الإختيار الصعب
حكاية مصرى ..متوفرة بأكشاك ومقار جريدة الجمهورية
إسم الكتاب ..حكاية مصرى
النوع...رواية
المؤلف ..د.عاطف عبدالعزيز عتمان
المقدمة ..الأديبة والشاعرة أميرة الرويقى
الناشر...دار الجندى للطبع والنشر
الطبعة الأولى ...يونيو 2013
إنتهت إمتحانات الثانوية العامة وأوشكت النتيجة على
الظهور
ومصري وأمه يقتلهما الإنتظار
تم الزرع وآن وقت الحصاد
وقبل النتيجة بيوم واحد
جاءهم تليفون من أحد الأقرباء فى مركز المعلومات
بالكنترول بالقاهرة يطلب رقم الجلوس ....
مرت ساعتان
ومصري وأمه يترقبان التليفون القادم
عقارب الساعة لا تتحرك والدقيقة التي كانت فى الماضي
ستون ثانية
أصبحت كل دقيقة ستون دقيقة
وفجأة ضرب جرس التليفون ورفع مصري السماعة وجاءه
الخبر اليقين
وشكر مصرى الرجل ووضع السماعة وجلس مكانه
والحاجة فاطمة فى هذه اللحظة قد وقع قلبها فى قدمها
وهى تقول قدر الله وما شاء فعل
وفجأة يقفز
مصري من على الكرسي وينطلق إلى أحضان أمه ويقبل الرأس واليدين وينزل على الأرض
ليقبل القدمين ويصرخ
نجحت وبتفوق
قلب الحاجة فاطمة يغادر قدمها ويعود لمكانه مرة أخرى
ويبدأ فى الإحتفال بالحصاد
وتنطلق زغرودة فى بيت لم تنطلق فيه زغاريد منذ سنوات
وتنهمر دموع الحاجة فاطمة ..ويقبل مصرى رأسها ويقول..
لماذا البكاء ...؟
وتبتسم الأم والدموع مازالت تنهمر وتقول إنها دموع
الفرح وتحتضن مصرى وتقبله فى كل مكان فى جسده
وتخر على الأرض ساجدة ولسانها يلهج
بالحمد والشكر لله الذى أجزل العطاء وكلل المجهود بالنجاح ...
نجح مصري بستة وتسعون بالمائة
وفتحت أمامه أبواب الجامعات المصرية
فرح مصري وفرحت أمه وفرح الأهل والأحبة
وكعادته ذهب مصري إلى هناك حتى يشهد التاريخ على هذا
اليوم
ذهب للنيل الخالد حيث شجرة الصفصاف وجلس تحتها
وعادت ذاكرة التاريخ ليتذكر والده المرحوم منصور ويتصور كم كان سيكون
سعيدا بهذا اليوم ؟
فاضت العينان حنينا للفراق الذي طال وطمعا فى أن
يشارك الفرحة مع روح أبيه ...
ثم جرى طيف مصرية بخيالة وبدأ يحلم أن يراها فى مكتب
التنسيق أو أن تجمعهما مدرجات الجامعة ...
رجع مصري للقرية بعد أن وثق التاريخ على صفحات النيل
وبشهادة شجرة الصفصاف
ذهب للمقابر ووقف أمام قبر أبيه فقرأ له الفاتحة ودعا
له وناجاه كأنه يسمعه وبشره بالنجاح ...
وأحس مصري بفرح والده فى فى قبره وبدأت الكلمة
الختامية لوالده ترن فى أذنه لا تبكى
مسح عينيه وإنصرف مستعدا للذهاب بعد الغد لمكتب
التنسيق
عاد مصري من مكتب التنسيق وبدأت المشكلة
مصري يهوى كلية الإعلام ولكنه ليس من أسرة إعلامية
ولا يملك من الوساطة ما تمكنه من العمل فى هذا المجال ..
وفى الإعلام إما أن تكون طبالا أفاقا متسلقا بمعنى أن
تبيع فى سوق النخاسة ويكون لديك إستعدادا أن تصبح قردا فى عصر القرود
وإما على النقيض أن تناضل وتقاوم وتقاتل من أجل
مبادئك وتجعل لسانك سيفا وقلمك خنجرا وهنا فى الغالب سيكون فى المعتقل وفى مقرات
أمن الدولة مكانك
وإما أن تصبح شخص عادى تحصل على البكالوريوس لتعمل به
فى كوفي شوب
وما حال عبدالرحمن خريج الإقتصاد والعلوم السياسية
الذى أسعده الحظ والواسطة وعمل موظفا بمكتب التموين ببعيد
مصري عليه مسؤولية أمه التي تحملت الصعاب وهرمت من
المسؤولية وتنتظر اليوم الذي ترتاح فيه ويكون مصري قادر على فتح بيت ويتزوج ويحقق
لها أمنيتها الأخيرة وهى زيارة الكعبة المشرفة
مصري فى حالة من التوهان ..
كلية الحقوق تأخذ مجموع خمسة وستون بالمائة ولم تعد
هي كلية الحقوق وسوق عملها موصد بالجنازير
حاول بعض الأقارب إقناعه بكلية التجارة على وعد تعينه
بأحد البنوك ..
مصري لا يميل للواسطة ولا يثق بها ولا يطمئن للظروف
والمتغيرات ومع تفوق مصري فى الرياضيات وحصوله على الدرجة النهائية إلا أنه يكره
أن يضع نفسه وسط لغة الأرقام الجافة
لم يتبقى لدى مصري سوى خيار وحيد عمره ما تمناه
البالطو الأبيض بدلا من البالطو الأسود
كلية الطب ...
هو الخيار الإجباري لمصري حتى يضمن فرصة العمل ويضمن
وضع اجتماعيا مميزا ويحاول أن يحقق لأمه أمنياتها حتى ولو حساب أمنياته وطموحاته
التي قضى عليها نظام إستبدادى سيطرت عليه المحسوبية ونخرت الرشاوى والفساد
والشللية فى أركانه
وإن كانت كلية الإعلام أصبحت عصية على مصري ولكن قبة
جامعة القاهرة التي راودته كثيرا مازالت بالإمكان ومازال بالإمكان البقاء هناك فى
القصر العيني على ضفاف النيل الخالد ......
مليء مصري بطاقة الترشيح وكان دائما يرى أمامه القبة
التي تعانق السماء فى شموخها...
قبة جامعة القاهرة التاريخية
مرت عيني مصري على طابع كلية الإعلام حنت نفسه إليه
وبرقت عينيه وراودته الأحلام وشعر بأنين فى صدره وإرتباك فى تفكيره ورعشة فى يده
التي تلصق الطوابع ولكن عقله سرعان ما
تولى دفة القيادة وقاد زمام المبادرة ورتب كليات الطب بداية من القصر العيني ثم أكمل الرغبات وإستكمل الأوراق وتوجه فى
اليوم التالى لمكتب التنسيق بعد أن وضع حلمه الذى لم يختاره فى مظروف أبيض وإنتظر
البالطو الأبيض
ينبض قلب مصري بتدفق ماء النيل فهو الدماء التي تسير فى عروقه..وينتظر مصرية
عسى أن يراها تحت القبة السماوية هناك فى الجامعة ..
مرت ليالي وأيام
وبعد أسبوعين تقريبا وصلت بطاقة ترشيح الكلية لمصري عن طريق البريد
وجاء ساعي البريد بزيه المميز
ذي الزرائر النحاسية وهو يمنى النفس بحلاوة وصول البطاقة الذهبية بطاقة الترشيح
لكلية الطب هناك فى قصر العيني ..
وقد كان له ما تمنى ...
الأحبة والأصدقاء والأهل وعلى رأسهم الحاجة فاطمة فى
قمة السعادة والفرح
ومصري هو السعيد الحزين ..المقبل على الغد المنظور
القلق من تقلبات الأيام ..
.ومازال أمل اللقاء يراوده ..ومع مرور السنين وطول
البعاد ما زال طيف مصرية يراود خياله ..هل إقترب موعد اللقاء ....!!
ليست هناك تعليقات: