة بدلا عن حلمي في الصحافة و الإعلام خوفا أن أخسر نفسي ومن عدم توفر فرصة عمل ، فلن أخسرها الآن ولا أظن أنه تبقى من العمر ما يساوي ما مضى ، فإما أن أكون نفسي وأحمل رسالتي أو أعود لقلمي ومدونتي أهذي فيها جنونا في عصر القرد .
الإعلام الذي أحلم به يحمل بيت أمير الشعراء على أكتافه
(إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا)
إعلام يقود ولا ينقاد ، لا ينفصل عن الواقع لكن ينهض بالمجتمع لتغيره ، يعلي من القيم ومصالح الوطن ويحترم صرخة الألم ويسابق إلى إبراز بسمة الأمل .
سأظل إنسان أحاول أن أضع روحي وجسدي في الميزان وأضبط إيقاعي معترفا ببشريتي وأخطائي ومقيما لتصرفات غيري ومواقفهم وليس لأشخاصهم وفق الميزان ، فلا يوجد شيطان مارد ولا ملاك طاهر في بيني آدم ، كل له وعليه والإنصاف يقتضي النظر لكفتي الميزان ، من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره .
ليست هناك تعليقات: