*إستغلال فاجعة الإمام الحسين سياسيا
-----------------
*الإمام الحسين ثار لله
--------------------
* محمد عليه السلام جد كل تقي فلن تشفع الأنساب ولا الأرحام
-----------------
*بعض الممارسات والطقوس العاشورائية التي لا
علاقة لها بحركة الإمام الحسين
-----------------
* الإمام جعفر الصادق جده لأمه الخليفة أبو بكر الصديق
------------------
* لا حقيقة لوجود روافض أو نواصب اليوم
-------------------------------
ضيف
الحوار كتب كتابا بعنوان
السنة والشيعة أمة واحدة ، دين واحد وإجتهادات
متعددة
وأوضح
بأن علاقات المذاهب والأديان لا يجوز أن تكون على حساب الأوطان ، وصرح بأن
المتهاون بوطنه متهاون بدينه حتماً .
وصرح
بأن العلاقة مع الآخر تكون من خلال منظومة القيم و المبادئ الانسانية ،التي تجعل
الناس سواسية لا تفرق بينهم أعراق و ألوان و لا تمنحهم الامتيازات أنساب و أديان.
وقال
أيضا لن تحمينا مذاهبنا ولا طوائفنا ولا أحزابنا ولا جماعاتنا، بل
الإنصهار الوطني والدولة العادلة .
إنه
صوت للإعتدال وداعي للحوار والتعايش ولد في بلدة قلاوية اللبنانية عام 1951م
ضيفنا
أديب وشاعر ومدرس لأصول الفقه ومفتي ومجتهد وصاحب مؤلفات عديدة منها الأحزاب
الدينية الشيعية بين شهوة السلطة ورسالية الأئمة وزبدة التفكير في رفض السب
والتكفير .
درس
في النجف وهو مرجع ديني مسلم شيعي صاحب إجتهاد وآراء جرئية ، رفض قتال حركة أمل
باسم الدين من قبل حزب الله
له
كثير من الفتاوى والمواقف والإجتهادات التي جعلته عرضة لمخالب المتطرفين .
نتيجة
مواقفه، تعرّض لتهديدات وهجوم مسلّح في شهر أيار من العام 2008 على بيته ومقره في
مدينة صور مما أدى إلى تهجيره من الجنوب اللبناني وإقامته في بيروت منذ ذلك الحين
وحتى الوقت الراهن.
تعرض
لسهام التطرف وطل بفكر مستنير عبر فضائية المستقلة وحوار صريح بعد التراويح فكان
فكرا منيرا مستنيرا .
ضيف
الحوار سماحة السيد العلامة المجتهد علي بن محمد بن علي تقي بن محمد الأمين
أجرى
الحوار الكاتب الصحفي د.عاطف عبدالعزيز عتمان
سماحة
السيد أحييكم بتحية الإسلام ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ونرجو أن يتسع
صدركم لحوارنا الصريح والذي نسعى من خلاله لإزالة اللبس عن كثير من الأمور ،
والسعي للتقريب بين السنة والشيعة على أساس من المصارحة والوضوح وإحترام الآخر ،
وإن وصلنا لإحترام كل من الطائفتين للآخر مع مواطن الإختلاف ، ونجحنا في إستبدال
الكراهية بالحب ، ونزع فكر التكفير نكون قد أنجزنا شيئا نلقى به الرسول الأكرم صل
الله عليه وسلم على الحوض ، فحياكم الله وأهلا بكم ..
_________
1- في
صدر الإسلام زالت كل الحواجز العرقية والإجتماعية فكان بلال العبد الحبشي سيدا
وإجتمع أبوبكر وعمر وعليّ وعثمان على أخوة مع سلمان الفارسي وصهيب الرومي وأبوذر
الغفاري وطلب عمر وعلي الدعاء من أويس القرني !! .ماذا حدث إبان الفتنة وهل كان
نزاع عقائدي أم سياسي ؟
ج١-عليكم
السلام ورحمة الله وبركاته، إبتداءً أتقدم منكم بالشكر على هذه المبادرة الطيبة
وعلى جهودكم المشكورة في سبيل التقريب بين أبناء الأمة الواحدة من مختلف المذاهب،
وبعد..فإن الدين قد اكتمل في عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام وآمن برسالته
المهاجرون والأنصار ورفعوا راية الإسلام ودافعوا عن صاحب الرسالة بالنفس والنفيس،
وكانوا كما وصفهم الله تعالى(محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء
بينهم) وقد ضربوا أروع الأمثلة في الوفاء والأخوة والإخلاص للرسول والرسالة التي
تجاوزت في تعاليمها الأعراق والألوان واللغات والأجناس حين أعلنت عن المساواة بين
الناس، وقد جسّدوا تلك التعاليم في حياتهم وعلاقاتهم، واستمروا على ذلك بعد انتقال
رسول الله إلى الملأ الأعلى، وكان من الطبيعي أن يؤثر انتهاء عهد الوحي الإلهي
وغياب قيادة الرسول المسدّدة به على أمّته وخصوصاً على أصحابه، وكان من الطبيعي
أيضاً أن يحصل الإختلاف بينهم في وجهات
النظر حول إدارة أمور الدولة التي كانت ما تزال حديثة العهد، ولكنهم لم يختلفوا
أبداً على أصول الإعتقاد بالرسالة والعمل بأركانها ، وقد قتل الخليفة عثمان بن عفان
وهو يقرأ القرآن، وقتل الإمام علي عليه السلام أثناء الصلاة في مسجد الكوفة، وهذا
من الكثير الذي يشير إلى أن الإختلاف الذي حصل في زمن الفتنة لم يكن على عقائد
الدين ، وإنما كان خلافاً على السياسة، وقد روي عن الإمام علي قوله في الصراع الذي
حصل مع معاوية (...وكان بدء أمرنا أنّا التقينا والقوم من أهل الشام والظاهر أنٌ
ربّنا واحد ونبيّنا واحد ودعوتنا في الإسلام واحدة، لا نستزيدهم في الإيمان بالله
والتّصديق برسوله ولا يستزيدوننا، والأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان...).
2- إستشهد
أمير المؤمنين علي ومن بعده الحسن والحسين رضي الله عنهم وهنا أقف عند راية الحسين
رضي الله عنه وأرضاه ، ما حقيقة تلك الراية وكيف ننتصر نحن الآن لأبي عبدالله
الحسين ؟
وهل
راية الحسين هي الكراهية واللعن واللطم والتباكي ؟
ج٢-في تاريخنا الاسلامي محطات أليمة نتذكرها
ونتذكر أصحابها لنأخذ منها ومنهم الدروس والعبر،وراية الإمام الحسين التي كانت
راية حق فاقت حادثة مقتله في فصولها المأساوية ومضمونها الاجرامي كل التوقعات حيث
ظهرت فيها الجرأة البالغة على سفك الدماء التي حرم الله سفكها بنص القرآن الكريم
والسنة النبوية الشريفة مصدري العقيدة والشريعة للرسالة التي آمن بها المسلمون وقد
وصلت تلك الجرأة على المحارم الى رموز دينية كبرى لها مكانتها وقدسيتها في نفوس
المؤمنين جميعا الذين آمنوا بالله ورسوله فأصابت الامام الحسين ابن بنت رسول الله
واهل بيته واصحابه والمسلمون يومئذ كان قد وصلهم سماعا ورواية قول رسول الله عليه
الصلاة والسلام (الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة).
ولذلك
كانت فاجعة كربلاء فجيعة عظمى على كل المسلمين اصابتهم في الصميم. وقد كان من
اسباب اقامة هذه الذكرى سنويا الاظهار لمدى فظاعة هذه الجريمة والاستنكار لها
والتنديد بها حتى لا تتكرر المأساة في حياة المسلمين وحقنا لدمائهم لأن دماء الامام
الحسين اذا ذهبت بدون تنديد واستنكار متواصلين فلا تبقى من قيمة لحرمة سفك الدماء
بين المسلمين وانتهاك سائر الحرمات والمحرمات الاخرى.
ولكن
بعضهم حاولوا في تلك الحقبة المظلمة من التاريخ ان يستغلوا مقتل الامام الحسين في
مشاريعهم السياسية وطموحاتهم السلطوية وكانوا يجمعون الناس تحت شعار (يا لثارات
الحسين) لأن قضية الامام الحسين يتعاطف معها الناس لمظلوميته وموقعه الديني عند
المسلمين.
وقد
ادرك الامام الصادق مخاطر هذا الشعار على اشعال نار الفتن والحروب في المجتمع
الاسلامي فواجه هذه الحالة التي كانت تخفي وراءها الكثير من حب السلطة والنفوذ
وقال لهم ان الامام الحسين ليس ثارا لاشخاص ولا لقبيلة ولا لعشيرة انه ثار الله،
فالشهيد عندما يقتل في سبيل الله فان الله تعالى هو الذي يتولى اخذ ثأره من
الظالمين من خلال احكامه وقوانينه التي يسقط بها عروش الطغاة والجبابرة، فالامام
الحسين ليس ثأراً لبني هاشم وليس ثأرا لطائفة ومذهب والذين ارتكبوا هذه الجريمة
النكراء اصبحوا في محكمة الله فالامام الحسين قد مضى شهيدا والشهيد ثار الله والله
خير الحاكمين. ولذلك كان الامام الصادق يخاطب الامام الحسين عليه السلام عند زيارة
ضريحه بقوله له: (السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره).
والتركيز
على راية الإمام الحسين ينبغي أن يكون على أهدافها الوحدوية والإصلاحية كما قال(إني
لم أخرج أشراً ولا بطراً،ولا ظالماً ولا مفسداً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة
جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر..)ولا يصح استذكارها بلطم الصدور وضرب
الرؤوس ونشر الكراهة بين المسلمين على ماضٍ لم يصنعوه، وهو موضع استنكار وتنديد
منهم جميعاً على اختلاف مذاهبهم.
3- آل بيت رسول الله عليهم السلام والذين نشهد
الله أننا نحبهم لقرابتهم المصطفي ، من هم آل البيت من وجهة نظركم وقد تنازع الأمر
الأشراف من السنّة والعلويين والعباسيين ؟
وهل
يرجع فضلهم لصلتهم بالنبي أم أن هناك منهم وأقصد تحديدا الأئمة الإثنى عشر من هو
أفضل من النبي ؟
ج٣-لا أعتقد أن هذا النزاع القديم كان ذا جدوى
بين العباسيين والعلويين في شأن الإتصاف بلقب الأشراف، فالرسول عليه الصلاة
والسلام جعل ميزان القرابة في العمل، فقد ورد عنه أنه جدّ كل تقيّ، وأن عدو محمد
من عصى محمّداً وإن قربت قرابته، وأن وليّ محمد من أطاع محمداً وإن بعدت قرابته،
وأنه لا فضل لعربيّ على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، وأن سلمان منّا أهل
البيت، وغير ذلك من نصوص الكتاب والسنّة، واهتمام المسلمين بنسبه الشريف هو
لمكانته في نفوسهم، فالمرء يحفظ في ولده كما يقال في المأثور،ولحثهم على الإقتداء
به، وليس لامتياز في ذريته على غيرهم بعيداً عن ميزان العمل الذي جاء به من عند
الله في القرآن الكريم(إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
وعلى
كلّ فإنّه مع الإعتزاز بهذا النّسب الشريف والحرص عليه والمحبّة له نقول إنّ خير
نسب للإنسان هو عمله قال الله تعالى ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) و ( إنّ أكرمكم
عند الله أتقاكم) (فإذا نفخ في الصُّور فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون).وقد
روي عن الإمام علي قوله(من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه).
واعتقادنا
أن رسول الله -صلّى الله عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار-هو خير البشر
وخاتم الأنبياء وبموته انقطع وحي السماء، ولا يسبقه بالفضل أحد من الأئمة الإثني
عشر وغيرهم.
4- لماذا نشعر أن الشيعة لا يعطون الإمام الحسن
قدره وكل إهتمامهم بالإمام الحسين ؟ هل لهذا الشعور ما يبرره ؟
ج٤-قد
يعود الإهتمام بذكرى الإمام الحسين إلى حجم الفاجعة التي حصلت للإمام الحسين وأهل
بيته وأصحابه، والتركيز على قضيته باعتبار أن المظلوميّة التي حلّت بهم بدون وجه
حقّ فاقت في بشاعتها كلّ التّوقّعات، وفي التركيز عليها انتصار لقضية الحق في صراعه
مع الباطل ، وهي تتضمّن حركة كل الأئمة والأولياء والمصلحين وأهدافهم، وإن كانت لا
تغني عن الرجوع إلى سيرتهم والإستفادة من تجاربهم.
وقد
يكون الشعور الذي ذكرته ناشئاً من بعض الممارسات والطقوس العاشورائية التي لا
علاقة لها بحركة الإمام الحسين ، ومن حاجتنا إلى الأخذ بنظر الإعتبار سيرة الإمام
الحسن والتركيز على دوره البارز في إطفاء النائرة وترسيخ السلم الداخلي بين
المسلمين بجمع كلمتهم وإيقاعه الصلح بينهم وإنهاء الحرب.
5- التمذهب وبداية التشيع ، هل كان التشيع في
بدايته ولاية لآل البيت وحقهم في الإمامة أم خلاف عقائدي بين المسلمين آنذاك ؟
ج٥-من المعروف أن بداية نشوء المذاهب كانت في
أواخر القرن الثاني من الهجرة،وكانت في أول الأمر عبارة عن آراء أصحابها
واجتهاداتهم الفقهية في المسائل الشرعيّة ، ومن خلال اعتماد الحكومات المتعاقبة
لتلك الآراء في باب القضاء كان يشتهر رأي فقيه معين دون غيره، ولذلك اختفت آراء
كثيرين عن التداول ،وقد تحوّلت الآراء المتداولة والتي اشتهرت فيما بعد إلى مذاهب.
والتّشيّع
لأئمة أهل البيت لم يكن له صفة مذهبيّة في تلك المرحلة، بل كان بمعنى المحبّة لهم
والتأييد لمواقفهم وتفضيلهم على غيرهم في مواقع القيادة السياسية ، وقد كان الإمام
أبو حنيفة من الداعين لتأييد الإمام زيد في خروجه على الحاكم ، وهذا مما يكشف لنا
عن أن الخلاف بين المسلمين لم يكن خلافاً عقائديّاً ، وإنما كان اختلافاً للآراء
حول الإمامة السياسية وإدارة شؤون الأمّة وهذا الإختلاف هو ما يسمّى اليوم باصطلاح
السياسيين إختلاف الموالاة والمعارضة، فالموالاة ترى نفسها أنها الأحق والأجدر
بالحكم ، والمعارضة ترى نفسها الأولى بالحكم والقيادة.
6- من هو الإمام جعفر الصادق وماهي ركائز مذهبه
؟
ج٦-الإمام جعفر الصادق هو سادس أئمة أهل البيت
عند المسلمين الشيعة من الطائفة الإمامية الإثني عشرية، وهو من ذرية الإمام الحسين ،
فهو إبن الإمام محمد الباقر بن الإمام زين العابدين علي بن الحسين، وكان جدّه
لأمّه الخليفة أبو بكر الصديق، وقد روي عنه قوله(ولدني أبو بكر مرّتين) فقد كان
والده الإمام محمد الباقر صهراً للخليفة أبي بكر الصدّيق حيث إنه كان متزوجاً بأم
فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وأمّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر،
والإمام جعفر الصادق هو إبنها منه.
وكانت
مدرسته في المدينة مقصداً للطلاب والعلماء ومنهم الإمام أبو حنيفة وغيره ، وبعد شيوع
المذاهب وانتشارها في عصره وما بعده نسب إليه المذهب الجعفري باعتبار تواجده في
ذلك العصر واشتهار مدرسته التي اعتمدت على الكتاب والسنّة في استنباط الأحكام
الشرعيّة، وكان يقول: كل شيء فيه كتاب أو سنّة، وأنه لا اعتبار لما خالفهما ، ولذلك
وصفت مدرسته بأنها مدرسة النصّ التي انفتحت على كل المدارس الأخرى.
7- لن أخوض في مرحلة الفتنة ولكل من الشيعة
والسنة رواياته حول تلك الحقبة ولكن هل من المقبول أن تتحمل الأجيال بعد ما يزيد
عن 1400عام تبعات تلك الحقبة ؟ وما السبيل لتجاوز تلك الحقبة وعند الله ترد
المظالم ؟
ج٧-
ليس بين المذاهب الإسلامية كلها خلاف حول اركان الإسلام التي يجمعها الحديث المروي
عن رسول الله عليه الصلاة (الإسلام ان تشهد ان لا إله إلا الله وأن محمداً رسول
الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت له سبيلا).
والخلافات
التي حصلت في تلك الحقبة وما بعدها بين المسلمين ليس لنا بها علاقة ، ولسنا مسؤولين
عن حصولها، ولا يصح أن تلقي بظلالها على حياتنا، وعلينا أن نبني علاقاتنا على ضوء
ما أرشدنا إليه الله تعالى في قوله{تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا
تُسألون عما كانوا يعملون} فعلينا أن نقتدي بجميل أفعالهم وأن نستفيد من مواطن
اختلافهم بإجتنابها وعدم تكرار أسبابها .
ونحن
نرى إن جوهر المشكلة التي يعاني منها المسلمون اليوم في علاقاتهم يكمن في الصراع
على السلطة والنفوذ، ولا يكمن في تعدد المذاهب، ولا في الإختلاف على تفسير بعض
المسائل التي أصبحت في ذمة التاريخ ، فمثل هذه الأمور كانت موجودة في الماضي
القريب والبعيد ولم تكن سبباً لسوء العلاقات بينهم، ولم تمنع تلك الإختلافات
الإجتهادية لعلمائهم من الإنصهار الوطني في البلاد التي تضمّهم،ولم تمنعهم من
المصاهرات والقرابات في الكثير من العائلات والقبائل والمجتمعات والتي تعكس مدى
تأثير المشتركات الدينية الكثيرة على سلوكياتهم الوحدوية المنطلقة من عمق
إيمانهم بالدين الواحد الذي آمنوا به
والأمّة الواحدة التي ينتمون إليها.
8- نعود
للمذهب هل هو دين ؟ ولماذا أصبح التعصب للمذهب أشد من التعصب للدين؟
وما السبيل للخروج من دائرة المذهب الضيقة
لدائرة الدين الأوسع ؟ وهل كان علي شيعيا وأبوبكر سنيا ؟
ج٨-إن
تعدد الآراء والإجتهادات في فهم النصوص الدينية يعتبر من الأمور الطبيعية ولذلك
ظهر في كل الشرائع السماوية وظهر أيضاً في القوانين الوضعية باختلاف تفسيراتها
وتأويلاتها بين الحقوقيين والمحامين. وقد تعددت المدارس ومناهج البحث وطرق
الإستنباط بين العلماء وأطلق عليها فيما بعد إسم المذاهب وهي في الحقيقة مذاهب
تعبر عن آراء أصحابها المشهورين من العلماء في معرفة أحكام الشريعة الإسلامية
وكانوا جميعاً من أئمة الإسلام في الفقه ولم تكن لهم نسبة لغير الإسلام كما كانت
عليه حال الصحابة حيث لم يكن في عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام سنّة ولا شيعة
بالمعنى المذهبي، كما قال الله تعالى(ملّة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل).فالمسلمون
جميعاً على اختلاف مذاهبهم هم أمّة واحدة بما هم مؤمنون برسالة الإسلام ، وتصنيفهم
إلى سنّة وشيعة وغير ذلك بالمعنى المذهبي المتأخر بما هم أتباع المدارس الفقهية
التي أطلق عليها إسم المذاهب نسبة لأصحابها من الأئمة والفقهاء.
فالخليفة أبو بكر لم يكن سنّيّاً مالكياً وعمر
بن الخطاب لم يكن شافعياً والإمام علي لم يكن شيعياً جعفرياً، وهكذا سائر الصحابة
رضي الله عنهم،حتى أئمة المذاهب أنفسهم لم يكونوا منتسبين إلى مذاهبهم التي ولدت
أسماؤها بعدهم ، فالإمام مالك والإمام جعفر الصادق والإمام الشافعي والإمام أبو
حنيفة وغيرهم لم يحملوا صفة مذهبية غير صفة المسلمين وأئمة الدين وعلماء الشريعة .
وقد حوّلها التعصب للآراء والسياسة إلى مذاهب متصارعة في بعض مراحل التاريخ بعد أن
كانت مدارس متنافسة على العلم والمعرفة تحت راية الإسلام الذي يجمعها كلها .وبقيت
المشكلة الحقيقية ليست في تعدد الآراء والمناهج وإنما هي في التعصب لتلك الآراء
برفض غيرها وزعم دعاة كل مذهب أن مذهبهم يمتلك الحقيقة الشرعية وحده،مع أن الإسلام
يتسع لتعدد الإجتهادات المنطلقة من الكتاب والسنة وإن اختلف أصحابها العلماء في
فهم النصوص ووسائل إثباتها ودلالاتها، فجميعهم كانوا يبحثون عن سبل الوصول إلى
أحكام الدين الواحد والشريعة الإسلامية التي يؤمن بها الجميع، وهم يعترفون بأن
نتائج الإجتهاد يمكن أن يتطرّق إليها الخطأ لأنها ليست مبنيّة في معظمها على
اليقين، وهذا يعني أن المذاهب عندهم هي مناهج اجتهادية متعددة في فهم الدين
ونصوصه، وليست أدياناً متعددّة في مقابل الدين الواحد.
--------------------------------------------
٩- هل هناك فرق بين التشيع الجعفري وما يسمي
التشيع الصفوي إن جاز التعبير وما مواقفقكم من مصطلحات الروافض والنواصب والتي
يرددها البعض دون معرفته بالآخر ؟
ج٩--
إن الماضي الذي جرى بين الدولتين الصفوية والعثمانية من صراع على السلطة والنفوذ
في العالم العربي كان وراء إثارة نعرات طائفية ومذهبية لم تكن موجودة في العهود
السابقة خصوصاً في عهود معاصرة أئمة أهل البيت لمعظم الحكام والخلفاء في الدولتين
الأموية والعباسية ولا شك أن الصراع وخصوصاً الدموي منه يولد ثقافة فيها الكثير من
مدح الذات والجماعة والكثير من الكراهة والبغضاء للآخر وإظهار معايبه وكتم فضائله
وتغييب المشترك معه وظهور العنصريات كما قال الشاعر :
وعين
الرضا عن كل عيبٍ كليلةٌ ....... كما أنّ عين السخط تبدي المساويا
والمطلوب
في عملية التصحيح أن نبتعد عن استنهاض تلك اللغة العنصرية والمذهبية بالعودة إلى
ينابيع الإسلام الأصلية من الكتاب والسنة وعرض موروثاتنا العقدية والفقهية عليها
عملاً بقوله تعالى: (...فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون
بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا...) والرد إلى الله يكون بالعودة إلى
القرآن الكريم والرد إلى رسوله يكون بالرجوع إلى سنته الجامعة غير المفرقة.
وبعض المصطلحات مثل (ناصبي ورافضي ) التي تدخل
في باب التنابز بالألقاب في أيامنا لزرع الفرقة بين المسلمين دون معرفة أسبابها
وتاريخها،فإنها صدرت تعبيراً عن صراع في مرحلة معينة انتهى منذ زمن بعيد ، فلا
يوجد في المذاهب الإسلامية كلها من ينصب العداء لأهل البيت عليهم السلام. وأولئك
الذين رفضوا الإنضمام إلى الإمام زيد في معركة الكوفة عندما رفض الطعن بالشيخين
بقوله : ما سمعت من آبائي عنهما إلا خيرا!. هؤلاء أيضاً قد انتهوا وانتهت الحادثة
التي كانت سبباً لتسميتهم الشخصية بها فلا تنطبق على ذراريهم الذين لم يكونوا في
تلك الحادثة كما لا ينطبق عنوان الناصبي على ذرية من نصب العداء لأهل البيت
وحاربهم في تلك الفترة لأن العناوين ذات الأحكام والأوصاف لا تنتقل عن موضوعاتها
بدون الفعل الذي قام به صاحب ذلك الوصف والعنوان، ولا يوجد في كل المذاهب
الإسلامية من ينصب العداء لأهل البيت.
10- نعود بسماحتكم لليوم وحالة الإحتقان والتكفير
التي تجاوزت تكفير الشيعة للسنة والعكس للتكفير بين أبناء كل مذهب وبعضهم البعض ،
حضور شبح الخوارج يتهم كل فريق به الآخر ..هناك
أمور شائكة تروج لها الفضائيات وبعض المعممين من الشيعة تؤدي لإحتقان وربما تعاطف
من كثير من أهل السنة مع من يكفر الشيعة ويراهم الخطر الأشد على الدين فنرجوا من
سماحتكم توضيح موفقكم من تلك الأمور ليتبين لأهل السنة أن هناك أصوات أخرى غير تلك
التي تبث الحقد المقدس وتشعل الكراهية .. فهل الشيعة كلهم واحد
وعقائدهم واحدة ؟ وهل مثلي ممن يلتزم المذهب السني ولا يؤمن بالإمامة كافر ؟
ج١٠-
إن منطق السب والتكفير للمسلمين هو منطق مرفوض ولذلك قد نقل الإجماع عن علماء
المسلمين قاطبة أنه لا يجوز تكفير أهل القبلة فكيف يجوز التطاول بالسب والتكفير
على أئمة المسلمين والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين؟!
والطعن في ام المؤمنين
السيدة عائشة رضي الله عنها هو من الإثم العظيم والبهتان المبين، والنصوص الدينية
في الكتاب والسنة قد عظّمت من شأن أزواج النبي وجعلت منهن أمهّات للمؤمنين، وهن
داخلات في أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا كما جاء في القران
الكريم، وعندما كنا ندرس في حوزات النجف الأشرف الدينية لم نسمع من مراجع الدين
الذين يعتدُّ بآرائهم ما يسيء إلى طهر وعفاف أمهات المؤمنين، فالإساءة إليهن
مخالفة للقرآن والسنة النبوية، مضافاً إلى أنها تسيء إلى وحدة الأمة الإسلامية التي
أعتبرها من مقاصد الشريعة التي يجب السعي إليها والمحافظة عليها.
والإمامة
التي اختلف عليها المسلمون ليست من أركان الدين المتفق عليها بينهم، وليست من شروط
الإسلام وضرورياته، وهذا الرأي هو ما استقر عليه المذهب، وهو ما كانت عليه سيرة
أئمة أهل البيت في القول والعمل، فلم يؤثر عنهم سبٌّ وتكفير لمن خالفهم في الإمامة
وغيرها من الفروع غير الضرورية، وقد نهى الإمام علي (ع) قوماً من أهل العراق عن
السّباب عندما كانوا متوجّهين معه إلى حرب معاوية في صفين وسمعهم يشتمون ويسبّون
فقال لهم ( إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين... )، وهو بذلك يعمل بالمنهج التربوي
الذي سنّه رسول الله عليه الصلاة والسلام بقوله (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان
ولا الفاحش ولا البذيء).
وقد
كانت حياة أئمة أهل البيت حافلة بالعلاقات العائلية والمواقف المشتركة مع الصحابة
التي تحكمها مصلحة الإسلام ومبادئ الدين، وقد عبر عنها الإمام علي في كلمات عديدة
ومواقف مختلفة،ومنها ما قاله الإمام علي في نهج البلاغة (...لَقَدْ رَأَيْتُ
أَصْحَابَ مُحَمَّد(صلى الله عليه وآله)، فَمَا أَرَى أَحَداً يُشْبِهُهُمْ
مِنْكُمْ!
لَقَدْ كَانُوا يُصْبِحُونَ شُعْثاً غُبْراً، قَدْ بَاتُوا سُجّداً
وَقِيَاماً، يُرَاوِحُونَ بَيْنَ جِبَاهِهِمْ وَخُدُودِهِمْ، وَيَقِفُونَ عَلَى
مِثْلِ الْجَمْرِ مِنْ ذِكْرِ مَعَادِهِمْ!
كَأَنَّ بَيْنَ أَعْيُنهِمْ رُكَبَ
الْمِعْزَى مِنْ طُولِ سُجُودِهِمْ!
إِذَا ذُكِرَ اللهُ هَمَلَتْ أَعْيُنُهُمْ
حَتَّى تَبُلَّ جُيُوبَهُمْ، وَمَادُوا كَمَا يَمِيدُ الشَّجَرُ يَوْمَ الرِّيحِ
الْعَاصِفِ، خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ، وَرَجَاءً لِلثَّوَابِ!).
وكان
يقول كما جاء في كتاب الغارات لإبراهيم الثقفي ( كلُّ أصحاب محمّد أصحابي)
وفي
نفس المصدر تحدّث الإمام عن أبي بكر وعمر في رسالة بعثها إلى أهل مصر مع قيس بن
سعد يتحدث فيها عمّا جرى بعد وفاة رسول الله صلّى الله وعليه وآله (..ثم إن
المسلمين من بعده استخلفوا به امرأين صالحين عملا بالكتاب وأحسنا السيرة ولم
يتعدَّيا السُّنَّة ثمّ توفّاهما الله عزَّ وجلّ فرحمهما الله).
وقال
عنهما في بعض كتبه إلى معاوية (...وزعمت أن أفاضل أصحابه الخليفة الصديق وخليفة
الخليفة، ولعمري إن مكانهما من الإسلام لعظيم وإن المصاب بهما لشديد...).
11-
من هي الفرقة الناجية ومن هو الشيعي من وجهة نظركم ؟
ج١١-إن أحاديث السنّة النّبوية لا يكون فهمها
صحيحاً بمعزل عن القرآن الكريم، ونحن نفهم حديث الفرقة الناجية من باب التحذير من
الإفتراق والدعوة إلى الإتحاد كما جاء في آيات عديدة ، منها قول الله تعالى (ولتكن
منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) فالفرقة
الناجية هي التي تعمل على نجاة الأمّة بأسرها من الفرقة والفتة، وليست الفرقة
الناجية هي التي تحتكر النجاة لنفسها وأتباعها،فكيف تزكي فرقة نفسها بدون العمل
على إرساء قواعد الأخوّة في أمتها وإخراجها من النزاعات والصراعات التي تعصف بها
والله يقول (فلا تزكّوا أنفسكم هو أعلم بمن اتّقى) و(إن هذه أمّتكم أمّة واحدة وأنا
ربكم فاعبدون).
ليست هناك تعليقات: