مساحة إعلانية

ناصر وحلم الوطن الكبير أجزاء من رواية حكاية مصرى ..عاطف عبدالعزيز عتمان

عاطف عبدالعزيز عتمان سبتمبر 28, 2013


                          الفصل الثاني ..

                   ناصر وحلم الوطن الكبير
 أجزاء من رواية حكاية مصرى ....على صفحتها https://www.facebook.com/HkaytMasry

    فى هذه الفترة كان مصري بطبيعته محبا للخطابة والقراءة وهاويا لمتابعة السياسة
 وساهم حفظه لقدر من القرآن فى طلاقة لسانه وبلاغة بيانه ...عشق الكتب وتابع الجرائد وخاصة المعارضة منها
حفظ مصري خطب الزعيم الراحل جمال عبدالناصر منذ الصغر وكان متيما بجمال وبحلم الوطن العربي الكبير وفكرة القومية مع أنه لم يعاصر عبدالناصر ولا الإتحاد الإشتراكي ولم يكن عضوا فى التنظيم الطليعي ولكنه عايش حب عبدالناصر فى قلوب الفلاحين الذين تملكوا أراضى من الإصلاح الزراعي  وتخلصوا من سطوة الإقطاع وسيطرة رأس المال وذل الإستعباد فكان ناصر لهم هو المخلص ...
فعاش ناصر فى قلوبهم ومات وهو فى قلوبهم .
مات جسدا وما زال يعيش روحا وفكرا ومشروعا

عايش حب عبدالناصر فى قلب جلال ..
 العامل بمحلج القطن القريب من القرية وكان جلال ناصريا حتى النخاع وكان شخصا يمتلك قدرا من الثقافة ومؤمن إيمان عميق بالتجربة الناصرية وعاشق لجمال عبدالناصر حتى التطرف أحيانا فكان لا يسمح بحرف يسيء لناصر فى وجوده..
جلال.....
 ذلك البنيان الضخم وصاحب هذا الشارب الأسود المميز والذي يعتني به عناية خاصة
ومع وجود الشعر الأبيض متناثرا فى شعر رأسه إلا أن شاربه كان شديد السواد ...
كان شاربه على شكل جناحان عن اليمين واليسار من الأنف كأنها خريطة الوطن العربي من محيطه إلى خليجه .
كان حلم جلال هو حلم ناصر... الوطن الكبير لكل أبنائه
كان مصري يستمع لجلال وهو يحكى عن مجانية التعليم وعن بناء السد العالي وعن حرب ستة وخمسون ودور جمال فى حرب ثمانية وأربعون وكرامة المصري التي كانت مصانة فى العالم الخارجي
وعن مساكن الإسكان الشعبي وعن إنحياز جمال للفقراء والمهشمين
ومشروع الدولة التي بدا ظاهرا فى المصانع والمشروع النووي وحلم الوحدة العربية
وعن إغتيال جمال عبدالناصر  إن لم يكن بالسم فبالحسرة وإحتراق القلب
 وعن وفاته فقيرا لا يملك إلا الكفاف وعن جنازته المهيبة التي بكاه فيها المصريين بصدق وحرقة
جلال حزين على عدم إكتمال مشروع عبدالناصر وضياع الحلم ..ويعتصر قلبه من الألم كثيرا عندما يشاهد ما يعتقد أنه تزوير للتاريخ وتشويه للحقائق
وتنكر لناصر وفكرته ..بل أحيانا عداوته وعدم رؤية سوى عيوب مرحلته ..جلال يحلم بإعادة إنتاج المشروع القومى والسير على خطى ناصر ..

ربطت الصداقة وصلة القرابة بين جلال ومصري مع فارق السن بينهما فكان مصري فى الثالثة عشرة وجلال فى الأربعينيات
ولكن مصري كان يملك عقلا يفوق سنه وجسمه ويستمتع بمجالسة الكبار ....
وجمعهما حب جمال عبدالناصر..وحب مصر ..
                                                  
فى الريف لا توجد فسح ولا أماكن ترفيه ويكاد يكون لعب الكرة فى الشارع هو المتنفس الوحيد
وتوجد مناسبة سنوية تستمر حوالي الأسبوعين وتنتهي بالليلة الكبيرة  تعتبر فسحة العام
وترفيه من السنة للسنة
هذه المناسبة مرتبطة بتلك المساحة الشاسعة المحيطة بهذا المقام التاريخي على أطراف القرية  الذى ينسب لأحد الصحابة ممن هاجروا وإستوطنوا مصر ويقام له إحتفال سنوي
تكون فيه حلقات الذكر  وألعاب الأثقال  والنيشان والمراجيح
والدراويش ومظاهرهم الغير معهودة بالقرية إلا فى ميعاد المولد وفى هذه المناسبة
..وتوجد الألعاب السحرية والحاوي بالإضافة للحلويات والحمص والهريسة ..
وها هي صواني الطعام تخرج من البيوت لتذهب إلى أرض المولد ليأكل الدراويش وعابري السبيل
صواني مستديرة من الألمونيوم تعلوها أبرمة الأرز وتحملها النساء فوق الرؤوس ويظهر الدجاج المحمر أو ذكر البط من أعلى الصينية تراه العين بوضوح وتشم الأنف الرائحة التي يسيل من حلاوتها اللعاب وتشعر الشبعان بالجوع .
أجواء إحتفالية تكسوها الفرحة وتسرى عن الفلاحين فى سهرات مبهجة عناء العام من زراعة وحصاد وحرث وري ...
مصري كان يذهب للمولد ويدخل يستكشف تلك القبة الأرابيسك .داخل قبة المقام والتي من المفترض أن جثمان الولي يرقد فيها
جلس مصري يراقب ما يحدث داخل المقام
هناك من يهمس للخشب الأرابيسك وكأنه يناجى الولي الصالح ويبثه همومه ويتمنى أمنياته وفى النهاية يلقى بقطعة من النقود فى صندوق النذور...

وهذه المحرومة من الإنجاب تأتى للولي لتنذر النذر وتطلب الولد .
وهذا طالب جاء يطلب النجاح وهذه عانس جاءت تشكو العنوسة
وهناك ذلك الرجل العجوز صاحب اللحية البيضاء الطويلة والوجه ذو البشرة شديدة البياض المختلط بالحمرة
 والتي لا يكاد يظهر منه شيء بسبب كثافة شعر اللحية والرداء الأخضر والشال الأخضر والمسبحة الخشبية الغريبة من حيث الشكل وعدد حباتها والناس يلقبونه بالخليفة ويسعون لنيل البركة بلمسة و تقبيل يديه .
وهذه المجذوبة التي تتمرغ فى أرضية المقام وتتمتم بكلمات غير مفهومة وحركات غير مألوفة
مصري لم يتقبل هذا المنظر ولم تألفه نفسه فخرج من المقام ليتجول فى المولد فقابل إثنين من  زملائه محمود وعلىّ
محمود الفتى الأسمر خفيف الظل نحيف الجسد طيب القلب هو صديق لمصري ويجلس جواره فى المدرسة
وعلى ذو البشرة البيضاء والجسم الممتلئ وصاحب القفشات والهزار العنيف أحيانا  يجلس بجوارهما ويأخذ نصف المقعد وحده ..
وتبدو بشرة مصري وجسمه هو الحالة الوسط بين محمود وعلى ..
أخذ الأصدقاء يتجولون فى المولد وبدأوا يتسابقون فى لعبة النيشان وفاز مصري وجاء عليه الدور حتى يختار هديته وهى صورة من مجموعة من الصور للمشاهير ولاعبي الكرة والفنانين
عيني مصري تقلب فى الصور وتمسك يده واحدة بعد واحدة وعيناه حائرتان وكأنهما تبحثان عن ضالة ...؟
وبعد عناء فى البحث إلتقطت أصابع مصري صورة مختفية بين صور المشاهير والمطربين ..
أمسك مصري بالصورة وتفحص ملامح وجه صاحبها وعاش مصري لحظة داخل شموخ الصورة
أمسك مصري بالصورة وإختارها من بين كل الصور وأصدقائه ينظرون إليه فى تعجب وحيرة !!!!
ويسألون ما هذه الصورة التي  إخترتها  ...!!؟
يرد مصرى ..

إنها صورة الهرم الرابع ....
إنها صورة النيل المتدفق عبر الأراضي والعصور..
إنها صورة جمال عبدالناصر ...
نعم جمال عبدالناصر الذى كان يراه مصري أنه هو الحلم والأمل..
كان يرى مصر مكتوبة بين عينة والأمة العربية مطبوعة على جبينه
كان يحلم بجواز سفر عربى يركب القطار من القاهرة فيذهب ليغسل قدميه فى المحيط ويعاود الكرّة فى القطار ليصل للخليج فيسبح على شاطئه ...
يأكل اللحم من السودان ويأخذ الغاز من قطر ويرسل القطن والقمح  للسعودية ..

تعجب الأصدقاء لإختيار صديقهم بل سخروا منه مداعبين ...ماشى يا عم السياسي الكبير
وإنتهت السهرة بنصف كيلو هريسة أكله الأصدقاء وظلوا يتعاركوا على الفوز بنصيب الأسد من الهريسة وأوشك الليل على الإنتصاف وتفرق الجمع كل إلى بيته ...

دخل مصري بيته يحمل الصورة وهو سعيد بها وبحث عن مسمار وشاكوش وثبتها فى غرفته فكانت صورة جمال عبدالناصر التي يراها مصري صورة وطن هي أول ما تراه عينيه كل يوم ...
جمال عبدالناصر كان صاحب كاريزما وكان يجيد الخطابة لفظا ونبرة وتعبيرا وإحساسا...
كان يمثل لمصري ..الرجولة والشهامة والإنتصار للفقراء والمهمشين ..
جلس مصرى يحلم بتلك المهرة العربية ..التى يركبها ويزور بها كل البلاد العربية ..رسمها فى خياله وأخذ يحدثها





مهرة عربية  مهرة سمرا...مهرة بيضا...مهرة حمرا...
ولا صفرا  كأشعة الشمس الذهبية..الأكيد إني مهرة عربية..فأصلى عربية..
عزيزة وأبية...بالحسن موصوفة...وبجمالي مغرية...سبحانه من صورني..
ومن جماله إدانى..وبعشقي خلاني..
تموت النفوس فيا..وزيني لخلقه....
وللنفوس حببني..وجعلني فى السلم زينة..
وفى الحرب جنية..والنبي سليمان ..
من حسنى حياني..ده أنا مهرة عربية..
لا شرقية ولا غربية...عزيزة وأبية ..
كرامتي تاج رأسي..وعن الذل مستغنية..
وبالحرية معنية..لا سلاسل تقيدني ..
ولا قيود تحددني ..ده أنا مهرة عربية..
عزيزة وأبية..أنا شرف العربي..
وهو ناسى وكل إلى ليه....
عروسة مستنيا.....ومهري هو الحرية....
لا حدود بتمنعنى..ولا تأشيرة يعنيا..
جواز سفري عربي...وتأشيرتي مهرة عربية...
فى المحيط أبل رجليا..وفى الخليج أعوم أنا يا عنيا..
ده أنا مهرة عربية..عزيزة وأبية..
من فاس أنادى..فين هوه خيّالى..
وأعدى وأنا جيّه..على بلد المليون هدية...
مليون شهيد للحرية...وبعدها على الجنّة المنسية..
على تونس..على سوسه...وعلى الجبين أديها بوسة...
ومن طرابلس لبنغازي....طريقي لإسكندرية.....
وأقول وأنادى .....يا  قلعة  .. يا  متحف...
يا مرسى  يا شط إسكندرية...
وألف وأدور ..وأروح وأجي ..
أدور على الفارس ..أدور على خيّالي..
فين هوه يا خالى ..فين هوه خيّالى..
وجانى حنين..وكان الأنين....
وفى مكة ناداني ..حنيني وأشواقي ..
وطفت بالبيت..ولبيت ودعيت....
ودرت ولفيت....وعلى حالي بكيت...
وإشتقت للزيارة.....طيرت بجناحاتى....
على مدينة محبوبي....حطيت أنا رحالي...
وسلمت على سيدي....ورد الحبيب التحية ..
وبلغني السلام والتحية لخيّالى إلى مستنياه عنيه...
ومن الرطب كلت ودعيت...ونسيت..ونسيت....
 إني من زمزم ما إرتويت....رجعت تاني على مكة....
ومن زمزم رويت ...عطش السنين والحنين..
وعلى بغداد أنا جيت...وعلى الرشيد بكيت...
وعلى المعتصم ناديت..وصهيلي رجع تاني..
صدى أنين فى ودانى..وعلى دمشق أنا عديت..
وصهيلي على وناديت...فينك يا خامس الخلفاء...
فينك يا عمر ...فينك يا ريحة الفاروق...
العدل بعدك غاب..والناس عايشه فى غاب...
ده أنا مهرة عربية ...عزيزة و أبية..
آه يا حمص آه يا حماه....
آآآآآآه دم ولادك  ....طرطش  على توبى..
هزّ قلوبي..ده أنا مهرة عربية
عزيزة و أبية..
فينك يا صلاح الدين..فينك يا سيف الدين..
فينك يا خيّالى.....
ونهاية المشوار.....بعد هنا وهناك....
هتكون هناك ....على عتبات القدس..
سير وأنا أسير ...على الأقصى الأسير..

لما يجى خيّالى ....فينك يا خيّالى...
فينك يا إلى فبالى..دا أنا مهرة  عربية ..
عزيزة  وأبية...

كان ناصر حلما جميلا لم يكتمل
ولكن جثمان ناصر رحل عنا وبقى ناصر فى قلوب عاشقيه  وفى ذاكرة التاريخ ..
بقيت مدرسة فكرية تسمى الناصرية وهكذا أصحاب الفكر تموت أجسادهم وتبقى الأفكار والأعمال فيخلدون عبر التاريخ.....
رواية حكاية مصرى
دار الجندى للنشر
د.عاطف عبدالعزيز عتمان



مشاركة
مواضيع مقترحة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ واحة الأريام