غريب أمر النفس البشرية .فهي لغز محير عجز عن إدراك كنهه الفلاسفة وتاه فى دروبها ومنحنياتها وتضاريسها الباحثون ...
الإزدواجية التي تعانى منها النفس إستوقفتني كثيرا وبحثت عند الفلاسفة عن جواب شافي فلم أجد ..
نفس الموقف الواحد وربما فى الزمان والمكان الواحد تتلون النفس فى التعامل معه دون سند من مبدأ أو ضمير ..
وجدت مثلا شعبيا بسيطا فى الكلمات عميقا فى المضمون ربما يمس تلون النفس الغامض
..حبيبك يمضغ لك الزلط وعدوك يتمنى لك الغلط ...
هنا يتضح الميل والهوى الذى يحكم تصرفات تلك النفس المعقدة
يصفعك من تهواه سواء هوى قلبي أو مادى على وجهك فتتذكر الحلم والعفو ، وتلتمس الأعذار وربما تدير له خدك الثاني ، وينظر إليك نفس الشخص إن تغير الهوى نظرة لا ترضيك فتقيم الدنيا ويكون شعارك البادىء أظلم ..!!
طبيعي أن تتغير مواقف وكلمات الإنسان الباحث عن التجويد والساعي للحقيقة بتغير المعطيات وتغير الظروف ، وتتغير تلك المواقف للتناغم مع المبادىء ولا مانع من الإعتذار عن الخطأ والرجوع عنه ، بل المبادىء والتي هي من المفترض ثباتها ربما يتغير جزء منها إذا تغير المعتقد الديني أو الإتجاه الفكري وهذا ليس عيبا ، وفى الغالب كل الباحثين عن الحقيقة يتقلبون بين الأفكار والمعتقدات حتى تستقر سفينة أفكارهم على شاطىء الحقيقة التي ينشدونها .
العيب كل العيب فى التلون بلون فى الصباح ولون فى المساء دون تغير جذري فى الأفكار والمعتقدات إلا إذا كانت معتقدات وأفكار هؤلاء تتبدل مع الملابس فتلك علامة إستفهام أخرى ...؟
النفس البشرية على ما يبدو مرتبطة إرتباطا وثيقا بالأرض
ومع ذلك لو أصاب الحذاء غبار الأرض أسرعت بتلميعه ، ولو أصابت الملابس غبار الأتربة إنتفض الإنسان ليزيل هذا التراب
مع أن التراب هو الإنسان ...!!!
هو أصله وماضيه ومستقبله ، التراب هم السابقون من الجبابرة والقياصرة ، هم الأسلاف ومصير النفس المحتوم !!!
بعد محاولات لفهم تلك النفس التي تجمع الأضداد وتحتوى كل قبح وكل جمال ، وتكون ظالمة ومظلومة ، صالحة ومصلحة وفاسدة ومفسدة فى ذات الوقت ، وجدتها هي التراب .
هي الأرض بخضرتها وصحرائها ، بأبيضها وأسودها وأصفرها ، بأنهارها وبراكينها وزلازلها وصالحها وطالحها ومعادنها رخيصها وثمينها.
وكانت علة النفس الأساسية هي الهوى ومن ثم لابد من ميزان ليضبط إيقاع النفس البشرية، ما حقيقة هذا الميزان وأين هو ؟
وقفت عند الحديث الشريف انصر أخاك ظالما أو مظلوما،
فرأيت فيه ميزان عجيب لضبط إيقاع النفس البشرية .
فطرة سليمة من المتلقي لم تستسغ نصرة الظالم حتى لو جمعتهما الإخوة العقائدية ، ولم تأخذ الكلمات على عمى من بصيرة فتنطلق بها ، ولكنها سألت ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما ؟
وهنا كان الميزان ، ميزان الحق والعدل المجرد عن هوى النفس أو الروابط الإجتماعية أو حتى العقائدية والفكرية ، نصر الظالم برده عن ظلمه وإن جمعتهم الإخوة.
إنها العدالة المجردة والحق المنشود .
قاعدة ذهبية وميزان حساس لضبط إيقاع النفس البشرية لم أرى مثل تلك القاعدة فى أعراف القبائل ولا دساتير الديموقراطيات ولا مواثيق الحقوق .
وتبقى النفس البشرية بكل تعقيداتها بحاجة للميزان الإبداعي لمن أبدعها لتستقيم فى رحلة النهاية إلى البداية .
بقلم د عاطف عتمان
ليست هناك تعليقات: