الإختيار الصعب
إنتهت إمتحانات الثانوية العامة وأوشكت النتيجة على
الظهور
ومصري وأمه يقتلهما الإنتظار
تم الزرع وآن وقت الحصاد
وقبل النتيجة بيوم واحد
جاءهم تليفون من أحد الأقرباء فى مركز المعلومات
بالكنترول بالقاهرة يطلب رقم الجلوس ....
مرت ساعتان
ومصري وأمه يترقبان التليفون القادم
عقارب الساعة لا تتحرك والدقيقة التي كانت فى الماضي
ستون ثانية
أصبحت كل دقيقة ستون دقيقة
وفجأة ضرب جرس التليفون ورفع مصري السماعة وجاءه
الخبر اليقين
وشكر مصرى الرجل ووضع السماعة وجلس مكانه
والحاجة فاطمة فى هذه اللحظة قد وقع قلبها فى قدمها
وهى تقول قدر الله وما شاء فعل
وفجأة يقفز
مصري من على الكرسي وينطلق إلى أحضان أمه ويقبل الرأس واليدين وينزل على الأرض
ليقبل القدمين ويصرخ
نجحت وبتفوق
قلب الحاجة فاطمة يغادر قدمها ويعود لمكانه مرة أخرى
ويبدأ فى الإحتفال بالحصاد
وتنطلق زغرودة فى بيت لم تنطلق فيه زغاريد منذ سنوات
وتنهمر دموع الحاجة فاطمة ..ويقبل مصرى رأسها ويقول..
لماذا البكاء ...؟
وتبتسم الأم والدموع مازالت تنهمر وتقول إنها دموع
الفرح وتحتضن مصرى وتقبله فى كل مكان فى جسده
وتخر على الأرض ساجدة ولسانها يلهج
بالحمد والشكر لله الذى أجزل العطاء وكلل المجهود بالنجاح ...
نجح مصري بستة وتسعون بالمائة
وفتحت أمامه أبواب الجامعات المصرية
فرح مصري وفرحت أمه وفرح الأهل والأحبة
وكعادته ذهب مصري إلى هناك حتى يشهد التاريخ على هذا
اليوم
ذهب للنيل الخالد حيث شجرة الصفصاف وجلس تحتها
وعادت ذاكرة التاريخ ليتذكر والده المرحوم منصور ويتصور كم كان سيكون
سعيدا بهذا اليوم ؟
فاضت العينان حنينا للفراق الذي طال وطمعا فى أن
يشارك الفرحة مع روح أبيه ...
ثم جرى طيف مصرية بخيالة وبدأ يحلم أن يراها فى مكتب
التنسيق أو أن تجمعهما مدرجات الجامعة ...
رجع مصري للقرية بعد أن وثق التاريخ على صفحات النيل
وبشهادة شجرة الصفصاف
ذهب للمقابر ووقف أمام قبر أبيه فقرأ له الفاتحة ودعا
له وناجاه كأنه يسمعه وبشره بالنجاح ...
وأحس مصري بفرح والده فى فى قبره وبدأت الكلمة
الختامية لوالده ترن فى أذنه لا تبكى
مسح عينيه وإنصرف مستعدا للذهاب بعد الغد لمكتب
التنسيق
عاد مصري من مكتب التنسيق وبدأت المشكلة
مصري يهوى كلية الإعلام ولكنه ليس من أسرة إعلامية
ولا يملك من الوساطة ما تمكنه من العمل فى هذا المجال ..
وفى الإعلام إما أن تكون طبالا أفاقا متسلقا بمعنى أن
تبيع فى سوق النخاسة ويكون لديك إستعدادا أن تصبح قردا فى عصر القرود
وإما على النقيض أن تناضل وتقاوم وتقاتل من أجل مبادئك
وتجعل لسانك سيفا وقلمك خنجرا وهنا فى الغالب سيكون فى المعتقل وفى مقرات أمن
الدولة مكانك
وإما أن تصبح شخص عادى تحصل على البكالوريوس لتعمل به
فى كوفي شوب
وما حال عبدالرحمن خريج الإقتصاد والعلوم السياسية
الذى أسعده الحظ والواسطة وعمل موظفا بمكتب التموين ببعيد
مصري عليه مسؤولية أمه التي تحملت الصعاب وهرمت من
المسؤولية وتنتظر اليوم الذي ترتاح فيه ويكون مصري قادر على فتح بيت ويتزوج ويحقق
لها أمنيتها الأخيرة وهى زيارة الكعبة المشرفة
مصري فى حالة من التوهان ..
كلية الحقوق تأخذ مجموع خمسة وستون بالمائة ولم تعد
هي كلية الحقوق وسوق عملها موصد بالجنازير
حاول بعض الأقارب إقناعه بكلية التجارة على وعد تعينه
بأحد البنوك ..
مصري لا يميل للواسطة ولا يثق بها ولا يطمئن للظروف
والمتغيرات ومع تفوق مصري فى الرياضيات وحصوله على الدرجة النهائية إلا أنه يكره
أن يضع نفسه وسط لغة الأرقام الجافة
لم يتبقى لدى مصري سوى خيار وحيد عمره ما تمناه
البالطو الأبيض بدلا من البالطو الأسود
كلية الطب ...
هو الخيار الإجباري لمصري حتى يضمن فرصة العمل ويضمن
وضع اجتماعيا مميزا ويحاول أن يحقق لأمه أمنياتها حتى ولو حساب أمنياته وطموحاته
التي قضى عليها نظام إستبدادى سيطرت عليه المحسوبية ونخرت الرشاوى والفساد
والشللية فى أركانه
وإن كانت كلية الإعلام أصبحت عصية على مصري ولكن قبة
جامعة القاهرة التي راودته كثيرا مازالت بالإمكان ومازال بالإمكان البقاء هناك فى
القصر العيني على ضفاف النيل الخالد ......
مليء مصري بطاقة الترشيح وكان دائما يرى أمامه القبة
التي تعانق السماء فى شموخها...
قبة جامعة القاهرة التاريخية
مرت عيني مصري على طابع كلية الإعلام حنت نفسه إليه
وبرقت عينيه وراودته الأحلام وشعر بأنين فى صدره وإرتباك فى تفكيره ورعشة فى يده
التي تلصق الطوابع ولكن عقله سرعان ما
تولى دفة القيادة وقاد زمام المبادرة ورتب كليات الطب بداية من القصر العيني ثم أكمل الرغبات وإستكمل الأوراق وتوجه فى
اليوم التالى لمكتب التنسيق بعد أن وضع حلمه الذى لم يختاره فى مظروف أبيض وإنتظر
البالطو الأبيض
ينبض قلب مصري بتدفق ماء النيل فهو الدماء التي تسير فى عروقه..وينتظر مصرية
عسى أن يراها تحت القبة السماوية هناك فى الجامعة ..
مرت ليالي وأيام
وبعد أسبوعين تقريبا وصلت بطاقة ترشيح الكلية لمصري عن طريق البريد
وجاء ساعي البريد بزيه المميز
ذي الزرائر النحاسية وهو يمنى النفس بحلاوة وصول البطاقة الذهبية بطاقة الترشيح
لكلية الطب هناك فى قصر العيني ..
وقد كان له ما تمنى ...
الأحبة والأصدقاء والأهل وعلى رأسهم الحاجة فاطمة فى
قمة السعادة والفرح
ومصري هو السعيد الحزين ..المقبل على الغد المنظور
القلق من تقلبات الأيام ..
.ومازال أمل اللقاء يراوده ..ومع مرور السنين وطول
البعاد ما زال طيف مصرية يراود خياله ..هل إقترب موعد اللقاء ....!!
الباب الثالث
الفصل الأول ...
فى
القطار
وشاءت الأقدار
أن تتخلى السمكة عن الماء ليالي
وأيام
ولم يعد هناك من دواء لداء البعاد سوى الصبر تتجرعه
كاسات وكاسات
وكان العزاء ومصدر السلوى
ومهون البلوى
ذلك الجهاز العجيب الذي طوي المسافات وتجاوز الأزمان وإن كان غالى
التكلفة لإرتفاع أسعار المكالمات
فلابد أن تحمل
إلى جواره فى جيبك ذلك الكارت الرخيص التكلفة كارت الإتصالات من الكبائن المنتشرة
فى الشوارع
ويبقى الجهاز الذي بدأ
ينتشر رويدا رويدا ..
حتى صار كالبطاقة الشخصية .
جهاز الهاتف النقال هو السلوى للحاجة فاطمة وحلقة
الوصل مع مصري فى الغربة التي لا تدرى كيف ستتحملها ولكنها الضريبة الإجبارية
لتحقيق حلمها ...
حان اليوم الموعود
وبدأ مصري يحضر أمتعته قاصدا المدينة الجامعية التابعة لجامعة القاهرة
والكائنة بمحافظة الجيزة ...
حمل مصري حقيبته وقبل يدي أمه وإحتضنها وقبّل رأسها
وقبل أن يطلب الدعاء منها إنهالت عليه الأدعية من قلب صادق ونفس تمتلئ بالحب الفطري ...
الحاجة فاطمة ..
ربنا يحفظك يا بني
خلى بالك من نفسك وركز في مذاكرتك وطمنى كل يوم على أحوالك ..إتغطى
كويس لازم تفطر قبل ما تنزل الكلية ....
مصري ..
حاضر يا أمي لا تقلقي ..خلى بالك أنتي من صحتك
ذرفت العين العبرات وتمالك مصري وأمه نفسيهما ..
فالمشوار طويل وتلك هي الخطوة الأولى ...
وما أن خرج مصري من البيت وعين الأم جادت بالدموع
الغزيرة
ولسانها يلهج بالدعوات الصادقة ...
الحاجة فاطمة...
تحلم بذلك
اليوم الذي تجنى فيها ثمار ما زرعت ..وترسم فى خيالها صورة الدكتور مصري وتشتكى له ألام مفاصلها وتنتظر الشفاء على يديه من الأسقام ..
وتحلم بالراحة من عناء الأيام ..
على صديق مصري دخل كلية العلوم جامعة الإسكندرية ومحمود دخل كلية الطب البيطري بجماعة
الإسكندرية .
التقى الأصدقاء على رصيف محطة القطار ...
ولكن الإتجاهات لم تكن واحدة ..
فمصري على الرصيف الشرقي ينتظر القطار المتجه لقلب العروبة قاهرة المعز
...
ومحمود وعلى على الرصيف الغربي ينتظران القطار المتجه
لعروس البحر الأبيض المتوسط .
على ..
ينادى على مصري خلينا على إتصال وأشوفك فى الأجازات
...
مصري ...
إن شاء الله
يا بختك أنت ومحمود مع بعض ..
محمود ..
.يشير بأصابعه الخمسة من شر حاسد إذا حسد ..
حضر القطاران فى ميعاد واحد تقريبا وفى إتجاهين
متعاكسين وحجب جسم القطاران الرؤية بين الأصدقاء ..
وحان وقت بداية الرحلة والتي بدأت بإتجاهات مختلفة ..
يسلك كل من الأصدقاء الثلاثة إتجاه ما ...
ربما يكون إختياره وربما يكون القدر هو صاحب القرار في
إختيار رفيق الرحلة والمسار..
ركب مصري القطار في الدرجة الثالثة ...
وهو ينتظر الوصول للقاهرة
ويفتح جناحية ويستعد
للتحليق فى سمائها باحثا عن الحقيقة ..
باحثا عن مصرية ..
ولم يكن يتصور أن القطار سيكون جزء مهم من تلك
الحقيقة التي أنهكته بحثا وتحليقا .
فى الدرجة الثالثة .
ذات الكراسي الخشبية المضلعة والشبابيك التي تعانى
معاناة الوطن ...
إما أنها لا تعمل أو بدون زجاج أو مكسورة .
وغرفة حديدية صغيرة بين عربات القطار يطلق عليها
الحمامات والتي تكنى أحيانا ببيوت الراحة ولا يدل أي من معالمها أنها حمامات أو
مصدر راحة سوى تلك الرائحة الكريهة
المنبعثة منها
وبقايا المناديل الورقية التي تسهم فى رائحة المكان
...
ويوجد فى أعلى عربة القطار على الجانبين رف طويل من
الخشب المحمول على زوايا حديدية قوية .
.وهو مخصص لحمل الأمتعة ..
ونظرا للزحام الشديد فلا توجد مقاعد خالية فضلا عن
عدم وجود مكان للوقوف الآمن والمستريح بعيدا عن الباعة الجائلين
وسطوة المتسولين وصعود ونزول الركاب من محطة إلى أخرى
...
المسافة طويلة حيث يستغرق القطار ما يزيد عن الثلاث
ساعات حتى يصل باب الحديد فى قلب ميدان رمسيس الذي يتوسط قلب القاهرة ...
نظر مصري الرفوف الخشبية فوجدها مرصعة ليس بالأمتعة
بل مرصوصة بركاب جالسين عليها بجوار سقف القطار الذي
يشبه القبة و وتتوسطه أماكن لمبات الإضاءة التي تشهد أنه فى يوم من الأيام كانت
هناك إضاءة
وتتدلى أقدامهم إلى الأسفل
فوق رؤوس الجالسين على الكراسي ومن هنا كانوا يخلعون أحذيتهم ويكتفي الجالسون على الكراسي برائحة الجوارب
...!
نظر مصري لهذه الأرفف وبدأ يبحث عن مكان عليها حتى
يصعد ويجلس ويخوض تلك التجربة للمرة الأولى ..
فمع عدم مناسبة المكان لجلوس البني أدمين وعناء
إنحناء الظهر طوال الطريق
وتأذى الجالسين فى الأسفل من سكان الأدوار العليا.
ولكن مصري عاشق للسماء يحب التحليق ويريد أن ينظر من
أعلى فيرى الصورة كاملة وواضحة ..يريد أن لا يكون جزء من الصورة حتى يراها بوضوح
وموضوعية ويمتلك زوايا رؤية عديدة ومتنوعة ..
ونظر إليه أحد الجالسين على الرف الأمامي وأفسح له
المجال فأعطاه مصري حقيبته ..
ثم إستأذن ووقف على حافة الكرسي ومد الرجل يده لمصري
وساعده على القفز ليعتلى الرف ويجلس بجواره ...
خلع مصري حذائه ووضعه بجانب الحقيبة وحظي بوافر الحظ
أن وجد مكان يقرفص فيه حتى الوصول .....
وظلت عيني مصري تتجولان يمينا ويسار تبحث عنها ...
ألم يحن بعد موعد اللقاء ؟
...أين أنت أيتها الحورية ؟
...أين أنت يا مصرية؟
أتاح المكان المرتفع لمصري فرصة ذهبية يرى الركاب من
فوق ويعيش مع كل ركاب العربة يسمع ويشاهد ويرى ويشهد للتاريخ
فكانت عربة القطار بمثابة وطن صغير وطن بأناسه
الحقيقيين الناس الترسو والحرافيش ...
الدرجلة الثالثة ...
فى القطار حياة متكاملة ..
فيه اللص الذى يتحين الفرصة ليسرق ضحية سرقها الزمن
ونصبت عليها الأيام أو يسرق بيضة أو قطعة جبن فلاحي من تلك الفلاحة صاحبة الجلابية
السوداء والأيادي الخشنة والضحكة الفطرية التي تعاند بها الهموم وتحارب بها فى وجه
الظلم وتنير أسنانها المضيئة الظلمات والتي
تحمل سبت به الجبن والبيض وتسعى للمدينة متمنية العودة بما يسد رمق ذويها ...
وسبحان الله ..مع همومها وغمومها وشقائها من أجل لقمة
العيش
ومع التعب البدني ..من حمل للسبت وما فيه وزحام
القطار وطول المشوار وضآلة المقابل وظهور
خشونة المعيشة على يديها .
إلا أن الرضا والبسمة لا تغادر شفتيها ..
وتتبادل أطراف الحديث والنكت مع جيران القطار كأنها
فراشة تطير وتداعب الزهور فى رقة ورشاقة .!!!
ودخل بائع القازوزة ..
حاجة ساقعة بيبس بيبس....
بملابسه المبتلة وجردل الساقع على كتفه يمسكه بيد ويمسك
الفتّاحة ويخلى الطريق باليد الأخرى
ولا يستطيع غيره دخول
القطار فإنها مملكة معلمه الإمبراطور
-إمبراطور
الحاجة الساقعة وأحد حكام مملكة القطار وجابي الإتاوات ومقسم الأرزاق –
الذي يوزع عليه وعلى زملائه الغنائم ..
والحاجة الساقعة فى ظل عدم وجود الماء وفى ظل تقاطر
حبات العرق قد تكون الملاذ لمن لا يحمل زجاجة ماء من الفقراء ليروى عطشه فى حر القطار ومع سخونة
أنفاس الركاب ..
بائعة الجبن.....
تنادى على بائع القازوزة ..إفتح واحدة برتقال ..
بائع القازوزة حاضر يا ست ويسمع مصرى
فرقعة فتح الزجاجة ..
بائعة الجبن ..
تعزم بالزجاجة على من بجوارها إتفضلوا ..ويرد الجميع بألف هنا ..
وبمجرد إنتهاء بائع القازوزة من تلك الجولة والإنتقال
لعربة أخرى يعقبه بائع الشاي ...
حاجة سخنه شاي شاي ...
ومن بعده بائع الحلوى والحمصية وكأنه نظام مرسوم كل يسير فى فلك محدود ....
ويجلس مصري يتابع من أعلى وفجاءة تدخل سيدة تمسك خشبة.. عمرها فى الأربعين وتلبس
جلابية سوداء يسيل بعض اللعاب من بين شفتيها ..
من هذه السيدة ؟
..ولماذا تمسك بهذه الخشبة ؟؟
أنه نوع جديد من التسول بالإكراه ..
نعم بالإكراه ..
هذه السيدة تطلب المال من ركاب القطار وتحاول تقبيل
كل راكب حتى يعطيها ...
ونظرا لمنظرها وللعابها الذي يسيل فهي محل اشمئزاز من
الجميع
ويضطر البعض لإعطائها النقود من بعيد حتى يتجنب تلك
القبلة اللعينة ..
ومن لا يستجيب لابتزاز القبلة تضربه بالخشبة التي
تحملها فى يديها ...
تسول بالإبتزاز أحيانا وبالإكراه أحيانا أخرى
ويا لسخرية القدر ..
أموال تنفق من أجل قبلة وأموال تنفق من أجل تحاشيها
...
المتسولة ...
حاجة لله وتذهب لبائعة الجبن وتقول لها حاجة لله ..
بائعة الجبن ..
يا فتّاح يا عليم يا رزّاق يا كريم ..هو كل يوم
..الله يحنن عليكى تأخذى بق برتقال ..
فتأخذ ضربة بالخشبة من المتسولة تحاول تفاديها
بتمايلها برشاقة ..
ويدخل ذلك العجوز صاحب النظارة السوداء والعصي
الخشبية
رافع رقبته كأنه ينظر للسماء وتوحي هيئته بأنه كفيف
ويبدأ
المشوار بالصلاة والسلام على النبي العدنان ويطلب المساعدة للعاجز الغلبان وينهال
دعاء فى اليمين وفى اليسار ..
الله ما يحوجكم ..الله يشفيكم ..الله يكفيكم شر
البلاء
لاحظ مصري أن كل دعواته لدفع البلاء والتذكير بشر
القضاء
تحذير من النار ولا تقترب لتبشر بالجنة ...!!
وفجاءة يدخل رجل يرتدى جلابية واسعة فلاحى ذات
الأكمام الواسعة والسيالتين ..
-والسيالة هي الجيب الجانبي العميق في
الجلابية-...ويحمل قفة ..
-والقفة تصنع من سعف النخيل وتستخدم كوسيلة لحمل الأطعمة والأغراض الأخرى .
فى القفة كانت فاكهة البرتقال تملئوها ...
ووقف الرجل عند بداية العربة وبدأ يعرض بضاعته وكانت
طريقة بيع جديدة لم يعتدها مصري من قبل ..
بدأ بائع البرتقال ينادى ثلاث برتقالات بجنيه ..بجنيه
.
ولا يتحرك أحد ليشترى منه سوى رجل واحد إشترى ثلاث
برتقالات ...
وإستمر البائع على هذا المنوال فترة فلما لم يجد من
يشترى منه
فبدأ المزاد
أربع برتقالات ...وبعد فترة خمسة ..ووصلت لسبعة فى نهاية المطاف ...
بائعة الجبن ...هات ثمانية والجنيه أهوه
بائع البرتقال ..هما سبعة مفيش غيرهم
بائعة الجبن ..والله لازم تجيب ثمانية
بائع البرتقال ...والله ما ينفع عليا الطلاق تخسر
بائعة الجبن ..بلاش أيمان وكفاية طلاقات هات ثمانية
يا بلاش
وتنجع بائعة الجبن فى كسر الرقم سبعة وتحصل على
الثمانية برتقالات وتقع أيمان بائع البرتقال
الركاب المحترفين إنتظروا حتى حصلوا على عرض السبع
برتقالات والهواة كل وصبره .
منهم من أخذ ثلاثة أو أربعة أو حتى خمسة
وكانت هذه طريقة جديدة لم يعدها مصري وأنبأته أن
القادم مختلف وأن عليه أن يستعد للمدينة وأضوائها ويطوى صفحات القرية مؤقتا حتى يتعايش
مع البيئة الجديدة ...
فى الكرسي الذي يقع أسفل مصري كان يوجد رجل أربعيني
السن شاحب الوجه من الواضح أن المرض أنهكه
وأن الزمان أكل عليه وشرب ..
سمع مصري حواره مع مرافقه وبدا فى يده ظرف مليء
بالأشعة
إنه مريض كبد من بين ألاف بل ملايين مرضى الكبد فى
مصر التي نهشت البلهارسيا أكبادهم وفيروس
سى اللعين يعشش فيهم وتطور الأمر وأصيب البعض بسرطان الكبد ...
جراء الفساد والإهمال والتجارة المحرمة بالمبيدات
المسرطنة والفواكه المهرمنة ...
المريض بصوت خافت مهزوز.......
..أنا تعبت
من الدكاترة والدواء والمصاريف غالية ومعدتش قادر أشتغل
مرافقه ...
الصبر إن شاء الله الكاترة فمصر هيعطوك علاج يرحك
وتبقى زى الحصان
المريض ..
يا رب يجيب الشفاء لأني زهقت من حياتي ومش كفاية إنى
مش قادر أشتغل لا مطلوب منى أشترى الدواء وفى المستشفى لا يعطوني أي علاج
مرافقه ..
إن شاء الله ستكون بخير أرمى حمولتك على ربنا
المريض ...
ونعم بالله ..تكالي عليك يا رب
وللكبد خصوصية فهو المايسترو وليس كما يظن البعض أن
القلب هو أغلى مضغة ..
بل الكبد هو الإنسان ولذا تجد الأم الصعيدية المكلومة
تندب ولدها وتنعته بكبدي ...
ترك هذا الفلاح المريض قريته وهو ذاهب للقاهرة ...عسى
أن يقهر أطبائها هذا المرض اللعين الذى أقعده عن العمل وهو العائل لأسرة من خمسة
بنات فى ظل غياب الدولة وفى ظل الذئاب المسعورة
وسماسرة النخاسة المأجورة ...
لم يكن يدرى الفلاح المصري المريض أن كبد مصر حاله
ليس بأفضل من حال كبده وأنه جزء من كل والكل معيب ومعطوب....
وعلى الكرسي المقابل يجلس شاب فى الثلاثينيات من العمر يلبس قميص أبيض وبنطلون جنس ويحمل
أوراقا ويتحدث أنه ذاهب ليتقدم فى أحد الشركات بعد أن حصل على توصية من عضو مجلس
الشعب .....
ويحكى الشاب للرجل الذي بجواره وهما يتبادلان أطراف
الحديث أنه منذ عشر سنوات يركب القطار للبحث عن العمل من سفر إلى سفر وليس أمامه
سوى الأمل
..ولكن الإنتخابات على الأبواب ولعل سيادة النائب يصدق فى هذه المرة وتكون
تأشيرته يابانية بعد أن أدمن التأشيرات التايوانية
ويحكى الشاب كيف تعب أبوه حتى يصل للنائب
ولولا قرب الإنتخابات ما تمكن من رؤيته ولا الحصول
على تأشيرته
الشاب كله أمل أن ينجح تلك المرة فى إقتناص الوظيفة
..
فجاءة سمع مصري صوت غريب داخل الشبكة التي تحيط بلمبة
القطار التي يبدو من شكلها أنها لم تعمل ولم تجرى لها صيانة من سنوات ..
أمعن مصري النظر فإذا بفأر كبير يلعب فى الخرابة
المحيطة باللمبة ويغازل بعد المواد البلاستيكية البالية بأسنانه
كانت تلك الشبكة وما تحويها من مخلفات وما بداخلها من
فئران ترسم صورة مصغرة لحالة التردي والإهمال التي يعيشها الوطن المظلوم ....
مصري بدأ يتذكر تلك الأخبار التي كانت ترد عن حوادث
القطارات
من حين لأخر ويتابعها فى الأخبار
تذكر مصري هنا ما درسه فى الكتب من وجود وسائل الأمان
من طفايات حريق وفرامل للطوارئ وبدأ يبحث بعينيه
ويسترشد بجاره فى الطابق العلوي الذي مد له يد العون
وأجلسه بجواره
..أين فرامل الخطر وطفايات الحريق ؟؟
...عجزت عيني مصري عن إلتقاط تلك الصورة الغائبة ورأى
بسمة ساخرة على وجه جاره
كانت كفيلة بالإجابة ...
قال الرجل والذي من الواضح أنه من الرواد اليومين
للقطار ...
طفاية وفرامل ..!!! الهيئة دى مش فاضيه للحاجات دى يا
أستاذ و هيجيبو لها فلوس من أين ؟
مصري ..
فين ميزانية السكك الحديدية وفين الصيانة الدورية ؟
الرجل ...
ميزانية إيه يا أستاذ ..الميزانية معمولة للحوافز
والعلاوات وبدلات البهوات ...
أصدر القطار صافرة طويلة كانت صرخة عظيمة وتنهيدة مريرة ....
شكي فيها القطار من عنت السنين وجهالة البني أدمين ..
شكي الحمل الذي يفوق طاقته والقسوة التي تميز مالكه
..
شكي الجوع والعطش وقلة النوم والراحة ...
شكي السن الكبير وعدم توقير البني أدمين .
أطلق القطار صافرته وصرخ فرجع إليه صدى صوت صافرته
بلا مجيب
وكأن الآذان
قد صمت والقلوب قد تحجرت فتنهد تنهيدة
عميقة و نفث دخانه فعلى فى السماء لعله يخفف من حدة إحتقان صدره الممتلئ بالهموم...
رجع مصري داخل العربة يتابع الصورة ..
هناك على بعد كرسيين يجلس رجل في الخمسين من العمر
وعلامات البؤس والفقر تطلان من عينيه والمرض واضح من صفار بياض عينيه وملابسه تنبئ
ببؤسه
وبجوار بنت
جميلة صاحبة ضفيرتين طويلتين وعيون تحمل من الطفولة البراءة
ومن قسوة
الأيام المرارة ..
فى الخامسة
عشرة من عمرها تقريبا ترى الدموع فى مقلتيها وبؤس الطفولة المحرومة فى قسمات وجهها
ولم تشفع لها طفولتها ولا جمالها الرباني
من الإنزلاق للمصير المحتوم
جلس الأب يلقن إبنته النصائح ...
الأب ...
معلش يا بنتي غصب عنى ..إنتى عارفة الظروف أنا تعبان
وإخوتك حملهم ثقيل ومكتوب عليكى تشيلي معي هذا الحمل ولا تخافي الناس على رايحه
عندهم طيبين ..إسمعى الكلام وإوعى تزعلى حد منك
البنت ..
دموعها فى عينيها تأبى النزول وتهز رأسها وبصوت خافت
ترد حاضر يا أبى ..
بس كان نفسي أكمل تعليمي
الأب والحسرة تملأ نفسه ..غصب عنى
قد حكمت الأقدار ..
الطفلة الصغيرة جاءت للخدمة فى البيوت و لن تكمل
تعليمها وستدخل معترك الحياة لتساعد أباها فى حمل معاناة الأسرة التي لم يعد يقوى
على حملها وحده .......
وكان هناك كرسي غريب ...
طوال المشوار ..ساقع وساخن وفاكهة ويحملون سندوتشات
تفوح رائحة الكبدة منها وعلبة السجائر من ماركة مستوردة وتكاد العلبة الثانية أن
تفرغ ...رجلان أمرهما غريب ..لماذا يركبا القطار ؟..ولماذا عربات الفقراء ....؟
ومع هذا البذخ في المصروف لماذا لم يستقلان السوبر
جيت ...؟
أحدهما يقول لزميله ..حضرت المعلوم الباشا لا يترك
مليم وده كله انا فاعل خير وجاى المشوار ده عشان خاطرك فقط فلا ناقة لى ولا
جمل
يرد رفيقه ...البركة فيك وحقك محفوظ
ومع تعالى الضحكات والقفشات ولكن مصري رأى ضحكتهما
صفراء باكية...عكرة غير صافية وتذكر ضحكة
بائعة الجبن الفلاحى الصافية !!!!
لم يستطع مصري فهم تلك الصورة وإن غلب على ظنه وبعض
الظن إثم أن هؤلاء هم النخّاسون ...
فى سوق نخاسة القرود
وتابع مصري رسم الصورة بعينيه
محفوظ أفندي والذي
يرتدى جاكت من الصوف فوق الجلابية البيضاء ويمسح على شاربه ليساويه بعد أن أكل
البرتقال ويرتدى طاقية قيمة تحافظ على ما فى تلك الرأس من التبخر أو الطيران
ويحمل فى يديه الجرنال ويمسك بالجريدة والتى من
الواضح أنها معارضة من الجرائد العميلة ...
عميلة لركاب الدرجة الثالثة ..الحرافيش
محفوظ أفندي.. يقرأ بصوت مرتفع ويتدخل فى الأسلوب
تارة ويخاطب من حوله وينقل لهم الأخبار
محفوظ....
مصر تفوز بالمركز الأول عالميا ...!!!!
نظر إليه من حوله
بشغف..!!!
فأكمل محفوظ .....فى حوادث الطرق والقطارات ...تشاءم
الركاب وقالوا يعم تف من بقك ..
واصل محفوظ .
.الفشل الكلوي والكبد يتصدران الأمراض المستوطنة فى
مصر ..
غرق مركب يحمل مهاجرين.. من العيشة قرفانين وللموت
طالبين ...ومركب أخر يغطس بالمعتمرين ..وأب يبيع إبنته ..وزوج يتاجر بزوجته
....صاح أحد الحاضرين ...
كفاية يا عم إرحمنا يتشوف حاجة حلوة يا تسكت ...
قال محفوظ نشوف حاجة حلوة ...
المنتخب المصري يلعب اليوم على بطولة كأس الأمم الإفريقية
ولو فاز يكون اللقب الخامس
هلل الحضور على الكراسي والجماهير على الرف
وختم محفوظ بصفحة الرياضة
هذا جزء من الصورة الداخلية فى القطار ..
أما خارج القطار والهاربين من تذاكر الكمسري وقاطني
سطح القطار والواقفين فى الفواصل بين عربات القطار من الخارج
تلك مأساة وطن من نوع فريد...
هم عراة فى الهواء يعيشون على الألغام ..
فى وطن عاري ملغوم ...
هم المقبلون المدبرون ..هم الجناة المظلومون ...على
سطح القطار البداية وعلى القطبان النهاية
إنفعل مصري بما سمع وسأل جاره فى الطابق العلوي ..من
المسئول ؟؟؟
فأجابه جاره ...مفيش دليل على المسئول ..إزاى هتحاسب
ومين يحاسب ومفيش دليل ....!!!
تراقصت الحروف أمام عيني مصري
وإنهالت عليه المعاني والكلمات وأمطر سقف القطار الذى يعانى الحرمان والأنين
تلك المعاني على لسان مصرى ....
...مفيش دليل
وأنا
المسؤول..
...أنا الدليل..
السحابة
السودا فى السما..
والنفس مكتوم..
وغبار
المصانع كسى..
والأسمنت مهموم..
والنيل
بطوله إشتكى...
وأنا المسؤول..
والقطن
المصري بكى..
وطويل التيلة معلول..
وسنابل
القمح دبلت..
ومالت من كتر الهموم
...
مالت ومن
شعاع الشمس..
هربت وبتلوم..
وفواكه
الأمراض بتقول..
إسهال أرت يكاريا...
والسرطان
ده الغول..
فشل كلوى..
ولا فيرس
سي..
إختار إنته بس وقول
....
مفيش دليل
..
وأنا المسؤول..
.أنا الدليل.....
الأرض
إشتكت ..
والسما بكت
..
والنيل
مهموم..
مفيش دليل
..
وأنا
المسؤول...
وكان الحلم المستحيل....
بق ميه..
لقمة هنية....
نسمة هوا...
تشفى قلبي المعلول...
مفيش دليل....
وأنا المسؤول
.....
........ أنا الدليل.......
فى المدرسة
...
أحفظ أنا
وأقول..
وبعد الجامعة..
على
القهاوى ملطوع..
الموهوب
....
...طار....
وعلى بلاد العم سام.
حط الرحال
والهموم..
وهناك عمل عمايل....
سوى
الهوايل..
عمايله بتقول..
للحاضر و للغايب...
أنا
المصري..
أنا المصرى..
أنا
المظلوم...
أنا الطير المحروم...
مفيش دليل
..
وأنا المسؤل..
...أنا الدليل....
المنحوس..
عالقهاوى بيبوس..
حجر معسل
..
سادة ولا بغموس..
والفحم
بيحرق..
وهو بيتحرق
...
من فحم
النفوس..
وبالهموم مهووس...
مفيش دليل
..
وأنا المسؤول..
...أنا الدليل....
الغلبان
والجعان...
جرى هربان...
من ذل
الهوان...
وكسرة نفس الهيمان...
وفى البحر..
ركب الموت...
وكان
مكانه ...
بطن الحوت....
ومحدود
الدخل ...
بقى معدوم....
مفيش دليل.....
وأنا المسؤول....
...أنا الدليل...
آه يا مصرى
آه يا مصر
فى القسم منهان
وفى المستشفى
..
عيان
وعدمان ..
و فرن العيش مقتول..
وعلى أنبوبة الغاز...
.......ملهوف..ملهوف..
و فالدروس الخصوصية محتاس..
وبين
الأكابر منداس...
لو إشتغلت عدمان ر
ولو عاطل
معدوم..
ومفيش دليل ..
و أنا المسؤول..
.....أنا
الدليل....
من بعيد..
من بعيييييييد...
شايف
مارينا....
شايف أهالينا....
شايف
الجنة على أراضينا....
الميه معدنية....
والعيش
بسكوت....
والمايوه على الجسم
المكشوف...
والهمر
والقمر....
الليل نهار...
والنهار بقى ليل....
والفلوس
بتدوس..
كله بالفلوس بيبوس..
كله بيبوووووس...
كله
بالفلوس بيدوس
كله على النفوس بيدووووس
والشعب المنحوس...
الكل عليه بيدوس...
بيدووووووس..
مفيش دليل
...
وأنا المسؤول..
....أنا الدليل......
الفصل الثاني
في قاهرة المعز
أطلق القطار صافرة الوصول ..وكانت صافرة مختلفة عن
تلك التي أطلق من خلالها صرخته ...
كانت صافرة الوصول هادئة تخرج من عدّاء وصل خط
النهاية وأنهكت قواة المسافة ما بين البداية والنهاية ..
وصل لباب الحديد
فى ميدان رمسيس فى قلب القاهرة ..
وبدأت الهموم التي تحمل أجساد الركاب فى النزول على
الرصيف ..
وبدأ القطار يخلى ركابه ويلتقط أنفاسه
ولكن هيهات فهذا
صعب المنال ..
الركاب المنتظرون على الرصيف لا ينتظرون خلو القطار
..
منهم من يدخل من الشباك ليفوز بمقعد ويحجز بجواره
للأحبة والرفاق.
.وجزء يدفع الركاب النازلين ليدخلهم للقطار عنوة وسط دوامات بشرية ومصري
يرفع حقيبته على رأسه ويدور فى الدوامة البشرية حتى رفق به القدر ووجد نفسه على
الرصيف ....
يا إلاهى ..
هذه المرة الأولى التي تطأ فيها قدم مصري أرض
المحروسة ويرى هذا الكم البشرى من الرؤوس التي ظن للوهلة الأولى أن القاهرة عن
بكرة أبيها جاءت لباب الحديد حتى تستقبله وتحتفي بقدومه
خرج مصري من باب الحديد لتصافح عيناه مئذنة مسجد الفتح للمرة الأولى والتي
رآها فى التلفزيون فقط ..
وليمشى مع الأسهم ويدخل
هذا الباب التي تعلوه يافطة الأسهم السفلية ليضع أقدامه على السلم الذي يتبدى من
النهاية ...
يبدأ من القمة وينتهي فى القاع ويكون صعوده لأسفل
لأنه يؤدى فى النهاية إلى أبواب هذا القطار السفلى التى يعشق الخوض فى أعماق الأرض
.
ليركب هذا الإختراع الذكي الذي
تحايل إلى حد كبير على زحام القاهرة الشديد... إنه مترو الأنفاق ..
الذى وأن سار تحت الأرض لفترة فى الظلمات ما يلبث أن
يخرج ليرى النور فى محطاته النهائية
ويرسل رسالة واضحة جلية أنه مهما طالت الأنفاق وإشتدت
الظلمات فعتمة الليل لابد أن تنجلى ..
ولكنها بحاجة للإرادة ...
وللتخطيط والخريطة ..
تلك الإرادة التي جعلت من مترو الأنفاق يخترق الأرض
من تحت قاع النيل الخالد فى تحد واضح ...
وكان لسلم المترو وقفة مع مصري ..
سلم غير كل السلالم ..لم يعهد مصري هذا النوع من
السلالم ..سلم صعوده هبوط وهبوطه صعود يبدأ من القمة وينتهي بالقاع ..يبدأ من
النهاية !!!!!
بعد أن شاهد مصري زحام المترو تيقن أن زحام باب
الحديد أمر عادى وأنه لم يكن للترحيب به وأن القاهرة ليست قريته الفردوس
فهو فى قريته نجم ساطع ومحل الترحيب أينما ذهب أو حل
ولكنه فى القاهرة قطرة من الماء فى بحر مترامي الأطراف
يحتاج لمهارات وجذور ممتدة حتى لا يذوب ويفقد هويته
ويتوه فى وسط الزحام
مرت المحطات ووصل مصري لجامعة القاهرة
وتوجه للمدينة الجامعية
ووضع أمتعته فى غرفته وأبى
أن يستريح ...
إلا بعد أن يحقق حلم السنيين ......
زيارة أبعاد القاهرة التاريخية وشحن بطاريته الوطنية
والوقوف متأملا مراحل من تاريخ الحقيقة
التى يلهث خلفها طيلة عمره
زيارة الأهرامات التاريخية للوقوف على سر الحضارة
المصرية والتي أضحت تاريخا على يد الأحفاد وعجزت أيديهم عن إستكمال البناء...
والعروج على الكنيسة
المعلقة يشم رائحة الحضارة القبطية ويعطر أنفه بهواء حوى أنفاس المسيح الذكية...
والختام فى مسجد عمرو بن
العاص العصي عبر السنين والعقود
يطالع وجه العدل والحرية ..
ويتلمس خطى الصحب الكرام ويرى منبت النور فى مصر الإسلامية ...
هناك على أطراف الجيزة تبدو الأهرامات الثلاثة شامخة
وعين أبو الهول حارثة لا تغفل ليلا ولانهار ...
مصري إستحضر هنا عظمة هذا الشعب التي تحدت الظروف والسنين
وعوامل الجو وغدر الغادرين ولصوص التاريخ المشهورين .
تأمل دقة البنيان وهندسة
المكان وعبقرية الإنسان.
سأل مصرى أبو الهول...ما سر الشموخ والخلود عبر
السنين ؟
فقال أبو الهول ...السر في المصري الذي بني بالعلم
وزين البناء بالفن الأصيل
رأى مصري الأهرامات أربعة ثلاثة تاريخية والرابع يتبدل وجهه عبر تاريخ
البشرية ...
سأل مصري أبو الهول من هذا الهرم الرابع المتغير الوجوه ؟
رد أبو الهول ....دول هم المصريون المبدعون عبر
العصور .
تذكر مصري جمال عبد الناصر بعد أن عاد حبه لقلبه بعد كره
وجفاء بسبب معاناة الإخوان..
ولكن فى هذه المرة حب
معتدل يضعه فى مكانه الطبيعي دون إفراط فى الحب ولا تفريط..
فجمال جزء من تاريخ هذا الشعب المجيد بنكساته
وإنتصاراته ..بنجاحاته وإخفاقاته ...
رأى فى الهرم الرابع صورة أم كلثوم تصدح سلاما شباب
النيل .....
رأى جوائز نوبل تحوم حول الهرم تذكر بالمصريين بأن
لهم حاضر كما أن لهم تاريخ وأن العيب ليس
فى عقولهم ولكن فى لصوص سرقت حتى أحلامهم وهم نائمون ...
رأى فى الهرم الرابع شريطا سينمائيا يقلب صفحات
التاريخ الذهبية والتي سجلها أبو الهول عبر تاريخ البشرية ..
شحن مصري بطارية مصريته بعد أن أنهكها عنت السنين
وأنين الحنين لمجد الأجداد
رأى فى الهرم الرابع صورة مصرية وتطور ملامحها بد
مرور السنين وهى شامخة وفى عينيها الحنين ...ومن بعدها زاد الأنين
توجه مصري لوسط القاهرة ليسترجع التاريخ ..
تاريخ وطن كان الملاذ الأمين على مدار السنين لكل صاحب فكر ودين...
ويبحث عنها ..!
عن المحبوبة التي إشتاق الوصول إليها
توجه للكنيسة المعلقة فى
وسط القاهرة التاريخية.
حيث يسترجع بذاكرته أن مصر
كانت حاضنة للعائلة المقدسة وحضن دافئ للسيد المسيح وللعذراء الطاهرة...
وتذكر كيف أن الكنيسة
تجددت فى عهد الرشيد محافظا على موطأ قد تكون قدم المسيح والعذراء قد وطئته فى
سالف العصور
تذكر الإنجيل الذى قراءه من سنين وتعاليم المسيح التي
قال النجاشي عنها أن ما جاء به المسيح ومحمد عليهما الصلاة والسلام ينبعان من نبع
واحد ويشع نورهما من مشكاة واحدة
تذكر مصر المسيحية التى عانت من قيود الاستعباد سنين
وسنين
وبسياط التعصب المذهبي هدمت كنائس وشرد قساوسة
وأصبحوا غرباء فى وطنهم بعد أن إستوطنه الغرباء
الغاصبين ....
وحان الوقت لتشم أنف مصري رائحة الصحب الكرام ..
هناك فى المسجد الأول ..
مسجد الفاتح الذى فتح القلوب بنور الإيمان وبتعاليم
أحمد البشارة ..
عمرو بن العاص الذى حرر المصرين وصان الكنائس وأمن
المسيحيين وبنى المسجد الأول فى مصر وإفريقية وزرع فيها بذرة التوحيد ...
تعجب مصرى من قلوب المصريين ..قلوب إحتوت الكليم موسى
وكانت الحضن الدافئ للمسيح وأمه البتول ..قلوب نبضت
كلها بالإسلام إعتناقا وحبا ....
رأى حقيقة القاهرة تعانق المآذن قباب المساجد
ويعلو نداء الحق وتدق أجراس الكنائس فى تناغم موسيقى
ونغمات تحكى فصولا من التاريخ ..
قارب الليل على الإنتصاف وأخذ مصري جرعة روحانية من
عبق التاريخ تعينه على مواصلة المسير وعلى إكتمال صورة الحقيقة التي يسعى إليها
..ولكن هناك ركن ناقص وزاوية مفقودة لابد من زيارتها حتى تكتمل الصورة ...!!!
وفى طريقه للعودة للمدينة الجامعية أصر أن يصافح
معشوقه الأول عن قرب ويلمسه ويقبله بشفتيه ويكمل به الصورة ..
إنه النيل الخالد الذى يجرى مع جريان الدم فى عروق
مصري
والذي كما حفظ حياة المصريين وكان الحارس الأمين على
تاريخهم ومقدراتهم ..حفظ موسى الكليم فى التابوت وظل أمينا على المعابد وإن أصبحت
خاوية ولكن جدرانها تقص فى كل يوم حكاية وتحكى كيف كانت مصر مهد للصالحين ...
..راح مصري يتمشى على شاطىء كورنيش النيل ويداعب الذكريات ووجد ما
يشبه مركب عرف أنه ما يسمى بالأوتوبيس النهري ..
ركب مصري النهر وداعب ماءه بأصابعه ورفع بيديه جزء من
ماءه
فقبله قبلة مشتاق عاشق ولهان
وأعاد القبلة لتجرى فى مجرى النيل
..أرسلها مصري قبلة حنين لشجرة الصفصاف ولمحبوبته التي مازالت تائه....
الفصل الثالث
في
القصر العيني
فى القصر العيني بدأت رحلة طويلة استمرت ستة سنوات
حفظ مصري فيها ملامح المستشفى الجديد الفرنساوي
والقديم ومباني الكلية وحفظ ملامح وجوه المرضى من النوبة في أقصى الجنوب
حتى مطروح وسيناء .
فرأى مصر بكل ملامحها في القصر العيني ولكنه للأسف
رأى مصر المريضة التي تعانى الأمراض التى تنهش فى أجسادها .
وضعف الإمكانيات والفساد والتجارة حتى بآلامها ...
وهنا كورنيش
النيل المحيط بالمنطقة فكم تحاور مصري مع
أسود كوبري قصر النيل وبثها همومه وشكي إليها قسوة المصريين على مصر .....
دخل مصري الجامعة الكبرى جامعة القاهرة ..
لم تكن تلك الجامعة التي خرجت القامات الفكرية والتي
تربى فيها الوطنيون والمناضلون ..وكانت حاضنة الحركة الوطنية
فالعمل السياسي محظور وأمن الدولة تدير الجامعة من أمن البوابات حتى
رئيس الجامعة ....
ولا توجد حركات سياسية فاعلة على الساحة سوى التيارات
الإسلامية ....
بحث مصري عن الناصريين فلم يجدهم إلا فرد مؤمن
بالفكرة هنا أو هناك والحزب العربي الناصري غارق فى صراعاته وإختراقاته من قبل أمن
النظام ...
بحث مصري عن
الليبرالية الوطنية فلم يجد لها وجود فاعل ونظر للوفد التاريخي فوجده جثه هامدة
وخاصة بعد فؤاد سراج الدين رحمه الله ..
وربطت الذاكرة بين فؤاد سراج الدين وزير الداخلية الذي
جابه العدوان وأسس ليوم مجيد فى تاريخ الشرطة المصرية وتم إتخاذه عيدا وبين غيره
الذين حولوا الشرطة من حامى للوطن من الداخل إلى رصاص وسياط موجهه لصدر الوطن
لحماية النظام .
هنا التجمع أصبح يدار من لاظوغلي ولا هم له سوى صراعه
مع الإسلاميين..
والإسلاميين منقسمين وتصل الحالة بينهم أحيانا إلى حد
الكراهية
فكل طيف يظن نفسه الإسلام ويعتقد أنه الحقيقة المطلقة
ويسيطر عليه التعصب الذي عادة ما يعمى البصائر ويغطى على الحقائق وجال طيف الأستاذ أشرف والشيخ إسماعيل فى خيال مصري
.
..حاول مصري إشباع رغبته الأدبية وممارسة النقد الخفيف لمحاولة
تصحيح وإنقاذ ما يمكن إنقاذه
وشارك فى مجلة الحائط وحاول أن يكون صوت المواطن
الدرجة الثالثة....
ويوصل صرخاته وهمساته
ويبدو أن صوته الضعيف كان مصدر إزعاج مع ضعفه وخفوته
وهذا إن دل فإنما يدل على
هشاشة مملكة الفساد مهما بدت متماسكة وقوية .
تلك المملكة العنكبوتية والتى قد تنتشر وتملأ الأركان وتبدو ضخمة
مترامية الأطراف ..وتعتمد على الخداع فى رسم صورة مرعبة عن حجمها وقوتها .
خداع بصري وفكري فهي قائمة بالأساس على الخداع ..
لأنه لو زال عنها القناع وتم كشف حقيقتها فستهدم ذاتيا قبل أن تمتد إليها أياد طاهرة
لتنظف منها الوطن ..
تم تمزيق قلب مصري عندما قام عميد الكلية بتمزيق مجلة
الحائط لوجود موضوع يشير لسوء حالة المستشفى وسوء الخدمة والفساد المستشري من
الأعماق حتى الأطراف ....
صرخ العميد فى وجه مصري ...ما هذا الهراء
أسلوب تهييج وتدمير لا ترون غير النصف الفارغ من
الكوب ...
مصري ...
حضرتك ده الواقع يا دكتور
العميد ..
أى واقع تقول ..ألم تنظر للمبنى الجديد وكم تكلف من
الملايين ..
ألم تلاحظ الرخام والسيراميك ..ألا ترى المواليد وغول
السكان العنيد الذي يلتهم كل إمكانياتنا
مصري ...
وحضرتك ألم ترى المرضى والمصابين والصيدلية الخاوية
إلا من الأسبرين ..والإسراف والنفقات بلا حساب إلا على المرضى المعذبين ..
العميد ...
بلاش فلسفة فارغة وتصيد للأخطاء وده تحذير وبعده يكون
العقاب
مصري ...
يا دكتور ده رأى وتسليط للأضواء يمكن يكون فيه مفتح
وسط العميان ..
العميد ....
خلص الكلام و إنتهى وده الإنذار الأخير
إعتزل مصري العمل داخل الجامعة لفترة وإكتفى بالدراسة
وأصيب بحالة من الإحباط من إمكانية الإصلاح ..فالصورة تبدو قاتمة..
ظل يتابع من بعيد ويرصد التحركات والكلمات ويعتبر
راحته النفسية إن أسعفته قدرته على تقديم يد العون لمحتاج ..
وشعور الغربة يحرك وجدانه
غريب أنا وهذى حالي....
العيب فىّ أم أعيب على الزمان....
أهذا طبعي أم عهد الليالي...
عجيب ....
غريب......
أمري وحالي ...
وحدة .......غربة ..
لوعة .....وإشتياق..
بين جحافل الأهل والخلاّن...
مرت السنوات ومن خلفها الأيام...
ضاعت اللحظات وتاهت الأحلام...
وظلّت الكوابيس تكتم الأنفاس...
والغربة تأسرني...
تعذبني ...و تحبسني...
فى سجون الذكريات..
والسجّان ينهرني...
والقيد يدميني....
والسجن بئر عميق...
وأنا فى العمق السحيق أنادى...
صوتي محبوس وأنيني وآهاتي...
سلاسل الغدر تثقلني ...
بهموم وغموم كالجبال.....
من أنا؟
ولما هنا؟
ومن الجانى؟
غريب
أنا..أسير هنا
وجال بخاطري غدر الأحبة...
وطول الليالي الخوالي...
وأسكت الصوت الظلام...
وصرخ القلب ينادى ...
من للأسير فى الظلمات....
من للسجين يخلصه من الكربات....
هل من فارس يفك القيد....
فالقيد أدماني وأبكاني.....
أم إنني فى زمان عزّ فيه الفرسان....
بكيت التاريخ وهمّنى الآتي..
ونظرت حالي فى بئري وأنّاتى....
قلبي رأى البدر فى الظلمات....
فنادى بدقاته على الحبيبة ...
وأكثر من الآهات...
آه من حب مليء الفؤاد والهوى...
آه من لوعة قلب أدماه الجوى ....
آه من خيال طاف بالهوى فهوى...
أه من فراق طال فزاد الحنين وأرق ...
آه من حلم جميل أرق المضاجع وأسهرا...
أه من بئر هوى فيه القلب وما نجا....
آه من بكاء الليل الحزين...
آه من أنين الفجر الجريح من الهوى...
آه من شوقي لنور الصباح...
ونسمة الفجر العليل..
آه من الآهات..
غريب
أنا...أسير هنا
مرت سحائب الذكريات...
سحائب رعدية...
وسحائب برقية....
سحائب صيفية....
وأخرى شتوية ....
هيا أمطري ...
أمطري حبا وشوقا..
أمطري سلوى من البلوى...
أمطري .....
حتى تذوب القيود..
وتداوى بعذب فيضك الجروح
أمطري..
حتى وإن كنت صيفية ...
وبفيض مائك طهري وإغسلى..
وبعذب فيضك أروى وأنبتي...
لوّنى الصخور باللون الأخضر...
وأنبتي الأمل من جديد...
وأحيي الغد وأيقظى الوفاء...
وأنبتي الصداقة والأخوة من جديد....
فقد غدت غثاء أحوى من بعيد...
أيقظى الحب...
فى القلب العليل ...
وأحيى المشاعر..
بعد الغياب..
أمطري وأمطري...
حتى وإن كنت سحائب صيفية....
غريب أنا..أسير هنا..
مرت السنوات ومصري مشغول بدراسته ويحاول أن يحلق بين
مختلف الإتجاهات والأفكار وينظر أقصى اليمين ويلتفت أقصى اليسار باحثا عن المحبوبة
...
ونظره هائم بين الوجوه يقلب فيها بحثا عن مصرية ..!!!
فى هذه الفترة وبفضل العقلية العلمية المنظمة التي
بدأ يكتسبها مصري بحكم دراسته العلمية
بدأ مصري يغوص فى التجارب الفكرية وحاول أن يفهم بعض
الإشكاليات المعقدة كعلاقة الليبرالية بالإسلام ..ولماذا يوجد صراع واضح بين
القوميين والإسلاميين تارة
وبين الليبراليين والإسلاميين تارة أخرى وبين الإسلاميين أنفسهم فى أحيانا كثيرة ...
فى هذه الفترة تعرف مصري على الدكتور نور الدين أستاذ
علم الإجتماع بكلية الآداب والذي تعرف عليه فى ندوة وصارت بينهما صداقة
الدكتور نور الدين الذي حصل على الدكتوراه من جامعة السور
بون فى فرنسا وعاش المدنية فى مهدها وتشرب الحرية من نبعها ...
والمفارقة التى جمعت بينه وبين مصري أن الدكتور نور الدين نهل من فيض كتاب القرية كمصري
..وتشرب بالحضارة العربية وثقافاتها فأصوله تمتد لقرية مصرية ...
نور الدين الخمسينى العمر الأبيض الشعر صاحب الوجه
المستدير
والابتسامة الصافية والهدوء والعمق فى التفكير
وجه نور الدين كان يشع نور بسبب بشرته البيضاء ربما
..وربما يكون بسبب نقاء سريرة تلك الشخصية
وكفاءته فى مجال عمله ومصريته الصادقة..
نور الدين يميزه أنه يحيى كإنسان ولا يصطنع تلك
الهالة التي تصبغ ورعا أو مثالية زائفة ولا يدعى إمتلاكه للحقيقة ...
يعلم أن الإنسان سيظل إنسان يدور فى فلك إنسانيته
المكونة من الطين وما يمثله من مادية جافة ..
وروح وما تمثله من سمو و علو ..
يدور فى فلك ما بين الشياطين والملائكة ..
كلما غلبته شهواته وطينيته وتحكمت فيه وساقته إقترب
من الشيطان ..
وكلما سمت روحه وتحكم فى رغباته وغلّب مبادئ الحق
والعدل والخير كلما إقترب من الملائكية ولكنه لن يصبح ملاكا ولن يصير شيطانا
الدكتور نور الدين يحلم حلم يقظة وهو أن يرى القاهرة
فى ثوب باريسي فى الحضارة والمدنية والتقدم ويراها فى ثوب المدينة المنورة فى
الروحانية والحب والقيم ..
أن يرى جسد القاهرة باريس وروحها المدينة المنورة ...
كانت ندوة شيقة بقيادة الدكتور نور الدين جمعت من
يمثل الفكر الإخوانى وأخر سلفي ويوجد أيضا والقومي الليبرالي ...
وكان موضوع النقاش عن الحقيقة ..من يملكها ؟
وعن المستقبل من يستشرفه...؟
وعن الأمل والحلم فى عيون الجميع .
الدكتور نور الدين يعطى الكلمة للإخوانى .
الإخوانى ..
الحقيقة فى الإسلام ..والمستقبل فى نور الرحمن
والدستور هو القرآن ..والطريق هو الجهاد
والأمل فى الوحدة ودولة السلطان ...وبداية الحلم
من القدس وللقدس ...
هنا نرضى الرحمن ونسعد فى الدنيا ونبلغ أعالي الجنان
..
مصري ...
داعبت مشاعره الكلمات وتخيل ما كان فى رحلته مع
الإخوان ..وظل يتابع الحوار
الدكتور نو الدين ...
صدقت حروفك وأشعت على المكان روحانية .
ولكن هل يختلف صديقي السلفي مع ما قلت ...
السلفي ..
الحقيقة هناك فى خير القرون ومع خير البشر بعد رسول
الله ..
يردد الجميع بما فيهم المسيحي ..صل الله عليه وسلم
يكمل السلفي ...
الحقيقة فى الإتباع والبعد عن الإبتداع وفى فهم الصحب والأتباع فهم النبع الصافي ولا
فهم بعد فهمهم ولا قول يعلو قولهم..
القرآن والسنة بفهم سلف الأمة ..
سياستنا شرعية على الشورى نبنيها ولإقامة العدل
ولتعبيد الأرض لرب الأرض نبتغيها
الإخوانى مقاطعا ..
عقولنا لا يمكن أن نلغيها والإسلام صالح لكل مكان
وزمان والمجددين على رأس القرون يضيئون الدجى ..
الدكتور نور الدين ..
رجاء عدم المقاطعة وترك الجميع ليعبر عن كامل رأيه
السلفي متابعا ...
لا خلاف على الجهاد ولا تحرير القدس ولا دولة الخلافة
السلفية ..
ولكن الطريق من هنا من النفس البشرية ..والبداية
تصحيح للعقيدة المنسية
وإتباع السلف خير البرية ..والحلم شهادة وفى الجنة
حورية وحورية ...
الشريعة وتطبيقها هو حلم البشرية ...
مصري يضم
كلامات السلفي مع الإخوانى ويحاول التمييز بينهما والربط بين المشتركات ...
الدكتور نور الدين ..
تحياتى لما قلت ولكن ألاحظ أمور
منها وجود التباين فنحن نتكلم عن مدرستين أو بالأحرى فهمين بشريين يتقاربان ويتباعدان وإن كان النبع واحد ..
والشورى وإحقاق العدل ومفهوم الجهاد قيم لا يمكن أن
تكون خلافية ولكن الشيطان يكمن فى الآلية
ولم يقدم أي منكما آلية لإنزالها على الواقع ..
فليتفضل رمز القومية ..
القومي ...
لا خلاف على الإسلام
وربما يكون الإختلاف فى الأفهام ..
الحقيقة هناك فى الوحدة العربية وإزالة الحدود
الجغرافية وإقامة الدولة القومية ..
مسجدها بجوار كنيستها ..يعدا للحلم ..للتحرير
تحرير الأقصى وتطهير الكنيسة ...
شعبها واحد من نيلها وفراتها يشرب الجميع ومن سودنها اللحم الوفير ومن مصرها القلب ينبض
بالدماء فيغذى الشرايين ..تحفظ للأمة كرامتها
وترفع رايتها ..
دستورها قومي
بثوب عربي وكان النبي عربي ..
تحترم القرآن
وتراعى الإنجيل
السلفي والإخوانى يقاطعان والليبرالي علامات غير
الرضا تطل من وجهه
ومصري يتابع الوجوه ويتذكر جلال والصورة التى كسبها فى النيشان وحلم جمال
الدكتور نور الدين نقطة نظام ..
من فضلكم فلنتعلم كيف نستمع وكيف نختلف ...
ممثل الفكر الليبرالي يتفضل ..
الليبرالي ...
فكرة القومية فشلت والإسلاميين أعقبوها بالفشل فى
تجارب كثيرة ..تعلوا الأصوات
الدكتور نور الدين يطالب بالهدوء ويوجه حديثه لممثل
الليبرالية ..
رجاء طرح رؤيتك بعيد التجريح فى رؤى الآخرين فلسنا فى
مناظرة ولكننا فى حوار نريد أن يتعرف كل منا على الآخر
يستجيب الليبرالي فى سلوك محمود ويتابع ...
الحقيقة هى الحرية ...
والعدل طريقه الديمقراطية
والشعب هو السيد وصاحب الولاية ومرجعيتي دستورية ..
حلمي وطن حر ..فيه كل المواطنون أمام القانون سواء
..وطن يحمى الحرية الفنية والرأسمالية وطن يلحق بركب الحضارة الإنسانية ..
والعقل هو السبيل وهو المايسترو ..هو صانع الحضارة
وواضع الدساتير ..
وبه يتميز
الإنسان عن الخرفان ..
فالدين
لله والوطن للجميع
تعلو الأصوات مرة أخرى وتتداخل
ويسيطر الدكتور نور الدين على الحوار
ويكرر هدفنا الإلتقاء وأن نحدد المشتركات ونبنى الثقة
ومن ثم نتحاور فى الإختلافات ونضع الميثاق
لنتعاون فى المشتركات ونقترب فى المختلف عليه ونتعاذر فيما فشلنا فى الإتفاق أو
التقارب حوله
ويعطى الكلمة الدكتور نور الدين لمصري ..
مصري ...
البداية تكون التحية ...فالسلام على كل البرية
..وبالسلام أرى السلم الأول للحقيقة التي مازلت أبحث عنها وإمتلاكى لجزء منها هو
إجتهادات بشرية وسأواصل السعي إليها فى الجميع ومع الجميع....
لا وطن عربي كبير بدون دولة وطنية قوية ..فاللبنة
أساس البناء ...
ولا شريعة ودعوة إلا فى ظل الحرية
والشريعة على حسب فهمى هى مصلحة الرعية فيما لا
يتعارض مع حدود رب البرية
العقل مناط التكليف
والمخير به الإنسان تحت التسيير ..
أما العدل والشورى والمساواة فآليات تطبيقها بشرية
قابلة للتغير أو التجويد حسب المتطلبات الحياتية
أما القرآن الكريم فهو دستور الدساتير وكلام الرب
العلى ..من يؤمن بقدسيته فهو السراج المنير وطريقه الطريق المستقيم ....
ومن يفهمه ككلام عربي بليغ ويحيط بجزء من ظلاله يجده
الحصن الحصين للحرية والعدل وواحة للفكر وللإبداع ومقرا بحق الإختلاف حتى حول
الذات الإلهية
أرى الحقيقة المطلقة أبعد من أن يستوعبها عقل أو أن
يدركها فرد ..أرى كل من سبقوني جزء من الحقيقة ...
ملامح الإعجاب تبدو فى عيني الدكتور نور الدين ..
وبعض الحاضرين ..
والبعض معترض ويراه كلاما فضفاضا لم يقدم رؤية
..ويتسم بالميوعة والليونة
الدكتور نور الدين ...
سعدت بكم جميعا وبآرائكم وحسن إستماعكم
ولو لم نحقق من تلك الندوة سوى أننا تلاقينا تحاورنا
لكانت نعم الثمرة وسنواصل المسير من أجل التحاور
والتقارب حتى نتمكن من التغيير ...
صفق الحضور وتبادلوا التحية وقام كل منهم ليسلم على
الدكتور نور الدين فى أجواء ودية وإنتهى اللقاء بوعود تجدد اللقاء
ساعد الدكتور
نور الدين مصري كثيرا فى ترتيب أفكاره وإستخلاص الدروس من تجاربه ..
ووصل مصري لأهمية قضية تحديد مفهوم المصطلح ومحوريتها
فى الخلافات الفكرية والصراعات الأيديولوجية
الدكتور نور الدين فتح الطريق وترك مصري ليعود لنديمه
وصديقه الكتاب ...وظل ينقب عن الآثار ويبحث عن الجواهر
هنا وهناك ..
يقرأ بعقل مفتوح ويسمع بإذنين إحداهما ناحية اليسار
والأخرى فى اليمين ويحاول التجرد قدر الإمكان
غاص مصري فى الليبرالية فوجدها مدرسة فكرية ربما
تخالف أديان أو معتقدات أو تقاليد في جزء هنا أو آخر هناك
ولكنها تظل منهج فكرى ..لا هي دين ولا عقيدة
و لا ينبغي أدلجة الدين فهذا ما يخلق حالة الصراع
المفتعلة .....
رجع مصري لبداية التقسيم وظهور الليبراليين
والإسلاميين
فرفع القبعة لنابليون فقد فعل ما عجز عنه الصليبين فى
حملاتهم المتعاقبة والتي لم ينسى نابليون بونابرت المنصورة !!!
مصري فى هذه الفترة مهموم بالقضايا العامة وبحالة
البلد التي تنحدر للأسوأ كل يوم وبدارسته وببحثه عن محبوبته ..
كل يوم خميس يسافر لقريته ليطمئن على أمه ويأكل أكلة
هنية تعوضه العدس أبو زلط والكوسة التي يبلغ حجم بزرتها حجم كوسة صغيرة واللحم البلاستيكي الذي يجود به المورد لقطاع
المدن الجامعية ناهيك عن ذلك البيض الذي
ربما تقشر البيضة فيخرج لك منها كتكوت!!!!!
..ويتبقى ربع الفرخة وهنا
يتدخل القدر وحسب دورك فى الطابور أو معرفتك بعامل المطبخ الذى يوزع قطع الفراخ
..ربما يكون نصيبك ورك وربما يكون الصدر ..
قد تكون فرخة غير مستوية وبها أثار من دم وقد تكون
عصفورة فى ثوب فرخة مستخبية ...
وبعد الأكلة
الهنية يذهب ليشرب الشاي هناك على الراكية تحت شجرة الصفصاف التى أصبحت جزء منه من
ماضيه وحاضره ..ويجلس يبث همومه لحمال المآسي والذي لا يضيق صدره من شكوة شاكى ..
إنه النيل الذي ما زال يجرى وسيظل يتدفق ....
وقف مصري عن ظاهرة غريبة لم يلحظها من قبل مع طول
صداقته للنيل ....!!!
كيف يطهر النيل نفسه بنفسه ...؟
كيف تغلب على كل المآسي ومازال يحتفظ بنقائه وصفائه
مع كثرة ملوثاته ومكدراته .....؟
وظلت هذه الظاهرة تجول بخاطر مصري وتبشر بفكرة عبقرية
لا يستطيع مصري الإحاطة بها فى الوقت الحالي فهي فى
حالة انسيابية ...
رجع مصري للقاهرة وكان على وشك إنهاء السنة النهائية
لينتقل لبداية الحياة العملية حيث التدريب كطبيب إمتياز بالقصر العيني
وفى هذه السفرية فاته ميعاد القطار فضحى بجزء من
المالية وركب السوبر جيت وعاد ليمتحن السنة النهائية وليتحول للدكتور مصري
الفصل الرابع
رياح ما قبل العاصفة
نجح مصري فى بكالوريوس الطب والجراحة ومع أنها لم تكن
مهنته المفضلة إلا أنه إجتهد وتميز فالتميز جزء من شخصيته ..
نجح مصري وتخرج بإمتياز مع مرتبة الشرف
وكانت سنة الإمتياز فى مستشفى القصر العيني..
بدأ مصري ينظر حوله ويتأمل الأحوال فى مصر.
الخدمات الصحية فى تدنى
والفقراء لا يجدون دواء ولا رعاية والأمراض المستوطنة تزداد شراسة وضراوة ووحش
البطالة الكاسر ينهش أجساد الشباب ..
الفساد بلغ مداه ..رشاوى محسوبية ..مبيدات مسرطنة
..فواكه مهرمنة ..
طبيعة فقد عذريتها ..تلوث ...سحابة سوداء وأخرى بنية
تلوث أخلاقي ..كل شيء يباع فى سوق النخاسة ..
إقتصاد يقوم على الجباية والتسول ..
سوق مفتوح للمستوردين الجشعين يستوردون دون رقابة
والصناعة الوطنية أخذت إجازة ....
لا يضمن مصري له مكانا بين المعيدين مع أنه الثانى
على دفعته
لكنه لا يملك المال ليشترى الذمم وأبوه ليس إمبراطورا
فى الطب ولا أستاذا فى الكلية فهو من ركاب
الدرجة الثالثة ولا يشفع له تفوقه أن يحصل على تذكرة فى البريمو ...
حكومة متسلطة فاسدة ومفسدة أسست لدولة بيروقراطية
ربطت وجودها بمصالح فردية ومكنت لعرشها بأجهزة أمنية
تحت شعار عسكري لكل مواطن يراقبه ويعد عليه أنفاسه
ووقت اللزوم يبتزه...............
لا رؤية ولا خطة وكل يوم فى هبوط والأمل فى الغد يتلاشى
فقر.. بطالة... سرقة... تخلف.. جهل ...إنهيار فى كل مناحي
الحياة
غياب العدل وضياع الأمل ينبئان بكارثة حتمية
ولكن كيف ذلك فى ظل تلك القبضة الأمنية ...
المعارضة السياسية ...معارضة حقيقية وأخرى وهمية ..
معارضة تريد ولكن العجز يقيد يدها المرتعشة ..
أحزاب سياسية كرتونية ...كلها صناعة وطنية فى مصانع لاظوغلي
الوطنية وتكاد تكون الصناعة الوحيدة الوطنية فى ظل غزو البضائع الصينية .
ومن يشذ عن القاعدة
بالمندسين يرد عليه بالتحية .
الوفد العريق تائه ومخترق ..واليسار فى التجمع مستأنس
..
وحزب العمل مجمد بعد صراعه مع صاحب المبيدات المسرطنة
وقدرة كاتب فى جريدة الشعب أن يحرك الناس بعد وليمة
دسمة لأعشاب البحر
معارضة يسمح لها بالكتابة والنقد والسب أحيانا إلا
لأصحاب الذات العلية...
وبرامج توك شو تسلط الضوء
وتنفث الغضب ولا تقدم حل للقضية
هذا حال مصر ...لا يبدو فى الأفق حل ...والعلماء
يحذرون من ثورة الجياع ...
الحركات الإسلامية ..منها مسبح بحمد السلطان داعيا له
بالهداية وإن جلد الرعية ..
وآخرون جزء فى المعتقلات بمحاكمات عسكرية وجزء يهادن
ويناور بالتفاهم تارة وبالتهديد أخرى من
أجل جزء من التورتة السياسية ..
منذ سنوات ظهرت حركة شباب ستة أبريل ونشطت فى المحلة
وكانت الأقوى والأوضح فى معارضة النظام ..
وبين تهم بالعمالة للدول الأجنبية وأخرى تجعل منهم
عبيدا للماسونية وأعداء للشريعة وللشرعية تاهت حقيقتهم فى هذه الحرب الإعلامية على
كثير من البسطاء
صرخ جزء من الشعب الصابر حرام كفاية ..وظهرت حركة
كفاية ..
كفاية ظلم وفساد كفاية توريث ومحسوبية ..
وكانت الحكومة تتعامل بمنطق الدبة التى قتلت صاحبها
..
تتجاهل وتعاند وتسير فى غيها وبعد ما يقرب من مائة
معارض شبه صوري فى برلمان 2005 كانت المحصلة الصفرية فى برلمان 2010....
و2010بالمصادفة كانت سنة صفر المونديال المنسية..
كسر حاجز الخوف كثيرا فقد فاض الكيل ولم يعد هناك ما
يخشى البعض عليه فالثورة تقوم مع أخر لقمة فى الرغيف...
والرغيف بات يأن سنوات وسنوات رمل وحصى وحجم يكاد
يتلاشى وقعر محروق ..
ثم أصبح طريق الوصول إليه محفوف بالمخاطر ..
من أراد الإنتحار فعليه بطابور العيش أو البحث عن
أنبوبة بوتاجاز
البرادعى يعود والجبهة الوطنية للتغير تقاوم ولكن تظل
كل هذه محاولات ضعيفة ويتعامل معها النظام بإستخفاف ...
إعتصامات وإحتجاجات ورصيف مجلس الوزراء أصبح دائم
الإشغال وهناك تفكير فى إصدار قانون لفرض رسم مرور من شارع القصر العيني أو افتراش
الرصيف بجوار مبنى الحكومة
الدراما المصرية تحررت كثيرا وغاصت فى أعماق مشاكل
الدرجة الثالثة
فكانت سباقة
لفكرة الصكوك وتمليك البلد للأفراد التى حاولت الحكومة تطبيقها بعد ذلك ...
وظهر سعيد ظاظا فى رداء كوميدي ............
تلك الصورة المرتبكة والمعقدة والقاتمة كانت تنبئ بشيء
ما في الأفاق ..ما هو .....................؟؟
الفصل الخامس
وأشرقت
شمس الحرية
بدأت كل تلك الأحداث ومفردات الصورة تؤثر في مصري
وظلت فى ذهنه تلك الصورة عن النيل الذي يطهر نفسه
بنفسه
وهذا إنما يكون بإصراره على الجريان ومقاومة الركود
ومن هنا تغلب على كل المنغصات ...
فالحركة والتدفق ورقص الموجات على السطح والدوامات
المائية فى مواضع محددة كفيلة بتجاوز
العقبات و تطهير الذات ..
..شعر مصري أنه بحاجة للدكتور نور الدين ليتبادل معه الأفكار
ويستنير برؤيته الواضحة للأمور .
إتصل مصري بالدكتور نور الدين وحدد معه موعد
وتقابلا فى الثامنة مساءا فى أحد المقاهي بالجيزة
وكان هذا يوم الجمعة 14يناير 2011
14 يناير كان نصر الثورة
التونسية بعد هروب بن على
وبعد أن لبّى التوانسة نداء جدهم أبى القاسم الشابّى
..
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
...
تحدث مصري مع
الدكتور نور الدين في أمور كثيرة ومنها بحث مصري الطويل عن الحقيقة ..
سأل مصري أين هي ؟
الدكتور نور
الدين
لا أحد يملك الحقيقة المطلقة وأنها إجتهادات ورؤى
وإختلاف للتنوع وللتكامل وكلما تنوعت زوايا النظرة للحقيقة كلما تكونت صورة أكثر
قربا من الحقيقة ..
سأل مصري الدكتور نور الدين ...
رايحين على فين ؟
الدكتور نور الدين...
أ لابد من
الضغط لإنتزاع الحقوق وتحسين الأوضاع مع عدم التعويل على المعارضة الديكورية
المريضة والمخترقة....
وعلينا أن نستلهم النموذج التونسي ...الشعب.. هو كلمة
السر وهو المفتاح ...الشعب !!!...
للمرة الأولى يعرف مصري أن الدكتور نور الدين من
الداعين والمشاركين في تظاهرات 25يناير ...
مصري للدكتور نور الدين .....
هل تعتقد أن مصر ممكن أن تكرر النموذج التونسي مع
الوضع في الإعتبار أن هذه مصر بتعقيداتها الخارجية وبقوة القبضة الأمنية وبتعود
الشعب على الإستعباد لدرجة يظن فيها أن الغالبية ألفت القيد والهوان ومع تشرذم
وإختراق المعارضة ؟
الدكتور نور الدين....يتكلم بكل الثقة ....
هذا الشعب الذي ترى غالبيته
طيبة مستكينة وترضى بالقليل...وتلك ربما تكون حقيقة ولكن أين القليل ؟؟؟
هذا المارد لو تحرر من قيوده فهو كالجمال صابر يتحمل
الآلام ولكن فى غضبته لا تحده حدود ولا تقيده قيود ..
إتفق مصري والدكتور نور الدين على أهمية السعي وبذل الغالي
والنفيس والنتائج نتركها لمن يملكها ولكن
لابد أن يقوم كل بدوره
وكان بيت أبى القاسم الشابّى والذي طبقه على الأرض أحفاده
هو شعار المرحلة حتى 25يناير ....
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر....
فهل ينجح المارد فى التحرر من القمقم ويعبر العنق
الضيق وينطلق ..؟؟ تساؤلات تجول بخاطر
مصري
ودّع الدكتور نور الدين مصري وشد على يديه ونظر إليه
نظرة كلها أمل وتحدى .
شريط الذكريات طويل ومصري طالت جلسته تحت شجرة
الصفصاف ....
يحدثها وتحدثه يهمس لها وينصت إليها ...
يسألها ..أيّة راية تمثل الحقيقة ..؟
وتحت أيّة راية يناضل ..؟
وإنتظر جوابها عسى أن يهديه فى حيرته
فجأة رن تليفون مصري المحمول بصوته العالي وصوت نغمته
يقول الله الله يا مصر بصوت العفاسى الصافي
قطع التليفون على مصري حبل الذكريات وعاد إلى زمانه
ومكانه
حيث يجلس تحت شجرة الصفصاف وعلى ضفاف النيل .
..مصري أمسك المحمول فإذا هو الدكتور نور الدين يخبر مصري أن غدا 24يناير ولابد من وجوده
بالقاهرة للمشاركة في مظاهرات 25 ..
أكد مصري للدكتور نور الدين حضوره في الغد بمشيئة
الله وحياه وفصل التليفون شحن وأغلق إضطراريا...!!!!
مصري قام من مكانه وتمطع فاردا جسده من طول الجلوس
وتوجه لمنزله وفى طريقه كان هناك أمران يشغلان باله ..
أولهما هل يخبر أمه الحاجة فاطمة بما ينوى فعله يوم
25 يناير أم يجنبها القلق ..
ثانيهما هل فعلا ينجح الشعب فى فرض كلمته وإصلاح
النظام الحاكم فى مصر أم تتحول كسابقاتها من المظاهرات لكر وفر وهتافات ثم ينتهي
الأمر..؟
وصل مصري إلى البيت ..تناول العشاء ودخل ينام حتى
يستيقظ مبكرا للسفر
الحاجة فاطمة قلقة على غير العادة ..قلبها مقبوض ولا تدرى
لذلك سبب....
أذن فجر الإثنين
24يناير فإستيقظ مصري وتوضأ وصلى الفجر
وجهز حقيبة سفره وجاءت أصعب اللحظات
هناك شيء خارق للعادة لا يستطيع أن يضع عينه فى عين
أمه دخل عليها الحجرة ليقبل يديها كعادته فإذا به يقبلها من رأسها ومن بين عينيها
هنا إنتفضت الأم وقالت ...
بلاش بوسة ما بين العينين لأنها تفرق .
.
داعبها مصري برقته المعهودة...
فراق إيه يا ست الحبايب
دعواتك
وإستدار حاملا حقيبته وهو على الباب سمع صوت أمه
تنادى مصري..
فإستدار ببطيء
وكأن قدماه متسمرتين فى الأرض ورجع إليها فإحتضنته بعمق
قالت ..
خلى بالك من نفسك ...
لا إله إلا الله ...
رد مصري محمد رسول الله
وخرج مسرعا
وهو لا يدرى هل يكون اللقاء الأخير أم لا ..؟؟
وبعد الخروج من باب المنزل وجد مصري أقدامه تسوقه
للمقابر
هل يودع قبر أبيه ؟؟
أم يبشره بقرب اللقاء ...؟
وقف على قبر أبيه فقرأ له الفاتحة
وسأله ..
أبى هل وجدت الحقيقة بعد إنتهاء الرحلة ؟؟
ونظر للقبر وأنصت ينتظر الجواب ..!!!
وفرت دمعة من عينيه وتذكر المقولة الأخيرة لا تبكى فخشي
أن يخالف الوصية أمام قبر أبيه فسمح دمعته وواصل المسير إلى المصير ..
وعلى محطة القطار وبالمصادفة قابل علىّ صديق الطفولة ومعه محمود وإحتضنهما بشوق وحنين وكأنه
حضن الوداع الأخير....
قال محمود ..
ما بك يا مصرى أشعر فيك شيىء غريب
أمّن علىّ على كلمات محمود ..
إبتسم مصري وداعبهما قائلا إنه الحب الجديد ..
وتصافح الأصدقاء وحان موعد القطار الذى حضر فى موعده
بلا تأخير معهود
لحسن الحظ وعلى غير العادة يجد مصري كرسي فارغ فى
القطار فيرحمه من الوقفة ويعافيه من رف الحقائب الذي صار صديقا لمصري فى سفرياته
..وكأن القطار يحتفي بمصري أو يودعه ..
طوال الرحلة كان مصري هائما يفكر فى المويجة التي
سماها مصرية قبل سفره بيوم وفى مصرية فتاة الأحلام ومحبوبته التي لم يراها إلا مرة
من سنوات تجاوزت العشرة فى رحلة رشيد ....
وعن معشوقته التي
سار في كل السبل من أجل الوصول إليها سعى فى دروب الناصرية وتقلب فى فكر
الإسلاميين وتحرر فكريا ليصبح ليبراليا فيراها بعقله
ثم إستقر في الوسط يفتح قلبه بالحب للجميع ويسمع من
اليمين واليسار ويكون حازما واضحا فى ما يغلب على ظنه أنه الحق ويقاتل بإستماتة
للوصول للحقيقة
وإن ظن أنه وصل فتبقى حقيقة نسبية ويبقى فهمه لها
فهما بشريا قابل للتجويد والتعديل وتبقى مواقفه مرنة خادمة لمبادئه ....
ويظل البحث مستمرا مع كل شهيق
هل تصل مصرية المويجة لمعشوقها عند الملتقى فى
رشيد...؟
وهل تجمعه الأقدار بحوريته مصرية ؟؟
....وهل يرى الحقيقة أمام عينيه أم أنه ضل المسير ...
وصل القطار سريعا ولم يتسكع فى الطريق كالعادة وكأنه يتم
الإحتفال بمصري !!
ونزل من القطار دون أن يدخل فى الدوامة البشرية
المعهودة
مصري بدأ يتعجب !
والرصيف لايوجد عليه ركاب فى باب الحديد !!! هل حان
وقت الراحة للقطار ؟
تقابل مصري مع الدكتور نور الدين عقب وصوله
الدكتور نور الدين لم
يكن محسوبا على فئة سياسية معينة كان
محسوبا على مصر وعلى شعبها فقط كحال مصري
الدكتور نور الدين محدثا مصري..
سنترافق سويا
في مظاهرات الغد يا مصري ..
مصري ..
بكل تأكيد يا دكتور
فجأة قلق مصرى وظهر القلق واضحا عليه فسأله الدكتور
نور الدين ما بك ..؟
مصري...
أمي ..!!!
تلك السيدة التي ليس لها في الدنيا بعد الله سواى
..تلك العين الزمزمية الحانية والتي تمنيت أن أتحول يوما ما لأبيها وحاميها وأرد
لها جزءا من عطائها الغير محدود
الدكتور نور الدين ...
ينظر بحنان وإشفاق لمصري ويداعبه برقة وقال له ..غدا
تحقق لها كل ما تتمنى....
مصري للدكتور نور الدين ...
والدمع يملأ مقلتيه لو كان المصير المحتوم فوصيتك أمي..وصيتك أمي يا دكتور .
وتفرق الصديقان على موعد للقاء غدا ظهرا أمام دار
القضاء العالي بوسط القاهرة ....
يوم 25 يناير ...عيد الشرطة ...الشرطة التي جادت
بدمائها في 56 من أجل الوطن والتى تحولت لجلاد لصالح النظام
25 يناير موعد توصيل رسالة لنظام الحكم أن الشعب يمرض ولكنه لن
يموت ...مصر على موعد مع التاريخ
فى ظهيرة 25 يناير 2011
إلتقى الدكتور نور الدين ومصري عند دار القضاء العالي
الشمس مشرقة في هذا الجو الشتوي ورجال الأمن المركزي تحاصر بضعة مئات من
المتظاهرين
وحركة المرور إنسيابية والكاميرات تتجول هنا وهناك
لتسجل الحدث من زوايا مختلفة
العدد قليل
والنجوم والسيوف تلمع تحت أشعة الشمس على أكتاف القيادات الأمنية ويبدو على
وجوههم الراحة وكأنهم يحدثون أنفسهم ساعتين وماشيين ...
تكاد ترى السخرية فى الأعين الأمنية ..ولسان حالهم
يتسأل أين الحشود ...؟
تمر الساعات ولا يدرى مصري ورفيقه كيف سينتهي اليوم
وتتحرك عقارب
الساعة تجاه الثانية وتتوافد مظاهرة كبيرة تشد من أذر الأعداد القليلة ويبدأ القلق
على وجوه قيادات الداخلية ويحدث شد في صفوف عساكر الأمن المركزي وتغضب السماء وتزمجر بصوت رعدة قوية مع أنها
صافية بلا سحب أو غيوم في ظاهرة نادرة غير مفهومة
وتتواتر الأنباء عن تجمعات متفرقة فى ميادين ومحافظات
مختلفة
وتشتعل المقاومة الشعبية فى عاصمة النضال المصرية
وتخط السويس بدماء أبنائها السطر الأول في الملحمة
المصرية ..
وتتحرك الحشود من أماكنها المتفرقة لتتجمع فى ميدان
التحرير
وتحرك مصري برفقة الدكتور نور الدين والحشود لا
يحملون إلا عشقا فى القلوب لهذا الوطن وأملا فى الغد المسلوب....
وصلت الحشود لميدان التحرير وشهد النيل على بداية
الملحمة وعلى الهتاف عيش حرية عدالة إجتماعية
وعى المصريون درس النيل العظيم الذي لم ييأس يوما فى
مواصلة المسير
ونظروا لتونس الخضراء بعين الغبطة وإستعاروا أبو القاسم
الشابّى وعلا صوت الحق ليؤرق مضاجع الظالمين ..
إستمر الدكتور نور الدين ومصري حتى العشاء ثم غادرا
الميدان مع البعض وقد أصلوا النداء
ولكن هيهات قد أسمعت لو
ناديت حيا ..
وظلّ الميدان يعلو منه الزئير .
جلس مصري يتابع الأخبار وكان دم شباب السويس هو الحدث
الأبرز وكان اليوم ناجحا بكل المقاييس
إلا عند هؤلاء الذين أصابهم الصمم فلم يسمعوا وفقدوا
حاسة الإبصار فلم يروا
مصر أصبحت على صفيح ساخن والدماء التي سالت بدأت تغسل
خطايا السنين وتحيى موات الضمير وتبعث الأمل فى نفوس القانطين
وبدأ الإستعداد ليوم الغضب الموعود وبدأ الإستعداد
لجمعة الزئير التي يكشر فيها الأسد عن أنيابه ويعصف بالقرود التي غرها حلمه فكانت
تتراقص على ظهره بلا حياء ولا خجل..
28 يناير
الجمعة الأولى فى سلسة الجمع المتتالية والتي أصبحت
المؤرق الأكبر لعروش الفسادين..
هي بداية الثورة الشعبية ...هي بداية الملحمة الوطنية
صلى مصري الجمعة في أحد المساجد وكان ينوى الذهاب
للتحرير عقب الصلاة ولقاء الدكتور نور الدين ..وعقب الخروج من المسجد فوجئ بثلاثة
من الشباب فى السابعة عشر من العمر أو يزيد...
ملامحهم لا يبدوا عليها شيء غير أنها ملامح مصرية
من مظهرهم وهتافهم لا يظن أحدا أنهم مسيسين ..
إنهم جزء من هذا الشعب ...
بدأوا يصفقون ويهتفون ..يا أهالينا يا أهالينا يلا
يلا إنضموا لينا ...
الغريب فى الأمر هى نوعية وحجم الإستجابة لتلك
الدعوات..
السياسي ومشربه الفكري
وكانت مصر تملأ القلب والوجدان ...ولا ينسى مصري تلك
السيدة المخمرة التي تبدوا البساطة في لهجتها تخرج من المسجد ومعها طفلها في
السادسة من العمر وتسير فى المظاهرة التي أصبحت حاشدة بإنضمام من خرج من المساجد
الأخرى ومن نزل من البيوت وهى تقول لطفلها إهتف إصرخ مع إخوتك ....
الشرطة تضرب سياجا حول المظاهرة..
والدنيا تظلم فجأة وتتساقط هنا وهناك القنابل المسيلة
للدموع كأنها حبات المطر
وتتواتر الأنباء عن خروج المصريين و إشتعال الميادين
وسقوط الشهداء فتلتهب المشاعر ويعلو سقف المطالب ليعانق الحرية فى السماء
وفجأة ودون سابق إنذار وفى سيناريو جديد لم يعهده الواقع ولا الخيال
إنهيار للشرطة وإنسحاب من الشارع وتحول المظاهرات والإحتجاجات لمظاهرات شعبية ..
إنفلات أمنى مصطنع تسعى الخفافيش لإمتصاص الدماء فى
الظلام ..
وظهور البلطجية والمجرمين بعد فتح السجون وهروب
المساجين ورجال كانوا أمنا للنظام تحولوا لإثارة الرعب وإفشال الميدان ...
وأصبح الميدان..ميدان التحرير قلب مصر النابض ..
18 يوما من الإبداع ..
تشربت رئتي مصري بالغاز فأخذ هدنة ورجع لبيته وحاول
إستنشاق جرعة من الهواء النظيف لتزيل آثار الغاز ..
ولكن أين يجد تلك الجرعة فهواء القاهرة كله مختلط
بالغازات وأصبحت الأرصفة ترتوي بالدماء ...
رن التليفون ..
رد مصري على التليفون .. إنه الدكتور نور الدين
يواعده في الميدان ويطلب منه أن يحضر سماعته وجهاز ضغطه وبعض الشاش والمطهرات ...
تقابل الصديقان فى الميدان وقررا البقاء حتى النهاية
..أو حتى البداية .......
وتولى مصرى مهمته فى خيمة الإسعافات ..وبدأ يسعف
الجرحى والمصابين ..
فى هدنة للراحة والعين تعانق النجوم فى السماء وتهرب
إليها من برد ليل الشتاء الطويل
قلبه سعيد ويشعر بشعور غريب ..
دقات قلبه تتسارع بشكل عجيب
وفى الحادية عشرة مساءا دخلت صحفية للخيمة العلاجية
وحاولت نقل الجراح بقلمها اللماح وبإصبعها الرقيق
لمست كتف مصري من الخلف منبهة له بوجودها
وهو منهمك فى ترتيب الأدوات إلتفت مصري
خلفه ليرى مصدر اللمسة الرقيقة التى تخالف كل التنبيهات ...وما تعود عليه من لمسات
وخيم الصمت لحظات ..
تلاقت العينان وبدأت كل عين تفحص الملامح المقابلة وعلامات
الدهشة والتعجب تكسوا الوجهان والذاكرة ترجع إلى هناك إلى رشيد حيث لقاء المويجة
بالموجة وحيث يتعانق الحبيبان بعد طول المشوار و غياب السنين
والنجوم يزداد بريقها فى السماء والقمر يبتسم فى منظر
عجيب
وفى آن واحد ينطق اللسانان كأنهما على موعد مع القدر
..
إنتا إنتى..
وتتداخل الكلمتان وتمتزجان ثم يخيم الصمت على المكان
ويعاود اللسانان النطق فى نفس الوقت حضرتك ..حضرتك .
.تمتزج الكلمتان بإبتسامات تنير الوجهان المتعبان فى مآسي
الغاز وجروح المصابين ودماء الشهداء ..
وفجأة تدخل إصابة خطيرة رصاصة فى القلب والقلب ممزق
بين حرارة اللقاء ونداء الواجب فى الخيمة فى
قلب الميدان ..
إستأذن مصرى الصحفية التى مازال لايعرف سوى لقبها
مصرية
وأكد عليها
عدم المغادرة وإنتظاره وترك قلبه بين يديها وأخذ عقله وذهب لقلب مصري نابض طعنته الأيادي
الخسيسة
حاول مصرى وقف النزيف وإجراء الإسعافات الأولية ولكن
الحالة حرجة وعربات الإسعاف لم تسلم من القتلة
فإستخدمها
الخفافيش أحيانا لإصطياد الأسود ومحاولة حبسهم فى قفص القرود ....
أدى مصرى واجبه ولكن الحالة حرجة وتحتاج غرفة العناية
طلب مصري الإسعاف ووصى بعض الشباب أن يرافقوا المصاب حتى يطمئنوا لوصوله المستشفى
وأن تسجل بياناته لمتابعته ولحمايته من غدر الغادرين ..
رجع مصري يبحث فى الخيمة عن مصرية أين أنت أيتها
الحورية ..؟
هل إختفت ..؟
هل كانت أضغاث أحلام خرج مسرعا يبحث يمين الخيمة
ويسارها وفجأة رأى نورها قادم فى منتصف
الطريق
كانت تؤدى هى الأخرى واجبها كانت توثق الهجمات
البربرية.....
تبادلا الحديث وتعارفا وكانت هي .....
شمس الحرية ... الصحفية المصرية والتي لقبها بمصرية وحكى
عنها لشجرة الصفصاف وأرسل لها القبلات والأشواق مع مويجات النيل
مصرى ...
إنتظرتك يا مصرية وطال الإنتظار
وبحثت عنك فى
كل الأمصار وأرهقت عيناي فى تفحص الوجوه بحثا عن بدر البدور ...
حكي لها حكاية مصرية التي أصبحت شمس الحرية وكلمها عن المويجة مصرية التي أرسل معها السلام
والتحية ...ونظر فى عينيها
وداعب وجنتيها وقال ..
أسرت الشمس..
عشقت الهمس...
وإكتوى القلب..
بنار الحب...
هل هو الوهم ...
أم هو الحق ..
همست فى أذنيها...
سمعت غليان بين ضفتيها ...
سألت الشمس
سألتها بالهمس..
هل هو الحب...؟
هل هو الشوق..؟
أم أحلام وهلس.
همست فى أذنى..
صرخت فى وجهي ..
دعني إتركنى..
لست للأسر...
لست أنا للمس..
أنا فقط للهمس...
إكتوى القلب..
بنار الشمس..
وسارت وطارت...
وطار النوم ..
شمس الحرية مقيمة أيضا فى خيمة فى الميدان ...تصارح
الحبيبان
وتواعدا على مواصلة المشوار وتعاهدا على عدم البعد أو
الفراق
وتعويض ما فات ...وحكت مصرية لمصري تاريخ عشقها له
وبحثها عنها منذ اللقاء الأول هناك فى رشيد ..
وتلاقت الموجة بالمويجة فى الميدان ....
الساعة الآن الثانية بعد منتصف الليل والجو شديد
البرودة خلع مصر الجاكت الذي يرتديه ووضعه على كتفي شمس الحرية
من هذا القادم من بعيد ينظر إلينا سألت مصرية .؟
مصرى ..
إنه الدكتور نور الدين من بعيد يفرك يديه من شدة
البرد وقادم إلينا ..
وصل الدكتور نو الدين
فقدم له مصري شمس الحرية هدية وقال له باسما هذه مصرية
تهلل وجه الدكتور نور الدين فرحا فقد بدأت البشريات
وقد كان مصرى قد حكي له عن مصرية و المفاجأة أنها كانت شمس الحرية ..
رافق مصري
شمس الحرية لخيمتها حتى تستريح سويعات فلا أحد يعرف مكنون الغد القريب و ما يسطره من أحداث ....
وخلد مصري والدكتور نور الدين للخيمة للخلود للراحة
بعض الوقت وتعجبا من الأقدار وإستبشرا بشمس الحرية ....
وغالبهما النوم من شدة التعب ...
حتى أيقظتهما أشعة الشمس الذهبية ..
تمر الأيام والليالي وحالة الميدان تزداد إشتعالا
وردود الفعل الباردة والمتأخرة تجعل الصورة أكثر ضبابية وكلما روت الدماء الذكية
شجرة الحرية وزادت التكلفة كلما علا سقف المطالب وبعد أمل فى الإصلاح لم يعد
للدماء ثمن إلا إسترداد كامل الحرية ..
مصري فى خيمته العلاجية يختطف لحظات للراحة ويواصل
الليل بالنهار مسعفا جراحات الجرحى ومحاولا تقليل الكلفة البشرية..
وإذا هدأت الأوضاع لساعات يسبح فى الميدان مع شمس
الحرية .يتفقد الوجوه ويلاعب الأطفال ..
شمس الحرية فى غياب مصري فى مهمتها الوطنية كانت
تتناول أطراف الحديث مع الدكتور نور الدين الذي صار قريبا منها فكريا وتولى هو
الحديث عن صديقه مصري وتاريخه وأحلامه .
وكانت تنقل الصورة الميدانية من الميدان لجريدتها
جريدة الحرية ..
..فى مساء ليلة هادئة نوعا ما وفيها من
الدفء الشيء القليل ولكن دفيء حب السنيين بين مصري ومصرية أو قل شمس الحرية
جعلهما يشعران بالدفء ويتجولان فى الميدان يتفحصا الوجوه المصرية......
وكانت المفاجأة بوجود الأستاذ جلال رمز الناصرية فى
الفردوس ومن معه ؟
يا الله إنه الأستاذ أشرف الإخوانى الكبير ومن القادم نحوهما إنه الشيخ إسماعيل السلفي
ومعه قس مسيحي يا الله .. صورة بديعة
ترسمها وجوه مصرية
سلم مصري عليهم وأخذهم بالأحضان وسألهم عن حال
الفردوس وأخبار الأهل والأصحاب وهم
يتبادلون التحية دخل أسامة ومعه رائحة الأزهر الوسطية فأحتضنه مصري بعمق حضن أظهر الشوق واللهفة وأرشدهم لمكان العيادة
الميدانية وسلم عليهم وأكمل المسير لأن شمس الحرية كانت تنتظره من بعيد
ومن بعيد رأى وجها يألفه ولكنه لا يتذكره ...إعتصر
ذاكرته وبعد عناء تذكر تلك الفلاحة المصرية التى كانت فى القطار فى الرحلة الأولى
ورأى نفس الضحكة الصافية التى تعاند بها كل الأقدار
وبجوارها كانت المفاجأة ...إنهما الوجهان الذي ظن مصري
أنهما نخاسان فى سوق النخاسة فى رحلة
القطار الأولى ....
ما أتى بهما ..هل كان سوء ظن منه ؟؟
أم أنهما جاء يتطهرا من خبث السنين ...؟
أم يحاولان النخاسة فى الميدان من جديد ؟
إجتمع فى التحرير المصرين بكل طوائفهم ليس الدرجة
الثالثة فقط ولا المهمشين وأصحاب المظالم و لا السياسيين والمسيسين فقط ولا
الناشطين فقط
فركاب البريمو
حضوروا وتلاحموا فى ملحمة تاريخية مع ركاب الترسو وتقاسموا زجاجة ماء واحدة
ولقمة خبز واحدة وتكاد تكون المرة الأولى التى تجمع تلك الأصناف التى تشكل نسيج
الوطن والتي باعدت بينها المسافات والفوارق الفكرية والإجتماعية والطبقية
والإختلافات الأيديولوجية .....
هنا قلب مصر
النابض وليس قلب القاهرة ..
هنا ترى النوبي من أقصى الجنوب وسمرة وجهه الباسمة
وطيبة قلبه وفطرته النقية .
هنا الصعيدي بشهامته ورجولته ونخوته يقدم العون
للمحتاج ويغيث الملهوف .
..هنا القاهري إخواني وسلفي لا تميز هيئته ...هنا القبطي مسلم ومسيحي
..
هنا ربيع العمر من الشعر الأبيض وهنا براءة الأطفال
..
هنا المفكرة والشاعرة والأديبة ..هنا بائعة البيض
والخضروات والأيادي الخشنة
هنا الريف
والحضر هنا كل صاحب أمل وكل عاطل عن عمل
هنا طلاب الحرية وراغبى العدالة والباحثين عن العيش
والكرامة
هنا نفوس ضاقت بالهموم وسئمت الضعف وآمنت بأنفسها بعد
الله .
هنا مصر ..قلب واحد وجسد واحد وأمل واحد ..تخافتت
وخفت الأعلام إلا علمها.
تضائل بجوار حبها كل العصبيات والفئويات والنعرات
والأيديولوجيات
هنا تلك السيدة المصرية الأصيلة تلك الدندنة
العصرية التي توزع البطاطين وزجاجات
المياه ...وسيارتها مليئة بالأدوية والمساعدات الطبية وتصطحب معها فلذة كبدها
يساعدها ويعينها فهي لا تجود بالمال فقط
ولكنها تشترى الحرية بنفسها وأولادها
هنا عمر مكرم يستيقظ من السبات ويهتف مع الشباب تحيا
مصر
هنا ساندوشات الفول التى قيل عنها كنتاكيات وطعمها
بالحرية أشهى من أفخم المأكولات
هنا أجندة واحدة وليست أجندات هنا مصر فى قلب الجميع
وهنا المصريات ..
نظر مصري فى محيط عيون مصرية وقال هنا إستعدت نفسي
ووجدت قلبى وأصبح لعمري معنى ..
حمرة الخجل كست وجه شمس الحرية والكسوف جعلها تذهب بعيناها
بعيدا عن عيني الحبيب الذى إنتظرته السنين ومع طولها لم تفقد يوما أمل اللقاء .
ثمانية عشر يوما سطرت الملاحم والبطولات فى تاريخ شعب
معتاد على البطولات وإن كانت غابت وطال الغياب ..
تجرى محاولات يائسة من نظام فاسد يتهاوى وتهرب أركانه
وتغترف من الأموال قدر إستطاعتها وتفر
فرار الجبناء
ويأتي خطاب صهيوني من رأس النظام يعتمد المكر
والخديعة ويحاول شق الصف وتفريق الجمع من خلال مخاطبة العواطف ومداعبة الشهامة
والنخوة التي يتحلى بها هذا الشعب
مصري ومصرية يستمعان للخطاب والدماء تغلي فى عروقهما
ويلاحظان بداية خلاف بين الوجوه بين رافض وهم الأغلبية وبين متحفظ ومتأثر بخطاب من
غريق يستنجد بالمروءة والشهامة المصرية ويرفع راية التسليم الخادعة ليعد بسط
سيطرته ونفوذه
تملك مصرى ومصرية القلق من الوقوع فى الفخ وظلا
يتابعان ردود الأفعال ...
فى نفس اللحظات كان خفافيش الظلام يجتمعون بحضرة
الشيطان
ويدبرون للهجوم على الميدان وتوجيه ضربة رجل واحد
وتوزيع
الدم بين القبائل والعائلات ....
نامت العيون قلقة بعد الخطاب المسموم وعين الله لا
تنام
وبدأ يوم صعب فى تاريخ مصر ...
هجوم تترى بربري يحاول أن يخنق النور ويعيدنا إلى
الظلمات
جمال وأحصنة ..سيوف وسنج..أسلحة بيضاء ونارية
طوب وقذائف مولوتوف ...خيالة وما هم بالفرسان وجمالة
وما هم بالشجعان ..
هتافات تعلو سلمية سلمية وسيل من الطوب يقذف لا يميز
بين طفل ولا إمرأة
وطلقات عشوائية لا تميز بين القلوب والأقدام وهجوم من
الجمال والأحصنة وضرب فى اليمين وعن الشمال ودماء تغرق الميدان
وأشلاء تتناثر تحت أقدام الحصان ..
بطحات وكسور وشروخ ..
صوت للباطل يعلو ويزهو.... وثبات للحق ودفاع مستميت
وإن خفت صوته ..
.ويبدو أن الحق له جنود علوية تتدخل وفق المشيئة الإلهية
..صبر وصمود أعقبه نصر ..
الخيالة يتساقطون على الأرض بسواعد فتية والذعر يملأ قلوب الجمالة
ومخزون الطوب ينفذ من البلطجية وصوت الحق يعلو وتزداد الحمية
وتهزم قوى الحق الفئة الباغية ...
ويفسد البغاة
بغبائهم سم الخطاب المسموم ...
مصري فى شدة عطائه فالوارد كثير والجرح عميق وهو قلق
على مصرية وكان يريدها بجواره إلا أنها أبت إلا أن تحمل قلمها وتخرج لتسجل الهجمة
التتارية وتسطر للتاريخ فصول من الملحمة
بقلم شمس الحرية ...
مصرى يعالج
جريح بقطع فى الجبهة وفجأة يقتحم العيادة الميدانية حصان يركبه بلطجي يحمل سيفا دون حرمة لمكان
إغاثة طبية
ويضرب بسيفه
ضربات عشوائية فيصيب مصرى بقطع فى اليد
اليمنى وخيط الجراحة فى يده يسقط على الأرض..ودمائه
تخلط بدماء المصاب الذى يعالجه
ويد الطبيب مصري تنزف من ضربة خسيسة لم تراعى حرمة
للمكان ولا للمهنة
ويا لسخرية
القدر فالمصاب الذى يعالجه مصري هو أحد المعتدين والذى أمسك به الثوار وأسقطوه من
على الحصان ..
ولكنه الطبيب يعالج ويداوى حتى المعادى ....
حاول زملاء مصري فى العيادة تضميد جرحه وخياطته ولكن
النزيف يأبى التوقف ....
فى اللحظة التى جرح فيها مصري إنقبض قلب الأم الحاجة
فاطمة التى أصبح ليلها نهار ونهارها ليل وحاولت الإتصال بمصري ورد عليها بصوته
المنهك يحاول إخفاء حالته ولكنه قلب الأم الذي ينفطر وتناشد إبنها الرجوع إليها
ويعدها مصري بالرجوع ويتحجج بعدم وجود إجازات ...ولكن قلب الأم له رأى آخر ..!!!
الحاجة فاطمة تكويها نار البعاد ويؤرق القلق نومها
فلا تهنأ بنوم ... وتتوالى الأخبار وعينيها لا تغادر التلفزيون ...
اللقمة صارت مرة فى حلقها لا تقوى على بلعها ..
وليس لها ملجأ إلى إليه ...!!
تسجد وتطويل السجود وتدعوا وتنادى يا الله
وفى نفس اللحظة التى أصيب فيها مصرى
كانت مصرية بقلمها وكاميراتها
ترصد الأحداث وفجأة سقط القلم من يدها و إنقبض قلبها وأحست بشكة فيه وضاق صدرها فتوجهت مسرعة للعيادة ووجدت مصرى ينزف ويحاول
زملاؤه السيطرة على النزيف دون جدوى ...
آه ..قلب شمس الحرية هو من ينزف وليست يد مصرى ..
والدمع يملأ عينيها ويأبى النزول
والقلب يبكى الدم مع كل قطرة دم تسيل من ذراع مصرى
...
طلب مصرى من مصرية أن تحضر الدكتور نور الدين ...
حضر نور الدين ملهوفا قلقا على مصري ...
طلب مصرى من مصرية والدكتور نور الدين أن يتمشى
بينهما ..قال نور الدين كيف وأنت متعب هيا بنا للمستشفى جرحك خطير
رد مصري أنا أعرف ما سيوقف النزيف ..
تعجب الدكتور نور الدين ومصرية وسارا معه فإذا به يذهب لشاطئ النيل ويطلب من
الدكتور مصري أن يسنده حتى يصل لماء النيل ..
سند مصري على الدكتور نور الدين وهو فى طريقه للماء
همس فى أذنيه ..
لقد أوصيتك بأمي خيرا والآن أوصيك معها بشمس الحرية
أوشكت عيني الدكتور نور الدين على البكاء ولكنه تمالك
نفسه
أخذ مصري حفنة من ماء النيل فغسل جرحه وإختلط دم مصرى
بماء النيل محاولا مسح عناء السنين عن كاهل النيل العظيم
فى اللحظة التى لمس فيها دم مصري النيل المتدفق حدث
أمران فى غاية الغرابة ....
توقف النزيف من جرح مصري بعد أن عجز الطب
ووصلت مصرية لأحضان الحبيب وكانت القبلة ...
وأحضان الحبيب المشتاق ...
ليست مصرية التى أصبحت شمس الحرية ولكنها المويجة
مصرية التى وصلت رشيد وعانقت البحر المشتاق ...........
تعجبت شمس الحرية وذهل الدكتور نور الدين من حكاية
مصرى مع النيل ...
يعود مصري والدكتور نور الدين ومصرية إلى الميدان وقد
توقف نزيف الجرح وسط تعجب زملاء مصرى ...وطالبوه بالراحة ولكنه أبى إلا أن يشارك
معهم فعدد المصابين كبير ..
تنحى الدكتور نور الدين جانبا وتذكر وصية مصرى وبدأ
يراوده القلق عليه ويشعر بقرب النهاية وأخذ على نفسه العهد أن لا يفارق مصرى وأن
يراقبه كظله وأن يحاول أن يشبع منه ...
وتمر الليالي وتتعاقب الأحداث
وتريد شمس الحرية أن تقوم بمهمة انتحارية..حتى تنقل
الصورة بموضوعية
تريد الذهاب إلى هناك ...إلى ميدان مصطفى محمود لترى
هل إنقسم الشعب المصرى وهل هناك خوف من حرب أهلية ...
مصرى لا يرحب بالفكرة ويخشى بشعور المحب على شمس
الحرية وأمام إصرارها لم يجد حل سوى مرافقتها فى رحلة تنكرية ...
ذهبا سويا للميدان المناوئ ليرصدا معالم الصورة
وكانت الأعداد قليلة بالمقارنة بميدان التحرير وكانت
الوجوه باردة ...خليط من أصحاب المصالح والمنتفعين وبعض المغيبين والخائفين على
الإستقرار وكثير من الوجوه المأجورة ..
وهؤلاء يهربون ساعة الجد فى الماسورة
إطمئن مصرى وشمس الحرية أن الوطن على قلب رجل واحد فى
الميدان وأنه لا خوف من الغربان
وشدا الرحال وعادا إلى الميدان ....
ويأتى صباح اليوم المشهود
الجمعة 11/02/2011
تبدأ غرابة اليوم من التاريخ فإذا قرأته من اليمين أو
اليسار يعطى نفس النتيجة ...!!!!!
الشمس مشرقة ونحن فى عز الشتاء مصرية تبحث عن مصرى
وجدت معه الدكتور نور الدين وظلت تنظر فى عينى مصرى
بلهفة وشوق وحنين ...
الميدان ممتلئ والأنباء تتواتر عن أن الملايين يملأوون
الميادين ..المصريون ينتفضون من أسوان حتى الإسكندرية صلاة الجمعة لا تميز فيها بين ليبرالي ولا إسلامي
ولا يرفع علم
سوى علم مصر وزهرة الصورة وقمة روعتها تلك السلسة
البشرية من جورج ومينا وتريزا
وغيرهم يجعلون من صدورهم العارية درعا لحماية إخوتهم المسلمين أثناء الصلاة للإله
الواحد رب الناس ..
ويردون التحية لخالد ومحمد وعبدالرحمن وعائشة
وزملائهم الذين حموا قداس الأحد بصدورهم العارية وأمّنوا إخوانهم المسيحيين فى
صلاتهم
ويتعانق الهلال مع الصليب فى محبة ووئام ..
ويتدلى فى نفس اللحظة فرع من شجرة الصفصاف ليشرب
ويهمس فى أذن النيل ..مصر اليوم فى عيد
مصر كلها خارج البيوت فى الميادين وشمس الحرية تتابع
المحطات والأخبار وتتواتر الأنباء عن خطاب لمبارك ويزداد القلق فلقد تعودوا منه
على اللامبالاة والإنعزال عن الواقع والغباء السياسي ..الكل يخشى ويترقب ..
خوف من الإنفجار فقد وصل الأمر لذروته ..
خوف من تصدع الجيش المصري المؤسسة الوحيدة الباقية
والضامنة لسلامة وطن تدبر له المكائد فى الداخل وفى الخارج
ومرت اللحظات ببطيء ويعلن التلفزيون المصري عن قرب
الخطاب المصيري
مصر ينتظر وبجواره شمس الحرية وظله الذى أصبح يلازمه
الدكتور نور الدين وفجأة يرن الهاتف ..
الحاجة فاطمة تبكى وتستحلف مصري بالله أن يعود
فلم يعد لديها طاقة على الإحتمال
ويعدها مصري بزيارة سريعة فى الغد المنظور فتحاول الحاجة فاطمة أن تصبّر نفسها وتطمئنها مع
أن القلق والهواجس تقتلها
ويبدأ الخطاب المقتضب يعلن عمر سليمان سقوط الطاغية
الميادين تشتعل والأعلام ترتفع ومصري يجد نفسه فى
أحضان شمس الحرية دون وعى يحتضنها ويرفعها عن الأرض ويلف بها ويبكى بكاء هستيريا
ويصرخ الله أكبر الله أكبر
ينصهر فيها وتنصهر فيه وتدواى جراح السنين ويشرق من
خلالها مصرى بعد طول الغروب
ويلتفت مصري
ليرى دموع الدكتور نورالدين ويحتضنه بعمق
وتبدأ شمس الحرية ترصد المشهد والدكتور نور الدين يتبادل التهاني مع الرفاق
والمجاورين ..مشاعر فرح جياشة وألعاب نارية
وزغاريد مصرية ....
السماء تحتفل والأرض تبتهج ومصر اليوم فى عيد
بعد هدوء الإحتفالات نسبيا وأنهت مصرية رسم صورة
الفرحة بقلمها وتسجيلها بكاميراتها بدأت
شمس الحرية تبحث عن مصرى الذى وعدها بزيارة الفردوس لترى الحاجة فاطمة معه فى الغد
فلم تجده وأعياها البحث
وبحث الدكتور
نورالدين عنه وحاول الإتصال به ولكنهما بعد فترة وجدوا المحمول فى خيمته
ولم يجدوا مصري ولم يستدلوا على أي أثر يدلهم عليه
إختفى مصري وبكت شمس الحرية وبكى الدكتور نورالدين
وأعلنتها شمس الحرية وفاء وبحثا عن مصرى حتى النهاية
البــــــــــــــداية
الفهرس
الباب الأول
الفصل الأول ....تحت شجرة الصفصاف
الفصل الثاني .....ليلة رعدية
الفصل الثالث ...الرحيل
الباب الثاني
الفصل الأول .. صراعات عائلية
الفصل الثانى ....ناصر وحلم الوطن الكبير
الفصل الثالث......مصرية
الفصل الرابع......أين الحقيقة
الفصل الخامس....مصرى والإخوان
الفصل
السادس مصرى فى
مواجهة المجهول
الفصل السابع
......مصرى والسلفية
الفصل الثامن .....الإختيار الصعب
الباب الثالث ..
الفصل الأول .....فى القطار
الفصل الثاني ....فى قاهرة المعز
الفصل الثالث ....فى القصر العيني
الفصل الرابع ..رياح ما قبل العاصفة
الفصل الخامس ...وأشرقت شمس الحرية
ليست هناك تعليقات: