27/1/2014 الرسالة الأخيرة
ربما الأنفاس الأخيرة وربما هي نهاية نبضات قلبي الذي يقاوم الموت بقوة حتى خارت قواه فلم يعد يقوى على المقاومة
ربما تكون رسالة اعتذار أو رسالة رثاء ولكن المؤكد أنها الأخيرة ، لأنها رسالة قلب يحتضر أصر أن يكتب حرفها الأخير بأخر نبضة يملكها.
أكتب يا حبيبتي إليك وقد ملأت دموعي محبرة قلمي فلما جف دمعي أكملت المداد بدمي حتى يكتب آخر حروفي.
أكتب أولا- اعتذارا عن كل ما كان فقد أخطأت بوصلة المكان وضللت عنوان الزمان وللمرة الأولى قاد قلبي عقلي دون وعي فهويت في الأعماق.
أعترف بكل خطاياي وأقف ببابك طالبا الغفران ، خطيئتي الأولى أنى أحببتك كل الحب الذي كان وما هو كائن وما سيكون ، حب تخطى الأكوان ، لم تحده الأعمار ولم تحجزه المسافات ولا البحار. أحببتك حب فاق الحدود وتجاوز قواعد المنطق وزاد في خياله عن قصص السابقين وعن جنون العاشقين.
أحببتك حتى صار عقلي عبدا لقلبي للمرة الأولى فكدت أهذي وكنت بالفعل أهذي ، وفقدت وقاري بعد اتزاني وتوقفت بي عجلة الزمان منذ حبك حتى وعد بلقاء لا ولن يأتي ، فكنت الميت الحي.
أحببتك حب طغى وبغى ووضعني في خانة المجاذيب والدراويش بعد أن كان يشار إلي بالبنان ، ويقصدني طالب المشورة ومحتاج النصيحة ، فأصبحت درويشا أحمل المسبحة والبخور وأمر في طرقات نفسي وشوارعها ، وأهذي باسمك وأحدث نفسي بصوت عال حتى ظنني الناس مجذوب وصار خلفي الصبية يهتفون يا مجذوب يا مجنون.
خطيئتي الثانية:
أنى انتظرت منك حبا يكافئ ولو اليسير من حبي ، أني تصورت حبك سرمدي مثل حبي تصورته قد تجاوز الآفاق وكسر كل القواعد وتخطى حدود العقل والمنطق ، فلما لم يكن ذلك صدمت وأفقدتني الصدمات نفسي شيئا فشيئا حتى ضاعت منى نفسي ، وأجهدني التعب بحثا عنها ولم أهتدي إليها.
أحببتك حتى اندمجت فيك فصرتي أنا ، و أصبحت أتنفسك ، أذوب في ثنايا جلدك ، أغوص في أعماق نفسك، اندمجت وتوحدت حتى ظننت أننا روح واحدة في جسد واحد تحملين نصفه وأحمل النصف الآخر.
خطيئتي يا مولاتي أن قلبي قاد عقلي فهويت وربما هذيت وربما سكرت من شدة حبك فتمايلت وقلت وصرخت بما لا يصح ولا يجب أن يقال ، حلمت مولاتي أن أغادر الدنيا بما فيها إليك أستوطنك وأرفع علمك وأغرسه في قلبي فيرفرف عاليا ما دام قلبي نابضا ، نسيت أو تناسيت نفسي وعملي وطموحي وكنت أنتظر جزيرة على ضفاف القمر لا يوجد بها سوانا ، أضحى بكل شيء من أجلك مقابل أن أستوطنك وطنا أبديا ، نتخلص من الضغوط والتوترات والصراعات والأحقاد والنميمة .
نسيت وتناسيت من أنا حتى صار كل تفكيري كيف أكون أنت، كيف أصل إليك كيف أختطفك إلى عالمي بعيدا عن عالمك المزدحم بالنفاق والمكر والخداع ، كيف نبنى عالما جديدا نستعيد فيه ما مضى ونعيش ما هو آت ، كيف أنسج من خيوط الشمس مع خيوط الحرير حلة لك تزينيها بقوامك الممشوق ، كيف أصل السماء حتى أغزل عقدا من النجوم أضعه على جيدك .
عفوا حبيبتي قد أخطأت فسامحيني ، عشت زمان غير الزمان وحلمت بمكان غير المكان ، وكانت ردود فعلي على تجاهلك أحلامي وتقزيم آمالي قاسية ، نعم كانت قاسية لأنى كنت أتوهم غير ما يأتيني منك فأصدم وأهذي وأهذي ، عندما رفعتني إلى جوارك دون سابق عهد ولا اتفاق وقلتي هذا حقك وكنت أراه حبا قبل حقا فردت جناحي وطرت في السماء لأنى شعرت بجناحي طائر واحد يعزفان لحن الخلود ، لا يطير الطائر بغير أحدهما ولا تستقيم له حياة لو فقد أي منهما ، فلما رميتني تحت الأقدام لم أعي الرسالة وكررت الأخطاء وغاب عقلي عن المشهد وساد قلبي وسيطر على مجرى الأمور.
لو كان لي حقا وقد سلبتني إياه فكان علي الانسحاب احتراما لنفسي لكني كنت أراك نفسي ، ولو كان حبا وقد تغير فكان على الرحيل لكنه قلبي الذي كان يسيطر ويقودني ، فلم أعي الرسالة وربما وعيتها لكني عدمت الرغبة في تصديقها.
لما قلتي أنا وعملي وكياني وأنا وأنا وأنا ، لم أعي أن المفاهيم مختلفة وأن الفارق بين حب وحب كبير وأن الاندماج الذي أحياه لا يعدو كونه حلم أو حب من جانب واحد بمفهوم واحد ثبت لي أنه مفهوم عقيم تجاوزه الزمان ولفظته الأيام.
لما حاولت محاولة بائسة أن أوهم نفسي أنني عندك فوق كل شيء وأضع نفسي في كفة ومن حل محلي في كفة ، بكل قوة وبلا تردد منك رجحت كفته.
رسالة واضحة لكنها القلوب العاشقة ترى ما تريد أن تراه فقط .
وتكررت الخطايا مولاتي وانتفضت لحب مليء كياني لما خاض فيك اللئيم ، وطلبت ردا لإعتبارك الذي ظننته اعتباري فخسرت كعادتي وكانت النتيجة مريرة واا مر قلباه واااااا مرارة حلقاه. .
مولاتي يا من عرفت على يدي حبها معنى الحب ، يا من ملكت روحي وجوارحي وكل كياني يا من كنت على استعداد لأغير مجرى حياتي من أجلك أنت ، يا حبا كان وكائن وسيكون حتى النفس الأخير آن الأوان ليعود قلبي تحت إمرة عقلي حتى أكف عن الهذيان ، لا ألومك على شيء ولا أرتدى ثوب الضحية وأصبغك بثوب الذئب كلا ، بل أعترف بكل أخطائي فقد رسمت حلما ورفعت قواعده وزينته بكل ألوان الزينة وزرعت حديقته واخترت بلابله وعصافيره ورويت زهوره بيدي ، وفجأة اكتشفت أنني بنيت على الماء.
كنت أنت العاقلة والواقعية وصاحبة التصورات المنطقية آن الأوان للعقل أن يعود ليقود الدفة بعد أن ضللت المسير ، أعتذر إليك بكل اللغات عن كل الهذيان فقلبي كان يهوى بي ، فعصرك غير عصري وزمانك غير زماني الذي رماني وتصورك غير تصوري وحبك غير حبى ، فلن يلتقيان وأثبتت التجارب أنهما لم ولن ينصهران ، فأحدهما قاده العقل والآخر هوى به القلب ، عفوا مولاتي حان وقت الرحيل.
لا أدعى تخلصا من حبك ، فقد سكنت واندمجت في وصرتي أنا لكن هذا لم يعد له مكان إلا في غرفتي ،غرفتي وفقط.
عاد عقلي يقودني وقلبي الآن يلفظ أنفاسه الأخيرة ومع نبضته الأخيرة ينبض بحبك ليكتب الرسالة الأخيرة بل الكلمة الأخيرة ، أحبك.
ليست هناك تعليقات: