مساحة إعلانية

د. عاطف عبدالعزيز عتمان يكتب ..أما آن للقلوب أن تهاجر ؟ من أريام أفكاري

عاطف عبدالعزيز عتمان سبتمبر 30, 2016

ألم يحن وقت الهجرة بعد؟
أخشى أن تهجرني روحي قبل أن أهاجر!
تمر سنة وراء سنة والسنوات العجاف تجاوزت السبع والسبعين والسباع، وتأتي ذكرى الهجرة ونفس الكلمات المحفوظة والإنشغال بخيوط العنكبوت على الغار والحمامة وهل هو حديث ضعيف أم صحيح وعناية الله لنبي أخذ بالأسباب وكان قدوة بشرية أكبر من تلك القصة أو غيرها، ويبدأ البحث عن سد الفراغ وللأسف عبر تفريغ الهجرة من معناها والإنشغال بظاهر القصص والغياب عن التفريق بين الهجرة المكانية التي انتهت بالفتح والهجرة المعنوية الواجبة على الدوام هجرا لما نهى الله عنه ، وهجرة للقلوب إلى الله وهجرة السكون للحركة والسلبية للفاعلية وهجرة العقول من ذل الإستعباد لعز الحرية والتفكر وهجرة الأمة من من الجهالة للعلم وهجرة الدين إلى الدين.

فتحت مكة التي فرت منها الرسالة لأنها لم تجد فكرا لتناجزه بل سلطة غاشمة قاهرة ظالمة لا يمكن مجابهتها إلا بسلطة، وسقطت الهجرة بمفهوم الهجرة التقليدي من المكان ولكنها تأصلت كمفهوم أوسع، ويبقى السؤال لماذا كانت الهجرة الأولى والثانية؟
ومتى بدأت رحلة الهجرة النبوية من منظور يتمايز عن المنظور التاريخي الجامد؟
في الأربعين الإجابة ومنها بدأت رحلة الهجرة التي لن تنتهي إلا بنهاية الرحلة لكل فرد وللوجود بوجه عام، وهذه الهجرة لا تسقط عن مكلف.
كان النبي الخاتم قبل الأربعين كما بعدها من الخلق والأمانة والصدق والتعبد وقبلت منه قريش كل ذلك وكان وصفه الصادق الأمين قبل الأربعين، وبعد الأربعين ظهر العداء وبدأت التهم بالكهانة والكذب والسحر والشعر، وبدأت المساومات والتهديدات والحصار وإنتهت بمحاولة القتل التي فشلت بعناية الله ثم بحسن الترتيب والتخطيط النبوي وشجاعة الفتى بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه ورفقة الصديق الصدوق صاحب الرحلة من بدايتها حتى نهايتها.
السر هو في الأربعين والهجرة بدأت في الأربعين بنزول الوحي وتحول الإنسان الصادق الأمين العابد الطاهر الجميل الذي خلقه هو الجمال من إنسان لنبي ورسول، وتحوله من السكون للحركة أي الهجرة بمفهومها الأوسع، فليست القضية أخلاق كنبتة خضراء في صحراء شاسعة، ولا تعبد في الغار، بل الرسالة زراعة صحراء النفوس وتحقيق خلافة الإنسان التي خلق من أجلها، ومن هنا بدأ الصراع، فنور محمد تحول بالوحي لشمس تهدد كل الجحور المظلمة، وتطهر كل عفن وتنير كل ظلام، وتبث الدفء في المشاعر المتبلدة، وبدأ العدل يهدد كل ظالم والطهر يزعج كل نجس والحرية تؤرق مضاجع مدمني الرق، وليس بالعجيب أن معظم أهل السبق والفضل كانوا من المساكين والضعفاء والمسلوبة حريتهم والمظلومين ولكن ما يستحق التوقف كيف منح الإسلام هؤلاء تلك القوة التي جعلت من ياسر وسمية جبل أشم عجز عن بلوغه الطغاة؟

﴿ قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل ﴾
(سورة المائدة الآية: 68).

هنا القضية الأساسية التي تحدد وضع الحركة وليس السكون ليحمل الإنسان المؤمن الرسالة ويتحرك بها ويقيمها وهنا صراع الدين ضد الدين الذي ما زال يؤزم الوضع المأزوم، فمن دين مخنث إن جاز التعبير ساكن خاضع سلبي عاجز لا يستعدي أي عداء لدين متحرك مؤثر متفاعل إصلاحي حركي يحمل الرسالة ويضيء المصابيح في توازن ما بين نباهة الفرد الذاتية ونباهته الإجتماعية مما يخلق عداوة مع كل المتضررين من تمكن هذا الدين من فرض العدل وتحقيق العدالة وبسط مفاهيمه ومبادئه.
القضية في غياب العقل عن تدبر حالة الإنحطاط عندما ينزل الإنسان لمرتبة الحمار أو الكلب وليس الكلب والحمار بسبة بل تدني سلوك خليفة الله في الأرض لسلوك من هم دونه هو المسبة 

(مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين (5)) 
الجمعة 
ولو شئنا لرفعناه بها ولٰكنّه أخلد إلى الأرض واتّبع هواه ۚ فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ۚ ذّٰلك مثل القوم الّذين كذّبوا بآياتنا ۚ فاقصص القصص لعلّهم يتفكّرون (176)
الأعراف .
الهجرة ها هنا، الهجرة عندما يرفض الإنسان الإنحطاط بسلوكه لرتبة أقل منه كحمار أو كلب، ويرفض إلا أن يعيش كإنسان مكرم بالعقل والحرية ويحمل مشعل النور لإضاءة جنبات الكون،
الهجرة هي هجرة الفرق والأحزاب والجماعات المتصارعة للإلتحاق بالنور الذي بدأ من حراء إعتصاما بحبل الله ووحدة للأمة وحقنا لدم الإنسان ونشرا للسلام ما بين الأرض والسماء.
الهجرة هجرة الظلم والظلام وحظ النفس من الشهوات وتزكيتها وتضيق الزاوية ما بين المثال المأمول والواقع الملموس 
الهجرة هجرة القلوب من الظلام للنور
من حراء بدأ النور الذي أذن بتحويل السكون الذي نضج للحركة البناءة وبدأت أكبر وأدوم هجرة بإقرأ.

ما الذي يربط غار حراء والذي يمثل الخروج والهجرة من مكة إلى المدينة بالديانات الابراهيمية السابقة للاسلام من يهودية ومسيحية؟
يخلص بعض الباحثين لرابط بين حراء ووراثة النبي الخاتم للديانات الإبراهمية 
بأن الدين الاسلامي الحنيف ونبي الإسلام محمد هما من الورثة الشرعيين لديانة النبي إبراهيم الخليل والذي يمثل الحنيفية 
فعند وفاة سارة زوجة النبي إبراهيم اشترى لها إبراهيم مغارة المكفيلة في قرية اربع التي هي حبرون في أرض كنعان من الحيثيين. 
سفر التكوين من التوراة، الاصحاح 25 

وعندما توفي النبي إبراهيم دفن إلى جانب زوجته سارة في مغارة المكفيلة. 
رمزية غار حراء تظهر ان النبي محمد هو وريث روحي وشرعي لابراهيم ابي الانبياء. 
و(غار حراء) هو وريث (مغارة المكفيلة).
كما أن غار حراء يرمز إلى جوف الحوت الذي إبتلع النبي يونان (يونس). 
فكما حفظ الحوت يونان من الموت، كذلك حفظ غار حراء محمد من الموت. 
بالإضافة أن رمزية غار حراء تشير إلى المغارة التي ولد فيها السيد المسيح عيسى ابن مريم. 
فغار حراء يمثل ولادة الإسلام الحنيف المحمدي ولادة جديدة، ظافرة. 

قال الله لابراهيم في سفر التكوين من التوراة 15 – 5: 
(ثم اخرجه إلى خارج وقال (انظر إلى السماء وعد النجوم ان استطعت ان تعدها) وقال له (هكذا يكون نسلك). 

هكذا تكتمل رمزية غار حراء باعتبار النبي محمد أحد الورثة الشرعيين، أو هو الوريث العربي لديانة إبراهيم الخليل كما يذهب بعض الباحثين .
جاء في الحديثالذي صححه الألباني 

{لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها}
فهيا بنا نهاجر، هيا بنا نتوب، والهجرة من ملّة إبراهيم الخليل - عليه الصّلاة والسّلام -: ﴿ إنّي ذاهب إلى ربّي سيهدين ﴾ [الصافات: 99]
مشاركة
مواضيع مقترحة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ واحة الأريام